رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المستحيل ليس عربيًا

كلما خطا العرب خطوة نحو لقاء الوحدة المأمول؛ تدخل الآخر لعرقلة اللقاء وتعطيله بل ونسج المؤامرة تلو الأخرى لوضع عقبات تؤجل أي تفكير في لقاء جديد.
لكن ظلت هناك بعض الأحداث التي تطرأ من حين لآخر فتحيي الأمل وتشعل جذوة التمني في أن تنهض الأمة من جديد، وقد شهدنا مؤخرًا بعضًا من تلك الإرهاصات الأولى التي تذهب بالحلم خطوة نحو التحقق، وهي واضحة جلية بحيث تثبت للجميع وجهة نظر "العروبيين" المؤمنين بوحدة المصير وضرورة تشارك المسير.
قد تبدو تلك الإرهاصات جهودًا فردية وإنجازات وطنية، لكن ردود الأفعال الداعمة لهذه الإشارات اكتسبت زخمًا ودعمًا وتأييدًا عربيًا جعلها مؤشرات تعزز قوة الأمة كلها، وإن بدا الأمر جهدًا فرديًا، لكنه في النهاية يصب في صالح قوة الكيان العربي الواحد "تاريخًا ولغة وثقافة وهوية".
فقد كان نجاح مصر في تنظيم مؤتمر قمة المناخ بمشاركة دولية فاعلة وبأعداد كبيرة وبحسن استقبال رسمي وشعبي وبترتيب فعاليات ضخمة بل وبدحض مؤامرات - سعت للتأثير السلبي على نجاح الحدث- كلها أول تلك الدلائل على نجاح العرب وقدرتهم على حسن تنظيم وإدارة الفاعليات الدولية.
وقد خرج المؤتمر في النهاية بتوصيات مهمة نتمنى أن يكون المجتمع الدولي جادًا في تنفيذها حماية للبشرية كلها بل للكون كله من أخطار بيئية صنعها البشر بأياديهم وسوء تعاملهم مع البيئة.
ثم جاءت القمة العربية الصينية ذلك الحدث السياسي غير المسبوق، والذي جمع القادة العرب مع العملاق الصيني لوضع رؤى مشتركة في مجالات عديدة تنتهي بمخرجات تفيد الجانبين، فالمبشر في الأمر هو أن قوة عظمى بحجم التنين الصيني تنظر للعرب ككتلة واحدة، وقررت التعامل معهم من هذا المنطلق والأجمل هو ذلك التفاهم والتلاقي بين القادة العرب الذين نجحوا في التنسيق المشترك؛ ليظهروا في المباحثات كقوة واحدة لها وجهة نظر موحدة ولها مصالح مشتركة تدافع عنها بصوت واحد مستخدمة بذكاء شديد ما لديها من قدرات وما تمتلكه من إمكانات.
وبعيدًا عن معترك السياسة - نسبيًا- جاء الدعم العربي لتنظيم قطر للمونديال العالمي، والحفاوة العربية بذلك الإنجاز الذي يبعث برسالة تقول إننا كعرب لدينا القدرة على استغلال المقدرات المادية أحسن استغلال، وأن لدينا من الأهداف ما يمكن أن نحققه بكفاءة وبطرق شتى وأساليب متعددة بما في ذلك طريق الرياضة وأن ثقافتنا يمكن أن ننقلها لمن لا يعرفها ولم يسمع عنها بسلاسة كبيرة دون صدام، وإنما عن طريق التعايش السلمي والإقناع .
ثم تأتي تلك الفرحة الشعبية والتشجيع الجماهيري العربي غير المسبوق الذي حظى به المنتخب المغربي الشقيق خلال مشاركته الكروية في مونديال كرة القدم المقام حاليًا والملفت للنظر أن العرب جميعًا - دون استثناء- اعتبروا أن ما بلغه فريق المغرب في البطولة ليس نصرًا مغربيًا فقط بل تجاوزه لما يمثل إفريقيا كقارة والعرب كأمة وأثبتت لعبة ككرة القدم أن حناجرنا يمكن أن تهتف هتافًا واحدًا وأن قلوبنا يمكن أن تدعم ممثلًا واحدًا وأن عقولنا يمكن أن تفكر في فكرة واحدة هي "أن النصر نصر للجميع وفي المقابل يبقى الانكسار لبعضنا انكسارًا لمكونات الأمة كلها" .
وكانت ردود الأفعال نحو تلك المؤشرات الإيجابية لوحدة مصير أمتنا العربية أسرع مما توقعنا، فقد زاد إيمان "العروبيين" بضرورة تحقق الحلم يومًا ما حتى وإن كان هذا اليوم بعيدًا، لكنه آتٍ لا محالة.
وفي المقابل كانت هناك قوى الشر التي بدأت تنفث سمها سريعًا وتبحث عما يفتت هذه القوى الشعبية التي رأوها متوحدة دون نداء ويقظة دون داعٍ ومنتبهة دون هدف محدد، فقد خرجت أصوات تتحدث عن عروبة المغاربة وأمازيغيتهم وأصوات أخرى تهمش الأمر لتتحدث عن دعم اللاعب الفلاني لمنتخب المغرب لترد عليهم أصوات معارضة بأن الاتحاد المغربي لم يصوت للاعب في تصويت الأفضل عالميًا.
الخلاصة تقول إنهم طالما سعوا لتخريب ما تم إنجازه فنحن على الطريق الصحيح ويبقى المستحيل ليس عربيًا، ولكن علينا الانتباه لمثل تلك المؤامرات بأن يسعى العقلاء بعقلانيتهم ورجاحة تفكيرهم إلى تفويت الفرصة على المتآمرين والمتربصين والراغبين في تفتيت الأمة ودحض كل جهد يبذل لجمع قواها وتوحيد شعوبها من هؤلاء الأديبة المغربية العروبية فاطمة الزهراء بلمختار التي كتبت بعد انتهاء مباراة المغرب وفرنسا قائلة "شكرًا لكل من هتف لنا بالدعاء من أقصى إندونيسيا مرورًا ببلاد الشام ومصر الأبية إلى المحيط.. دمتم بهذا النقاء والبياض".