رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مطران الأرمن الأرثوذكس: الرئيس يحافظ على قبول الآخر ولا يفرِّق بين المصريين (حوار)

جريدة الدستور

- نسمح بالزواج المختلط لأبناء الطائفة وأغلب حالاته مع الكنيسة القبطية

- تعدادنا فى مصر 7 آلاف نسمة موزعين على القاهرة والإسكندرية

- الدولة تلبى احتياجاتنا.. ولم تتجاهل لنا طلبًا

- مصر سمحت لنا بحفظ هويتنا وبناء الكنائس وممارسة طقوسنا بحرية

أيام قليلة تفصلنا عن احتفالات الكنائس المسيحية فى مصر بعيد الميلاد المجيد، وتأتى على رأس هذه الكنائس، الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية بقيادة المطران أشود مناتساجنيان.

ويملك الأرمن فى مصر تاريخًا كبيرًا، حتى إن أبناء الطائفة تولوا مجموعة من أهم المناصب الرسمية، وعلى رأسهم نوبار باشا، أول رئيس وزراء فى تاريخ مصر الحديث، إلى جانب توليهم حقيبة وزارة الخارجية أيضًا.

عن الطائفة فى مصر وأعيادها وطقوسها وأعدادها، ورؤيتهم لتعامل الدولة معهم، ومشاركتهم فى أهم قضايا الأقباط وعلى رأسها بناء الكنائس وقانون الأحوال الشخصية، يدور حوار «الدستور» التالى مع مطران الأرمن الأرثوذكس أشود مناتساجنيان.

■ بداية.. متى تحتفل الكنيسة الأرمنية بأعياد الميلاد والقيامة؟ ولماذا الاختلاف عن باقى الكنائس؟

- الكنيسة الأرمنية لها قانون خاص بالأعياد، وكان هناك تقويمان، شمسى وآخر قمرى، وكان الاعتماد على التقويم الشمسى يجعل مواعيد الأعياد ثابتة لا تتغير، فى مقابل أعياد أخرى يتغير موعدها بسبب الاعتماد على التقويم القمرى مثل عيد القيامة.

واستمر ذلك حتى أول تحديد لموعد عيد القيامة فى عام ٣٢٥ ميلادية، وهو ما نسير ونحافظ عليه إلى وقتنا الحالى، مع مراعاة يوم الجمعة كإجازة أسبوعية فى بعض الدول العربية، وذلك كى يناسب العيد عطلة المسيحيين الأرمن فى هذه الدول.

ونحتفل بعيد القيامة أو عيد الفصح مع عيد الربيع، عندما يتساوى طول الليل مع النهار ويكتمل القمر وفقًا للتقليد اليهودى، وذلك عقب عيد الربيع بأسبوع، وربما نختلف مع الكنائس فى موعده، لكننا جميعًا نجتمع على أهم شخص هو المسيح، فالتاريخ الذى يفرقنا فى موعد الاحتفال يجمعنا على محبة الله وقيامته ومحبة بعضنا البعض كفضيلة تعلمناها من المسيح، أما عيد الميلاد فموعده ثابت دون تغيير فى كل عام، مثل باقى الكنائس المسيحية.

■ كم يبلغ أعداد طائفة الأرمن وكنائسها فى مصر؟

- تعداد طائفة الأرمن الأرثوذكس فى مصر يبلغ ٧ آلاف نسمة موزعين على القاهرة والإسكندرية، والعدد الأكبر منهم موجود فى القاهرة، ثم يليها الإسكندرية، وهى تخضع لقوانين الكنيسة، ونتبادل الزيارات فى المناسبات مع كل الطوائف.

ولدى الطائفة كنيستان رئيسيتان فى الوقت الحالى، الأولى فى ميدان رمسيس بمحافظة القاهرة، وهى مقر بطريريكية الأرمن الأرثوذكس، وتحمل اسم «جريجوريوس الأرمنى»، وهو قديس لدى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إلى جانب كنيستين صغيرتين داخل مدفنين، تملكهما الكنيسة لأبنائها فى القاهرة.

أما الكنيسة الرئيسية الثانية فهى موجودة فى الإسكندرية، إلى جانب مدافن الأرمن فى المحافظة الساحلية، التى توجد بها أيضًا كنيسة صغيرة.

■ هل تقدمتم بطلب لإنشاء كنائس على ضوء إصدار قانون بناء الكنائس؟

- نعيش تحت إشراف ورعاية الحكومة المصرية، ولم نطلب بناء كنائس جديدة بعد صدور قانون بناء الكنائس الأخير، ونكتفى بما لدينا، ولا نعانى من أى مشاكل تتعلق ببناء الكنائس أو تقنين أوضاعها.

وعلينا أن نعترف بأن الدولة تلبى احتياجاتنا فى ثانية، وتقدم لنا كل الدعم الممكن، وفى كل مرة طلبنا شيئًا من الدولة تنفذه بسرعة كبيرة دون أى عوائق.

■ ما أبرز طقوس الكنيسة الأرمنية فى مصر؟

- الكنيسة الأرثوذكسية الأرمنية هى أقدم كنائس العالم، وبشر المسيحية للأرمن التلميذان تدَّاوس وبرثلماوس من تلاميذ السيد المسيح، واللذان بشرا الأرمن بالدين المسيحى الجديد فى منتصف القرن الأول للميلاد.

وفى عام ٣٠١ ميلادية، كانت أرمينيا أول دولة تعتنق المسيحية بشكل رسمى، وتعتبر الدين المسيحى دينًا رسميًا، ومنذ ذلك الوقت حافظت أرمينيا على الدين المسيحى، واعترفت به بشكل رسمى، وحتى لو كان ذلك يمثل خطرًا على حياتهم، وظل الأرمن ثابتين على الدين المسيحى، بما يُثبت كيف ارتبط الشعب الأرمنى بهذا الدين.

والحفاظ على الدين جعل الأرمن يفكرون فى بناء كنيسة داخل كل مكان يهاجرون إليه، لأن الكنيسة جزء لا يتجزأ من حياتهم، وبالتالى أصبح ارتباط الشعب الأرمنى بالكنيسة وطقوسها وصلواتها قويًا جدًا.

والكنيسة الأرمنية غنية جدًا بطقوسها وصلواتها وقداساتها الخاصة، وفى مصر حرصت الجالية الأرمنية على حفظ كل طقوسها وارتباطها بها. والدولة المصرية سمحت لنا بأن نحافظ على هوية الأرمن وبناء الكنائس وممارسة طقوسنا بكل حرية.

ولم يقتصر الأمر على الدولة، فالشعب المصرى احتضن الأرمن، وإلى يومنا هذا، منحنا المصريون الفرصة والحرية لكى نعيش معهم، فصرنا جزءًا من مصر، التى قدمت لنا الكثير ووقفت إلى جوارنا، وسمحت لنا باستمرار حياتنا على أرضها.

والطائفة الأرمنية فى مصر تحضر دائمًا القداسات والصلوات والطقوس باللغة الأرمنية، ولنا بعض الأعياد الخاصة إلى جانب عيدى الميلاد والقيامة، فنحن نحتفل أيضًا بـ«عيد الصليب» و«عيد السيدة العذراء»، بالإضافة إلى عدد من الاحتفالات الخاصة بأعياد قديسى الأرمن، الذين نحتفل بهم خلال العام، علاوة على الاحتفال بأعياد الكنيسة القبطية الشقيقة فى مصر. 

■ كيف ترى الزيجات المختلطة بين الأرمن وغيرهم من الطوائف؟

- قديمًا كان الزواج المختلط بين الأرمن والطوائف الأخرى معقدًا للغاية، وفى أرمينيا لا يوجد الزواج المختلط، لأن الغالبية العظمى من سكانها أرمن، والزواج هناك يتم بين الأرمن فقط، لكن الأمر مختلف تمامًا خارج أرمينيا، وذلك لأن الطائفة الأرمنية تعيش وسط شعب آخر، وبالتالى يحدث الزواج المختلط.

ومن المهم أن يكون الزواج الأرمنى قائمًا على المحبة والتسامح، ومن المهم أن تنظر الكنيسة الأرمنية إلى الحياة الروحية للزوجين، ولدينا حاليًا الجيلان الثانى والثالث من الزيجات المختلطة، علمًا بأن أغلب الزيجات المختلطة يتم مع الكنيسة القبطية الشقيقة.

ونشترط أن تكون الزيجات داخل المجتمع الأرمنى، وما زال أبناء هذه الزيجات يذهبون إلى الأندية والمدارس الأرمنية، ويتعلمون اللغة الخاصة بنا، ومن المهم أن يُعلم الأهل الطفل الارتباط بالتاريخ الأرمينى.

■ هل هناك مجلس ملى للجالية؟ وما أبرز مهامه؟

- المجلس الملى لطائفة الأرمن يتشكل من ٢٤ عضوًا، وهو مجلس استشارى وتشريعى، وننتخب ٧ آخرين كمجلس تنفيذى، ولدينا مجلسان فى القاهرة والإسكندرية، والمطران يرأس المجلسين ويدعو للاجتماعات وينفذ ويتابع ويشرف على تنفيذ القرارات من خلال موظفى البطريركية.

■ ما تقييمك لأداء «مجلس كنائس مصر»؟

- أهم سمة تميز الشعب المصرى وكنائسه هى التنوع، ومن المهم جدًا أن تكون هناك علاقة محبة وترابط بين الكنائس فى مصر، وهذا ما يفعله «مجلس كنائس مصر»، فى إطار سعيه لدعم العلاقات بين مختلف الكنائس.

ونحن نشارك فى الكثير من الاجتماعات والفعاليات الخاصة بـ«مجلس كنائس مصر»، وتجمعنا المحبة الدائمة مع جميع الطوائف المسيحية فى مصر، وقبل هذا المجلس لم يكن هناك كيان رسمى يجمع الكنائس المصرية قائم على محبة الآخر والتقارب بين الكنائس، لكنه فعل ذلك.

كما هناك موضوعات ثانوية نختلف فيها، لكن لا نختلف على المسيح ومحبته التى طبعت بداخلنا كمسيحيين، ولا على هدف كل الكنائس المشاركة فى المجلس، الذى يتمثل فى مساعدة الجميع على تعلم المحبة، وتأكيد أن الله ما زال يفعل المستحيل فى حياة البشرية.

■ هل تشاركون فى صياغة مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد للأقباط؟

- أريد هنا تأكيد معلومة هامة، وهى أن الكنيسة الأرمنية لا تهتم بالحياة الروحية لشعب الأرمن المسيحيين فقط، بل تهتم أيضًا بدعم الحياة العائلية، فمثلًا عندما يتعرض أرمنى لمشاكل إرث، يرجع إلى الكنيسة للعمل على حلها.

وعندما تم العمل على إصدار القوانين الخاصة بالأحوال الشخصية، طلبت الدولة منها اللائحة الخاصة بالأحوال الشخصية للكنيسة الأرمنية، وأيضًا عندما عزمت الدولة على إصدار قانون موحد للأحوال الشخصية للأقباط، دعتنا الحكومة لتقديم لائحة خاصة تنظم الأحوال الشخصية لدى الأرمن.

لكن أؤكد أن هناك لوائح خاصة تحكم الأحوال الشخصية فى الكنيسة الأرمنية، وحتى هذه القوانين تم تطويرها على مدار العصور لتناسب تطورات العصر الحالى، فمن واجبات الكنيسة فى الوقت الراهن أن تراجع قوانينها من وقت إلى آخر، والعمل على أن تتناسب هذه القوانين مع متطلبات العصر الحالى دون الإخلال بثوابت الكنيسة، كى لا تسهم القوانين فى هروب الأفراد من الكنيسة، وتساعدهم فى حل مشكلاتهم داخلها دون الابتعاد عنها إلى أى مكان آخر.

■ ما الذى تتضمنه هذه اللائحة الخاصة بالأحوال الشخصية لدى الأرمن؟

- لا يوجد فرق كبير فى بنود مواد مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد للأقباط عند الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وما لدى الأرمن فى المقابل، فنحن ننتهج نفس القوانين فى غالبية الأوقات والحالات.

لكن فى فترة ما، سمحت الكنيسة الأرمنية بالزواج الثانى بعد الانفصال والطلاق كنسيًا، عندما تستحيل العشرة بين الزوجين، حفاظًا على تماسك الأسرة، مع اشتراط أن يكون ذلك بعد محاولات كثيرة لحل مشكلات الزوجين، وهذا الأمر جاء لمنحهم فرصة ثانية، وتطبيقًا لمبدأ التسامح الذى علمه المسيح للبشرية، فالمسيح كان متسامحًا، وفى أوقات كثيرة كان تسامحه أكبر من تنفيذ القانون فى حياته، وهو ما ينبغى أن نتعلمه منه.

■ هل هناك هيئة أوقاف خاصة بالكنيسة الأرمنية؟

- عبر التاريخ هناك الكثير من الأرمن تبرعوا للكنيسة بأملاك أصبحت وقفًا تابعًا لها، وهذه الأملاك يشرف عليها المجلس الملى الخاص بالكنيسة الأرمنية.

■ هل هناك نية لبناء كنيسة للأرمن فى العاصمة الإدارية الجديدة مثل باقى الكنائس المصرية؟

- لدينا الفرصة لبناء كنيسة تابعة للأرمن الأرثوذكس فى العاصمة الإدارية الجديدة، وهى مدينة كبيرة الكل يجب أن تكون له مؤسسة دينية بها، لكن حتى الوقت الراهن لم نبدأ فى خطوات تنفيذية تجاه ذلك.

■ بصفة عامة.. كيف ترى أحوال الأرمن ومصر فى عهد الرئيس السيسى؟

- نحن عبر التاريخ لا توجد لدينا أى مشاكل فى مصر، وتعتبر مصر غنية بشعبها، وهى دائمًا ما تحافظ على مبدأ التنوع فى مجتمعها، بين الشعوب والطوائف التى تعيش فيها، وتحترمهم بشكل كبير.

ومصر ورئيسها مجتمع يحافظ على التسامح وقبول الآخر، ولا يفرق بين أبناء الشعب، ونحن سعيدون بالرئيس السيسى وحكمه لمصر، لأنه يشدد دائمًا على التسامح وعدم التمييز بين المصريين جميعًا.

ومصر دولة يحفظها الله، خاصة عندما زارت العائلة المقدسة أرضها وباركتها، لذا نثق فى أن الله يحفظ هذا البلد ويباركه فى كل وقت.

هل تشاركون فى مشروع إحياء «مسار العائلة المقدسة»؟

- الحكومة المصرية تسعى بجهود كبيرة لتطوير «مسار العائلة المقدسة» فى مصر، لدعم السياحة الدينية، وهناك سائحون كثيرون يزورون مصر، لكن اهتمامهم الأكبر يتركز على التاريخ الفرعونى، لذا أعتبر أن اهتمام الدولة بإحياء «مسار العائلة المقدسة» هو مستقبل السياحة الدينية فى مصر.

وهناك خطوات جادة اتخذتها الحكومة لتطوير «مسار العائلة المقدسة»، الذى تقصد به الأماكن التى زارها السيد المسيح والعذراء مريم فى مصر، ومن أهم هذه الخطوات، تطوير أماكن المسار، وإطلاق أفلام وثائقية ومسجلة وكتب ووثائق تروج لها، بالتزامن مع فتح هذه الأماكن للزيارة.

ولذلك نحن فخورون بالحكومة المصرية، التى تعمل جاهدة على دعم قطاع السياحة الدينية والترويج لـ«مسار العائلة المقدسة»، وهذا الأمر يجعلنا ككنائس مسيحية سعداء بهذه الجهود.