رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سليمان باشا... هل تعرفه؟

لو أنك تجولت في القاهرة، خاصة في منطقة وسط البلد منطلقاً من ميدان التحرير في اتجاه تمثال طلعت باشا حرب فإنك بذلك قد سلكت شارع طلعت حرب، لكنك لو سألت أحد أصحاب المحال القديمة في الشارع أو أحد السكان القدامى عن اسم الشارع لقال لك شارع سليمان باشا.

ولو أنك من هواة الذهاب إلى جامع عمرو بن العاص في منطقة الفسطاط والتجول هناك وانطلقت متجهاً إلى النيل من جامع عمرو لوجدت منطقة الفرنساوى نسبةً الى ضريح يحمل اسم سليمان باشا الفرنساوى.

وحينما تطلق  كلمة "مؤسس الجيش المصري" تذهب أذهاننا سريعاً إلى الباشا محمد على والذي أخذ علي عاتقه مهمة بناء مصر الحديثة و كان اعظم اهتماماته بناء جيش مصرى خالص لا ينتمي الا لمصر، لكن الذي أعنيه في هذه السطور هو المؤسس الفعلي الذي عهد إليه محمد على بهذه المهمة العظيمة.. كان هذا الرجل هو سليمان باشا الفرنساوى.

لاشك أن الكثيرين لا يعلمون من هذا الرجل الذي أسهم بشكل جاد في حماية تلك البلد العريق بإنشاء جيش مستقل لا ينتمي إلى طائفة أو قبيلة أو غير ذلك إلا إلى مصر.. لم يكن الرجل مصرياً لكنه أحب المصريين وخالطهم وأصبح واحدًا منهم؛ مما سهل عليه مهمة إنشاء الجيش المصري العظيم.

كان الرجل ممن تواجدوا من أيام الحملة الفرنسية وظهر دوره حينما أراد محمد على باشا أن يكون نواة لجيش مصري خالص، استعان بسليمان الفرنساوى بعدما فشل في تجميع بعض من الطوائف المختلفة والأجناس المتضاربة والتي كادت أن تقضي على حكمه من أصوله، فاستعان بالرجل الذي تفرغ لها وكرس حياته من أجلها.

اتجه الرجل إلى المصريين الحقيقيين، إلى الفلاحين والمزارعين الذين هم أصول هذا البلد، والذين رأى منهم الشجاعة والجلد والصبر والفتوة والعفاف كما قال بعد ذلك، واتخذ من أسوان مركزًا لبدء التدريب ومعه ما يقارب الخمسمائة رجل من أبناء مصر، بذل معهم الجهد العظيم حتى يخرج منهم قادة عسكريون مدربون، لم يكن ذلك سهلاً.. لقد حاول بعضهم قتله والإيقاع به لكنه كان يمتلك من المهارة والحكمة ما يؤلف به قلوب الناس، فقام بالكثير حتى يجمعهم حوله متعلمين، حتى إنه دخل في الإسلام وأصبح يسمى سليمان بدلاً من سيف، وظل ثلاث سنوات يعلم ويربى ويدرب هؤلاء الرجال.

لم يكتف الرجل بذلك، بل إنه قام بإرسال البعض في بعثات خارجية ليتعلموا من الغرب فنون القتال وعلوم العسكرية التي يستطيعون من خلالها تدريب الجنود وإرساء قواعد العسكرية الحديثة في مصر، وعاش الرجل بين المصريين واحدًا منهم وتزوج منهم وكسر الجليد الذي كان بينه وبينهم وأنشأ مدرسة كاملة في تدريب وتخريج الجنود والضباط، حتى توفي ودفن في المكان المعروف في منطقة مصر القديمة كما أسلفنا.

وحرصاً من المصريين على ذكرى هذا الرجل، فقد صنعوا له تمثالاً ووضعوه في منطقة وسط البلد وسموا باسمه هذا الشارع الذي يقود من ميدان التحرير إلى الميدان الذي يتوسطه تمثاله الشهير، إلا أنه حينما قامت ثورة يوليو ١٩٥٢ نقل التمثال إلى المتحف الحربي وتغير اسم الميدان والشارع ليصبح ميدان طلعت حرب، الذي أسس الاقتصاد المصري الوطني.

رحم الله سليمان باشا، وللحديث بقية..