رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا تنسخ عامك الجديد من ماضيك

 أيام معدودة ويطل علينا العام الجديد بكل ما يحمله للبعض من آمال وأحلام تتجاوز المحن والآلام التى أتت بها الأيام الماضية، وربما يحمل بعض المخاوف أو التوجس خيفة للبعض الآخر، وهذا هو المحدد الفصل فى توقعات الأغلبية من البشر الذين لا يستخدمون الحسابات فى إدارة توقعاتهم.

تميل النفس البشرية إلى التوقعات المتطرفة فى حسابات المجهول، وأكثر ما يحدد اتجاه الميل هو نتائج التجربة موضوع الحدس، فمن أخفق فى مسألة أو مشكلة، غالبًا ما يقوده حدسه لتوقع المزيد من الأسى أو الفشل، والعكس لمن نال نتائج حسنة تجده يتوقع المزيد من الحصاد الجيد، لذلك يجب أن تتنبه جيدًا لموقفك المزاجى لدى الشروع فى حسابات التوقع، لأن الإفراط فى التشاؤم أو التفاؤل قد يتسبب فى الخلل المزاجى خاصة عند تحقق النتائج.

وهنا يأتى دور التساؤل المنطقى عن: كيفية وضع حسابات التوقع بترشيد راجح دون مبالغة؟

فى الحقيقة، الأمر ليس معقدًا، إذ يمكن الحصول على التوقعات من خلال معادلة «الانحدار الخطى»، وهى عملية حسابية من اختصاص الإحصائيين، ولا يتسع المقام هنا لشرحها.

طالما أن ليلة العام الجديد فارقة إلى هذا الحد، فلنتخذ منها منطلقًا لتخطيط العام الجديد، وإليكم بعض النصح فى هذا الصدد، وهى ليست آراء شخصية، وإنما هى فرضيات وضعها علماء السلوك، وخبراء علم النفس:

■ ضَعْ لنفسك أهدافًا تصب فيها جهودك لتحقيقها، وإياك أن تخطط لنيل نتائج بعينها، فالأهداف ليست كالنتائج، لأن الأهداف تعنى شمولية المراد، أما النتائج فهى الحصاد قريب الأجل، وهى جزء من كل فى التخطيط.

■ دقق أسباب الإخفاق التى حالت دون تحقيق أهدافك فى الماضى، وهى على الأرجح ثلاثة عناصر، أولها قراراتك غير المدروسة، أو ربما التى بنيت على الحدس وحده دون تقصى التفاصيل، وثانيها البيئة التى كنت تجاهد فيها، ويقصد بها بيئة الهدف، والإمكانات المتاحة لك للسعى، وثالثها الأشخاص الذين شاركوا بدور أو أكثر فى تثبيط جهودك وقتل عزيمتك.

■ راعِ تغير قيمة الأشياء والأشخاص، فعلاقات الماضى ليست كلها صالحة لحاضرك، ويقصد بقيمة الأشياء القدرات المالية، والصحة، ومكاسب العمل، وبذات الوقت لا يقصد بذلك الاستغناء عن البعض أو استبدالهم بأناس جدد، وإنما وقف الاستعانة بهم بسبب تبدل قناعاتهم لك، أو فتور علاقتهم بك.

■ لا تعرض خططك على أشخاص ليسوا من ذوى الشأن بقضيتك، فعادة ما يرشقك الناس بعبارات الإحباط إن لم تكن قضيتك ضمن محور اهتمامهم.

■ راقب بشكل مرحلى كل ما تنجزه أولًا بأول، ولا تنتظر لنهاية الرحلة لتصدر أحكامًا بالنجاح أو الفشل، فالتدقيق المرحلى كفيل بتغيير المسار إن لم تكن الجهود تسير على النحو الصحيح، فالخسارة القريبة أوفر من الفشل البعيد.

■ لا تنشغل بتحقيق الهدف المراد تحقيقه دفعة واحدة، بل يمكنك تجزئة ذلك الهدف الرئيسى إلى مجموعة أدق ليسهل تنفيذها ثم تقوم لاحقًا بربط الأفرع بعضها البعض لتحصل على الغرض الأساسى من الخطة، وهو تحقيق الهدف.

■ كُن جاهزًا بالبدائل فى حال إخفاق أى من المساعى، ولا تهدم المعبد برمته، ولا تتوقف فى منتصف الرحلة. تقوم فكرة تجهيز البدائل على اقتراحات متعددة تسد أى خانة تتوقف ضمن المدخلات.

■ لا تبالغ فى رصد نتائج مذهلة، بل تحرك ضمن الإطار المعقول الذى يمكن تحقيقه حتى لا تصاب بالإحباط لدى الحصول على النجاح بشكل جزئى.

■ استفِد- قدر المستطاع- من خبرات من سبقوك فى قضايا مماثلة لقضيتك، ولاحظ أن المشورة فى العالم الافتراضى قد تنطوى على خطورة التضليل والكذب، لذا يجب النهل من مصادر ذات موثوقية. كثير من المواقع الرسمية تقدم خبراتها بالمجان فى مجال الخبرات المهنية والحياتية. 

■ وماذا لو كان الماضى مليئًا بالنجاح، ألا يجب أن ننسخه فى عامنا الجديد؟ قد تبدو الإجابة للوهلة الأولى مؤكدة الإيجاب، وهو أمر مقبول، ولكن من الأفضل تغيير طعم النجاح، وتوزيع المكاسب الحياتية على أرجاء حياتك، فتارة تجعلها تخص عملك، وتارة أخرى تخص منزلتك الاجتماعية، وأخرى لصالح أسرتك، إلى أن يعطر النجاح كل الأجواء من حولك.

ولكن تظل أزمة وجود مرض أو مريض فى محيط الأسرة هى المعضلة الأكثر تعاسة على الإطلاق، وهنا يجب ترويض النفس على «بعض» القبول و«كل» الرضا بالبلاء، ولن يتأتى هذا أو ذاك إلا بالإيمان بفكرة أن القدر يرى، ويقرر، ويلزم، ويصنع ما هو مكتوب عليك ولا حيلة لك فى الفرار، ولكن هناك مساحة متاحة لك لتقلل الخسائر، وتعدل ردود أفعالك، وتتكيف مع المشكلة، ولتقنع بأن مشكلتك ليست الأسوأ من بين مشكلات البشر.

يشرح «ستيفن كوفى» فى القاعدة المنسوبة إليه والمعروفة بقاعدة «١٠/٩٠» ويخبرنا بالقاعدة السلوكية التى تحدد قدر مشاركتك فى مسار الحدث وفق إرادتك وجملة قراراتك. تفترض النظرية أن القدر يشارك بعشرة بالمائة من جملة ما يحدث لك فى حياتك، وهو الجزء الخارج عن إرادتك، أما التسعون بالمائة المتبقية فأنت من تصنعها وفقًا لما تقرره. ولعل المعنى الكامن فى طيات النظرية هو إجبار الشخص على الاعتراف بمسئوليته عن النتائج فى أى قضية خاسرة، وعدم التنصل منها، وهذه الفرضية تكفى لجعلك مبادرًا بالإصلاح، وعدم البحث عن شماعة تعلق عليها إخفاقك، بل يرى «كوفى» أن الفقر- مثلًا- هو صناعة بشرية جراء تخاذلك وقصور السعى لديك، فالله لم يقرر الفقر لأحد.