رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نجاة علي: جابر عصفور أصر على مناقشة رسالتي رغم مرضه.. والنقد الأدبي تراجعت سلطته (حوار)

الشاعرة نجاة علي
الشاعرة نجاة علي

حازت الشاعرة نجاة علي، درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى من قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة القاهرة عام 2014، وتُرجمت قصائدها إلى العديد من اللغات مثل : الإنجليزية والفرنسية والألمانية والايطالية والاسبانية والسويدية.

وقد أصدرت"نجاة"  ثلاثة دواوين هي: “كائن خرافي غايته الثرثرة” صدر عن المجلس الأعلى للثقافة عام 2001، “حائط مشقوق” صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2006، "مثل شفرة سكين" صدر عن دار النهضة العربية بيروت 2010، ثم أصدرت كتابين نقديين هما "المفارقة في قصص يوسف ادريس القصيرة"،صدرت عن المجلس الأعلى للثقافة، مصر 2009. ،"الراوي في روايات نجيب محفوظ"،صدر عن دار الهلال مصر 2017، كما صدر لها مختارات شعرية بعنوان "قبور زجاجية" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2019، وتكتب  نجاة على  كذلك  المقالات النقدية  ومقالات الرأي  في عدد من الصحف  المصرية والعربية.


 

الشاعرة نجاة علي  أثناء قراءتها في مهرجان لوديف بفرنسا

و قد حصلت على عدة جوائز منها: جائزة أفضل ديوان شعر عن وزارة الثقافة المصرية،عام 1998 جائزة طنجة للشعراء الشباب العرب من  المغرب 2009 عام ، ثم تم اختيارها ضمن أفضل الكتاب الشباب العرب في جائزة بيروت 39 عام 2010، كما  حصل كتابها "الراوي في روايات نجيب محفوظ " على جائزة "نجيب محفوظ في النقد الأدبي،  في مسابقة أخبار الأدب عام 2018.

«الدستور» أجرى حوارًا مع الدكتورة نجاة على،  حول أهم محطات مسيرتها الأدبية..

نجاة علي  مع وزير الثقافة اليمني خالد الرويشان وأول تكريم من خارج مصر في دولة اليمن  عام 2004

بدايًة.. حدثينا عن أبرز منتجاتك الأدبية خلال السنوات الأخيرة؟ 

ربما تأخرت  في إصدار ديوان جديد، لكني لم أتوقف عن كتابة الشعر في أي وقت وأنشر قصائدي الجديدة باستمرار في العديد من المجلات الثقافية المعروفة، وبدون مبالغة أعتبر الشعر ركنًا من أركان كينونتي ووجودي، والملاذ الآمن للنفس، والنور الذي يشرق في أرواحنا كلما توحش العالم وازداد قسوة.

أظن أيضا أن السفر خارج مصر أفادني كثيرًا في تطوير وعيي وتجربتي الثقافية، وجعلتني أتمهل في الدفع بديواني للنشر، هذا إلى جانب انشغالي بدراستي الأكاديمية ورسالة الدكتوراه لمدة خمس سنوات في موضوع كان يحتاج مني لوقت كبير وقراءات مكثفة حتى أنجز رسالة أكاديمية ذات قيمة علمية تليق باسم الكاتب الكبير نجيب محفوظ، خاصة أنه يوجد ركام نقدي من الكتابات والرسائل الأكاديمية، وليس كلها بالطبع بنفس القيمة، لكن للأسف كثرة الكتابات عن نجيب محفوظ تشكل مأزقا خاصًا لأى باحث يتصدى لدراسته، إذا سيكون لزاما عليه أن يضيف جديدا وإلا سيقع في فخ إعادة إنتاج ما كتب عنه من قبل.

كيف تعاملت مع دراستك عن أديب نوبل في ذكرى ميلاده الـ 111؟

اخترت زاوية جديدة لم تكن مطروقة كثيرا حين شرعت في دراسته، واخترت دراسة الراوى في رواياته، وهوموضوع شائك جدا في نظري، فالراوي هو العنصر الرئيسى لدراسة بنية السرد الروائى، وهو العنصر المشكل لبقية العناصر السردية الأخرى، وهو المتحكم فى شكل البنية وتأليف الخطابات وبناء الشخصيات، واللغة التى تتحدد وفق وجهة نظر الراوى، وتبعًا لموقعه مما يروى، والمسافة التى تفصله عن الكاتب من ناحية وعن الشخصيات من ناحية أخرى. لذلك  فإن دراسته تصبح وسيلة مهمة لفهم إيديولوجيا النص، وكشف أفكار المؤلف الضمنى. ومن خلال دراستي تمكنت من دراسة أنماط الراوي الرئيسية في روايات محفوظ في أربع روايات رأيتها ممثلة لهذه الأنماط وهي: زقاق المدق،المرايا،ميرامار، أولاد حارتنا.                                                 

 

نجاة علي أثناء تسلمها جائزة بيروت 39 لأفضل الكتاب الشباب العرب في مهرجان بيروت 39

بما تبررين ابتعادك لفترة عن الوسط الثقافي في مصر؟

لدي وجهة نظر آمنت بها منذ أن كنت طالبة في الجامعة وأتلمس طريقي في عالم الكتابة، وهي أن الحضور الفيزيقي الكثيف للكاتب في كل الأنشطة (عمال على بطال) ليس في صالحه أبدًا وأمر يهدر الطاقة كثيرًا، ومع هذا لم أبتعد عن الوسط الثقافي بقرار مسبق لكنني اتخذت مسافة آمنة تمكنني من الإنجاز لأستطيع التوفيق بين مهام كثيرة تتطلب وقتا وجهدًا كبيرًا أقوم به خاصة مع ظروف حياة قاسية نوعا ما  فأنا أعمل وأكتب مقالات في الصحف الثقافية منذ تخرجي من الجامعة، كذلك دراستي الأكاديمية الصعبة أخذت مني الكثير حتى انتهيت منها وحصلت على درجة الدكتوراه في الأدب العربي، إضافة إلى مروري  بظرف عائلي خاص بمرض أمي، فأنا الابنة الوحيدة لها وكان عليّ أن أقوم على رعايتها. 

ومنذ سنوات وأنا أصبحت شبه  مقيمة بها بين المستشفيات.وللأسف بعد  كورونا صارت الأمور أكثر قسوة حتى أنني أصبت بعدوى هذا الفيرس مرتين جراء هذا  الوضع الخطير وكدتُ أفقد حياتي لكن عناية الله هي التي أنقذتني  ربما لأجل أمي.

   

الشاعرة نجاة علي  مع  الدكتور جابر عصفور و ولجنة المناقشة محمد بدوي وحسين حمودة وخيري دومة

ما هو تقييمك لحركة النقد الأدبي حاليًا؟

للأسف رحل عدد من نقاد الأدب الكبار من أمثال “إبراهم فتحي وجابر عصفور وصلاح فضل” وسط تراجع حركة النقد الأدبي في مصر والعالم العربي وتراجع سلطة الناقد الأدبي أيضا في الحياة الثقافية، خاصة  بعد ظهور السوشيال ميديا وصعود سلطة ظواهر البيست سيلر ومع ظهور سلطة لبعض الجوائز العربية والترجمات التي أحيانا تروج لأعمال أدبية ليست ذات قيمة كبيرة.

صورة لغلاف كتاب المفارقة عن يوسف إدريس للشاعرة نجاة علي .

كلامي عن تراجع سلطة النقد الأكاديمي لا يعني أبدا أنه لا يوجد نقد جاد، بالعكس هناك عدد من الأسماء المهمة( مصريا وعربيا) تشتغل على مشروعها النقدي بدأب ومن دون ضجيج منها على سبيل المثال "الدكتور محمد  بدوي الذي أراه من أهم النقاد في  مصر والوطن العربي ولديه العديد من الكتابات النقدية الملهمة ولديه كتاب مهم عن نجيب محفوظ أتمنى أن  ينشط و يصدره قريبا.

وهناك أيضًا، أسماء مهمة نقديًا مثل: حسين حمودة  وعادل درغام  وخيري دومة وسمير مندي وحسام نايل وغيرهم كثيرون، وعلى المستوى العربي أتابع بشغف ما يكتبه النقاد المغاربة: من أمثال عبد الفتاح كليطو وسعيد يقطين، محمد برادة وشرف الدين ماجدولين ،وعبد اللطيف الوراري.

وفي ظني أن وجود حركة نقدية جادة شئ ضروري لازدهار حركة الأدب، فالضمير النقدي المتيقظ الواعي هو الضمانة الحقيقية لتعديل كثير من المسارات الخاطئة وتحجيم حالة الزيف في واقعنا الثقافي التي نعاني منها الآن.

نجاة علي أثناء وجودها في إقامة أدبية في مدينة سياتل  بالولايات المتحدة الأمريكية

حدثينا عن علاقتك الأكاديمية والإنسانية بالناقد الكبير الراحل جابر عصفور؟

أعتبر نفسي محظوظة لأني تتلمذت على يد الدكتور جابر عصفور وعلى الرغم من أن هناك أساتذة كبارًا أفخر-بأنني تعلمت منهم - سواء بشكل مباشر أو غير مباشر- في قسم اللغة العربية عن طريق قراءة كتبهم والتأثر بأفكارهم وفتحوا لي آفاقًا جديدة في قراءة الأدب العربي ونظريات النقد الأدبي، فإن تأثير أستاذي جابر عصفور كان هو الأعظم أثرًا في وعيي، فلقد وجدتُ فيه نموذجًا للأستاذية الجامعية الحقة وللمثقف المستنير الذي قرأتُ عنه قبل أن ألتقيه، وللمحدث البارع الذي يأثر طلابه. وكانت تخايلني في ذلك الوقت طبعا صورة العميد طه حسين،أعتقد أن جابر عصفور أثر  فيّ مثلما أثر في كثيرين من طلابه و في كل من تعاملوا معهم .

وعلى المستوى العلمي، فإن الدكتور جابر لم يكن يرضى بسهولة عن أي شئ أو أية كتابة أنجزها بل كان دائم النقد الذاتي لنفسه، ولهذا كان يبدو قاسيًا مع طلابه ويطلب منهم أن يبذلوا أقصى جهدهم في الدراسة، وتعلمتُ منه أشياء كثيرة أخذتُها عنه منها الاستقلالية في التفكير والقسوة على النفس ومحاسبتها دوما وألا أقدس أفكاري وأن أضعها دوما موضع المساءلة المستمرة كي أتمكن من تطوير وعيي.

وإنسانيًا، فقد جمعني به موقف لن أنساه ما حييت، ففي ليلة مناقشتي لرسالة الدكتوراه أصيب الدكتور جابر، بأزمة صحية كبيرة وطلب منه الطبيب الراحة التامة وعدم الخروج منعا لحدوث مضاعفات واتصل بي الدكتور حسين حمودة ليبلغني بما حدث وبتأجيل المناقشة،  فقد كان مشرفا مشاركا على رسالتي مع الدكتور جابر، لكنني فوجئت بالدكتور جابر عصفور يتصل بي  في وقت متأخر ليلا حوالي الساعة الواحدة صباحا -على غير عادته- وصوته كان متعبا جدا ليخبرني أنه مصر على مناقشة رسالتي في موعدها لأن التأجيل سوف يتسبب في تعطيلي بسبب تعقد الإجراءات بالجامعة وبسبب الظروف السياسية في ذلك الوقت.

ورغم محاولاتي لإثنائه عن قرار حضور المناقشة، لكنه بحرص أبوي وشعور بالمسئولية كأستاذ يخشى على مستقبل تلميذته، أصر على  الحضور.ولهذا كنت متوترة جدا أثناء المناقشة وأشعر بالرعب من أن أكون سببًا في أن تزداد حالته الصحية سوءا.

نجاة علي في بيت الكاتب الأمريكي هنري ميللر  في حي بيجسر  بولاية كاليفورنيا

سافرتِ للكثير من مدن العالم وتم دعوتك للسفر والتدريس في اكتر من جامغة عربية وغربية، فلماذا كان الرفض؟

سافرت للعديد من المدن الأوروبية والولايات الأمريكية ودول أمريكا اللاتينية وشاركت في العديد من المهرجانات الشعرية الدولية وحصلت على أكثر من منحة للإقامة الأدبية مع عدد من المبدعين الأجانب، بعد حصولي على جائزة بيروت 39 وشاركت مع فنانين وكتّاب في ورش كتابة  في مدينة شيكاغو.

كما شاركت في لقاءات متعددة مع طلاب الجامعات في مدينة سياتل، وبالفعل جاءني أكثر من عرض للتدريس بالجامعة بعد حصولي على درجة الدكتوراة  لكنني للأسف لم أكن محظوظة بسبب ظروفي العائلية فقد تلقيت أول عرض للتدريس في دولة عربية وكان عرضا مغريا للغاية.

ووافقت في البداية لكن وفاة أخي الشاب المفاجئة سببت لي صدمة نفسية قاسية جعلتني أطلب منهم تأجيل قبول العرض لكن للأسف لم يتكرر العرض. 

وهناك عرض جاءني للعمل في إحدى الجامعات الأمريكية لتدريس الأدب العربي وكنت أتمنى الذهاب لولًَا مرض أمي الذي حال دون اتمام الأمر، وأيضا مجئ كورونا التي تسببت في حدوث أزمة اقتصادية طاحنة في العالم كله.

والواقع أنني أعتبر أن تدريس الأدب العربي في الجامعة هو أنسب وظيفة لي  لكنني للأسف لم أجد فرصة مناسبة لي هنا في مصر وهو ما يحزنني بالفعل. 

الدكتورة نجاة علي

إلى أي الحقول يكمن ويقع ويتأكد عشق الشاعرة نجاة على في هذه الفضاءات؟

الحقيقة أن الشعر والنقد كليهما خطاب ينتج معرفة وكلاهما يطرح أسئلة الوعي المؤرقة، فأنا مثلًا  حين أدرس أي كاتب أو شاعر فلابد أن هناك أسئلة جمالية تشغلني تخصني ووجدت أن دراسة هذا الكتاب هي الطريق الوحيد للتعبير عنها فاخترت  في دراستي للماجستير الكاتب الرائع يوسف إدريس في الماجستير وفي الدكتوراه نجيب محفوظ وطبعا نتيجة اشتغالي بالكتابة النقدية في الصحف والمجلات الأدبية المتخصصة صرت أبحث عن الكتابة التي تثيرني من ناحية الجدة وأراها جديرة بالكتابة عنها للفت الأنظار إليها. 

كتاب نجاة علي الحاصل على جائزة نجيب محفوظ في النقد الادبي من مؤسسة أخبار اليوم

ففي الشعر مثلًا، كتبت عن عدد من شعراء قصيدة النثر مثل علاء خالد، أحمد يماني،جرجس شكري ،عزمي عبد الوهاب، الشاعر اليمني محمد اللوزي والشاعر المغربي طه عدنان ومازلت أسعى لاختيار نماذج أخرى تكون على نفس المستوى من القيمة الشعرية.

 

أخيرًا.. أين الشاعرة نجاة علي من الجوائز في مصر؟

بدون مبالغة أعتبر أن أعظم جائزة أدبية نلتها حتى الآن، كانت متعتي أثناء الكتابة، كما أنها حققت لي توازنًا نفسيًا لم يكن ليحدث بدونها، لذا أنا ممتنة جدا للشعر وللكتابة بشكل عام. 

ومع هذا فقد نلتُ عددا من الجوائز من خارج مصر مثل جائزة بيروت 39 وهي جائزة (بالتعاون بين وزارة الثقافة اللبنانية ومؤسسة هاي فيستفال الإنجليزية والمجلس الثقافي البريطاني) عام 2010 

ونلت كذلك جائزة طنجة للشعراء الشباب من المغرب عام 2009 بالإضافة إلى عدد من التكريمات حصلت عليها في بعض الدول العربية. 

غلاف كتاب المفارقة للشاعرة نجاة علي

أما في مصر فباستثناء جائرة  صغيرة نلتها في الشعر وأنا طالبة في الجامعة، حصلت عليها من  وزارة الثقافة لم أحصل على أية جوائز أخرى في الشعر من مصر. 

ربما أسعدني الحظ بحصولي على جائزة نجيب محفوظ في النقد عن مؤسسة أخبار الأدب عام 2017. والحق  يقال أنا أيضا نادرا ما أتقدم للجوائز ولا أنشغل بها كثيرا بها، بل إنني أشعر بالخجل والدهشة حين أرى المعارك الضارية التي تنشأ بين بعض المبدعين من أجل الجوائز . 

 

حدثينا عن أحدث منتجاتك الأدبية؟

لدي ديوان جديد يصدر قريبا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، تأخرتُ كثيرا في إصداره  رغم أنه كان جاهزا للنشر من سنوات لكنني تركته في الدرج لسنوات فلم أكن متحمسة لأي شيء بسبب حالة الاكتئاب التي أصابتنا جميعا بعد كورونا ،حتى أنني أصدرت ثلاثة كتب في فترات متقاربة ورفضت عمل حفلات توقيع أو مناقشة لها.

ولدي أيضًا أكثر من مشروع كتاب في النقد الأدبي مازلت أعمل عليه، لكنني من النوع الذي يتمهل كثيرا قبل الإقدام على النشر، وأستشير دوما أصدقائي المقربين من الكتّاب  والباحثين بعد الانتهاء من أي عمل إبداعي أو نقدي.