رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف ستواجه أوروبا أزمة الغاز في 2023؟

الغاز في أوروبا
الغاز في أوروبا

قفزت أسعار الغاز، ما أدى إلى اضطراب الأسواق العالمية وسبّب تداعيات ملموسة ومكلفة للغاية مع تسابق أوروبا وآسيا لشراء شحنات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وقطر ودول منتجة أخرى.

وفي حين جمّدت دول مثل إسبانيا وفرنسا أسعار المستهلكين، فإن دولًا أخرى مثل بلجيكا سمحت للشركات المزودة إلى حد ما بتحميل الزبائن الزيادة في الأسعار.

أدرك جيل جديد من البلجيكيين والفرنسيين والإيطاليين إهمالهم على صعيد الطاقة عام 2022 وتعلموا مراقبة استهلاكهم، فقبل الحرب، كان الغاز وفيرًا ورخيصًا، وقد ناهز سعره المرجعي في السوق الأوروبية حوالى 20 يورو لكل ميغاواط في الساعة، لكنه ارتفع هذا العام إلى 300 قبل أن يتراجع إلى حوالى 100 يورو.

ويقول غراهام فريدمان، المحلل في شركة "وود ماكينزي" الذي يدرس سوق الغاز الطبيعي منذ 40 عامًا، "لم أشهد قطّ فترة بهذا الاضطراب".

توقف المصانع في أوروبا بسبب الطاقة

بسبب جنون الأسعار، اضطرت مصانع إلى التوقف خصوصا في قطاع الكيماويات الألماني الذي اعتمد على الغاز الروسي منذ الحقبة السوفياتية ورغم ذلك، تسنى ملء الاحتياطيات الأوروبية إلى أقصاها في الصيف بفضل آخر إمدادات الغاز الروسي، ولم يعان أحد من انقطاع الطاقة.

ويقول سيمون تاغليابيترا من مركز "بروغل" للأبحاث في بروكسل إنه "حتى فبراير، بدت فكرة أن أوروبا تستطيع الاستمرار بدون الطاقة الروسية مستحيلة" لكن "المستحيل صار ممكنا".

وقد حالف الحظ الأوروبيين أيضا، فقد أخّر اعتدال الطقس في الخريف استعمال وسائل التدفئة.

لكن ما حدث كان مفاجئا إذ خفضوا إلى حد كبير استهلاك الطاقة: -20% بالنسبة للغاز في الاتحاد الأوروبي من اغسطس حتى نوفمبر مقارنة بالسنوات الخمس السابقة، بحسب "يوروستات".

نصف الألمان لديهم مدافئ تعمل بالغاز، وانخفاض استهلاكهم "حاد، هائل" وفق ليون هيرث أستاذ سياسة الطاقة في مدرسة هيرتي في برلين. وهو يرى في ذلك رغبة في "عدم الدفع لبوتين" بقدر الرغبة في تقليص الفواتير.

كيف ستواجه أوروبا أزمة الغاز في 2023

ويتوقع أن تبقى فواتير الطاقة مرتفعة فيما يشير خبراء إلى أن سقف أسعار الغاز الذي اتفق عليه الاتحاد الأوروبي في  ديسمبر لن يكون له إلا تأثيرا محدودا على خفضها.

في غضون أشهر، خسرت روسيا أكبر مشتر لغازها، وهو أوروبا التي تراجعت مشترياتها من 191 مليار متر مكعب عام 2019 إلى 90 مليارا هذا العام، وربما 38 في العام المقبل، كما تتوقع مجموعة "وود ماكينزي".

واضطرت أوروبا إلى تعويض الفارق عبر الغاز الطبيعي المسال الذي اعتاد الاتحاد الأوروبي تجنّبه لارتفاع تكلفته.

لم يكن ذلك خاليا من الآثار السلبية، فقد "بدأت أوروبا تدفع أكثر من آسيا في مقابل الغاز، ولم تستطع دول مثل الهند وباكستان المنافسة" كما يؤكد غراهام فريدمان.

كذلك، للأمر تداعيات مناخية، فبسبب نقص الغاز الطبيعي المسال، باتت البلدان الأقل ثراء تحرق المزيد من الفحم.

لتفريغ الغاز الطبيعي المسال من الناقلات، هناك حاجة إلى موانئ قادرة على إعادة تحويله إلى غاز وضخّه في شبكات الأنابيب، وسارعت ألمانيا إنشاء أول منصة من هذا النوع في  ديسمبر.

وأعلن عن 26 محطة جديدة في القارة بينها محطة خامسة في فرنسا أقيمت في لو هافر، بحسب "غلوبال إنرجي مونيتور" التي تخشى من أن الأمر سيؤدي إلى اعتماد أوروبا على الغاز مجددا في وقت تسعى للانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة.

لكن في الشتاء المقبل والشتاء التالي، لن يكون هناك المزيد من الغاز الروسي لملء الخزانات خلال الربيع والصيف.

وتوضح لورا بايج الخبيرة في قطاع الغاز في شركة "كبلر" لوكالة فرانس برس، أنه كلما كان الشتاء أكثر برودة، سيتعين شراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال منذ الربيع، وستشتد بالتالي "المعركة" بين أوروبا وآسيا.

ويوافق غراهام فريدمان على ذلك قائلا "لا يوجد ما يكفي من الغاز في العالم لتعويض الغاز الروسي".

لن تنتج مشاريع الغاز الطبيعي المسال الجديدة ملايين الأطنان الإضافية حتى عام 2025 أو 2026، بحلول ذلك الوقت، هل يتعلم الأوروبيون العيش في ظل 18 درجة مئوية؟