رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الترعة الحلوة

عند البدء في حفر قناة السويس كانت كبرى المشاكل التي تواجه العمالة هي عدم توافر المياه الصالحة للشرب، حيث كانت تأتي في حوافل محملة علي ظهور الجمال من دمياط والمدن القريبة من مدخل القناة قبل إنشاء مدينة بورسعيد.. وبعض السفن المحملة بخزانات المياه وترسو في المنطقة المسماة حاليًا بـ(الرسوة) ببورسعيد.. ووقتها ضغط ديليسيبس علي الخديو إسماعيل لحفر ترعة موازية للقناة لتنقل المياه الحلوة من الإسماعيلية لبورسعيد.. وبالفعل تم تنفيذها علي أعلي مستوي من الجودة وتبطين الأورنيك الخاص بها بالطمي لمنع تسرب مياه قناه السويس المالحة لها، ثم قام الفرنسيون بإنشاء محطة تنقية المياه بمنطقة الرسوة.
وفي أواخر القرن العشرين ومع الزيادة السكانية لبورسعيد قررت هيئة القناة توسعة الترعة الحلوة لجلب المزيد من المياه لبورسعيد.. وبالفعل قامت الكراكات بالتوسيع دون دراسة مما أدي لإزالة طبقة الطمي الحامية للتسرب واختلطت المياه ووصلت لمحطة التنقيه مليئة بالأملاح، وفشلت محاولات تحليتها وقتها مما هدد المدينة بالعطش.
كنت وقتها أعمل مديرًا لمنطقة بورسعيد بشركة المقاولون العرب واستدعاني وقتها المحافظ المحترم اللواء د. مصطفي كامل لحل المشكلة وبالفعل قررنا استبدال الترعة الحلوة بخط مواسير كبير يحمل المياه العكرة من القنطرة لبورسعيد وردم الترعة الحلوة.
كانت المشكلة التي تواجهنا هي الاعتمادات المالية، فالمشروع تكلفته في حدود ٣٠٠ مليون جنيه وهو مبلغ ضخم في ذلك الوقت.. حملت معي أوراق المشروع وتوجهت به لمقابلة المهندس محمد إبراهيم سليمان (وكان وزيرًا للإسكان وقتها) وبعد شرح أهمية المشروع طلبت منه توفير الاعتماد وأصدار أمر تكليف لشركة المقاولون العرب للتنفيذ الفوري .. استدعي الوزير المهندس محمود السرنجاوي (رحمه الله) وكان وقتها يشغل منصب رئيس الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي .. وعندما علم بقيمة المشروع قال إن هذا المبلغ يكفيني لتوصيل المياه لـ٤٠٠ قرية ليست لديها مياه صالحة للشرب واحتدم بيننا النقاش وأصررت علي رأيي أن عطش مدينة مثل بورسعيد أخطر بكثير من تأجيل مد خطوط تغذية للقري ووافقني أيامها الوزير محمد إبراهيم سليمان وبالفعل تم تنفيذ خط المياه العكرة لبورسعيد وردم الترعة الحلوة.
رحم الله الدكتور مصطفي كامل الذي توفي منذ أيام في حادث أليم ورحم الله المهندس القدير محمود السرنجاوي .. كانت المصلحة العليا هي الهدف الأسمي لكل المراكز القيادية.