رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ميسى ورونالدو

يحلو للكثيرين المقارنة بين ميسي وكريستيانو رونالدو من خلال الثنائية الساذجة الشهيرة: الاجتهاد في مقابل الموهبة، بل يتمنون انتصار أحدهما دون الآخر بناء على الثنائية دي، اللي هو أنا عايز الاجتهاد ينتصر، لأ، أنا عايز الموهبة تكسب.
بـ يعملوا كدا، وكـ إنه رونالدو مش "موهوب"، وكـ إنه ميسي مش "مجتهد"! والواقع، أنا مش عارف هما بـ يجيبوا الكلام دا منين؟ وبـ يعملوا المقارنات دي على أي أساس؟
قلت ميت مرة قبل كدا، مفيش حاجة اسمها "الموهبة" أصلًا، إنما فيه حاجة اسمها "الإمكانيات"، وأنا ما أقدرش أحدد بـ النسبة لـ شخص عدى التلاتين، أو حتى العشرين، هل الإمكانيات اللي أنا شايفها دي: فطرية (أي اتولد بيها)، ولا اكتسبها، ولا اتعلمها، ولا نماها، ولا غذاها، ولا سلقها ولا شواها ولا قشرها ولا كلها هم هم هم.
ما أقدرش أحدد، ومش مهم، المهم هو إيه "إمكانياتك" دلوقتي، على الأدق: ما تستطيع تقديمه من إمكانياتك.
طيب، هل الإمكانيات دي في الفراغ؟ أبسليوتلي نوت، الإمكانيات مرهونة بـ الوظيفة، وفي عالم كرة القدم (اللي هي لعبة تنافسية) الوظيفة هي المكسب، أي مساعدة الفريق في تسجيل الأهداف، أو منع استقبال أهداف، سواء بـ شكل مباشر أو من خلال أدوار معينة.
فـ من هنا، سواء رونالدو أو ميسي كلاهما يمتلك إمكانيات واضحة لـ العيان، وظهرت من خلال إنجازاتهم وأدوارهم وتأثيرهم (بـ غض البصر عن كاس العالم) لكنهم الجوز سواء مع أنديتهم أو منتخباتهم قدموا ما لا يخفى، وما تقدرش تقول مين فيهم "إمكانياته أعلى": هو ميسي يعرف يعمل ارتقاء رونالدو؟ ولا رونالدو يعرف يعمل باص ميسي؟ هل ميسي عنده حدة رونالدو البدنية؟ هل رونالدو عنده ليونة ميسي؟ الاتنين إمكانياتهم جبارة وفقا لـ أرقامهم.
طيب، هل ينفع نقول إنه ميسي مش مجتهد؟ منين الكلام دا؟ يعني إنت متابعه بـ يتدرب إزاي؟ عارف قياساته؟ أكيد لأ، بس إحنا شايفين الجوز في سن متقدمة، مع ذلك مفيش أي تقصير، ودا مش ممكن يحصل من غير تدريب شاق منهم هم الاتنين، بـ العكسن كون ميسي لا يتمتع بـ حدة رونالدو البدنية (على نحو تلقائي) دا "قد" يعطينا إشارة إنه بـ يبذل جهد أعلى، لـ الحفاظ على لياقته البدنية.
أومال إيه الفارق بين الاتنين اللي كل الناس حاساه، وبـ يفسروه بـ الاجتهاد مقابل الموهبة؟
خليني أقول لـ حضرتك اللي أنا شايفه، والأمر هنا يتعلق أكتر بـ فلسفة الجمال: الفارق في إضافة "لمسة جمالية" لـ الوظيفة الأساسية، حاجة كدا زي المحسنات البديعية في الشعر القديم، أو المؤثرات السمعية والبصرية في السينما، أو زي الكريزة اللي فوق التورتة، أو أي تشبيه في نفس السكة.
الحاجات دي "بـ تحلي" المنتج، إنما هي مش المنتج نفسه. ميسي يجيد هذه الحليات أما رونالدو لأ، مش أوي، أو مش بـ شكل ملحوظ، بل إنه كمان تحس رونالدو بـ يبتعد عنها، بـ يشوفها غير ذات أهمية من الأساس.
طاه، هل كون ميسى يتحلى بـ هذه الخاصية هو السبب في إنه صاحب مسيرة خارقة؟ الإجابة: كلا البتة! من غير إسهاماته في تحقيق إنجازات، الخاصية دي ولا ليها أي لازمة، ياما لاعيبة كانت مهولة، مش هـ أقول لك رونالدينيو، لكن خلينا في واحد زي دي نيلسون، ما كان ساحر.
بل إنه عندنا هنا في مصر، شفنا لاعبين من يقلوش عن ميسي (من حيث اللمسة الجمالية دي واللعبات الممتعة).
حازم إمام دا كان رهيب، مش هـ أقول لك محمود الخطيب، وفيه شيكابالا وإبراهيم المصري وحمادة عبداللطيف، وطاهر أبوزيد ووليد سليمان وطابور طويل من اللاعبين اللي بـ نسميهم مهاريين أو حواة أو ما شابه.
لكن في النهاية اسم كل واحد مرهون بـ مسيرته الشخصية، وما حقق من أرقام وإنجازات (ومستوى هذه الأرقام وتلك الإنجازات).
يعني المنتج ييجي أولا، ثم نقول إنه أنتجه بـ شكل جمالي ولا لأ، والمنتج هو المكسب ومستوى المكسب، يعني مثلا: أكيد هدف الخطيب في إسكو 1982 أجمل من هدف ميسي التالت في نهائي كاس العالم، بس دا في إسكو ودا في نهائي كاس العالم، المقارنة بينهم خلل عقلي، فـ المنتج أولا وثانيا وعاشرا، وبعدين نشوف "الحلاوة".
لكن، هل افتقاد رونالدو لـ تلك اللمسة الجمالية لا ينتقص منه؟ الإجابة: تنتقص، مين قال ما تنتقصش، ما دمنا بـ نتكلم عن مسيرات خارقة، فـ كل فتفوتة محسوبة (أو هكذا أظن): "س" بـ يقدم لي منتج منضبط، و"ص" بـ يقدم لي برضه منتج منضبط، بس كمان شيك، يبقى "س" أنقص من "ص".
دا رأيي، وهو ناتج عن انحيازي الشخصي، ومعاييري الذاتية، ما عنديش مشكلة لو كان عندك انحيازات ومعايير مختلفة، يعني مثلا، أقبل إنك تقول لي: بس الجمال نسبي، وأنا شايف الجمال كله في اللي بـ يعمله رونالدو، من باب إنه الانضباط في حد ذاته جمال.
ماشي! 
ممكن تقول لي: من يريد المتعة عليه الذهاب لـ السيرك، دي لعبة تنافسية زي القتال، والجمال في إحساسي بـ إنك مقاتل، مش رقص باليه هو!
ماشي!
فيه مليون طريقة لـ قياس الأمر، مش من ضمنها الاجتهاد في مقابل الموهبة، وسباق الأرنب والسلحفاة، علشان أنا خلاص شغل الحيوانات دا تعبت منه تعبت