رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مونديال العرب

في البداية تعتبر كرة القدم اللعبة العالمية التي يتفق عليها ويتوافق عليها معظم الناس من مختلف الجنسيات والقارات، تتجمع الناس كلها لمشاهدة لعبة صارت شعبية على المستوى العالمي، ويبرع فيها أي لاعب ويصبح له شأن مهما كانت جنسيته، وهو الأمر الذي جعل المجتمع الدولي يهتم بمثل تلك المباريات، وقام بتنظيم تلك البطولة عالميًا تحت اسم المونديال، من أجل مزيد من استمتاع الشعوب بتلك اللعبة. وجعل لها اتحادًا عالميًا هو الاتحاد الدولي لكرة القدم، من خلال مسابقة لتلك الرياضة تقام كل أربع سنوات منذ عام 1930. 
تتسابق الدول من أجل أن تحظى بشرف استضافة هذا العرس الكروي الذي يعرف بالمونديال. غير أن نصيب العرب من استضافة تلك البطولة كان منعدمًا، قبل أن تستضيفه قطر هذا العام. 
ولكن هذا لم يمنع المنتخبات العربية من المشاركة في المباريات من خلال قطر والسعودية والمغرب وتونس في كأس العالم 2022 في قطر أول مونديال يقام في المنطقة العربية، 4 منتخبات، بواقع منتخبين إفريقيين وآخرين آسيويين. وهذه الدول هي: قطر المضيف والسعودية وتونس والمغرب.
تشارك قطر في المونديال للمرة الأولى في تاريخها، بينما كانت المشاركة السعودية هي السادسة في تاريخها بكأس العالم، وكذلك تونس والمغرب اللتان شاركتا أيضًا للمرة السادسة لكل منهما في كأس العالم.
هناك من يرى أن الرياضة شأن مختلف عن السياسة، ولكن في النظام العالمي الجديد، أصبح ارتباط الرياضة بالسياسة عضويًا. أصبحت الرياضة جزءًا من الوسائل الدبلوماسية بين الدول، فمنذ 1971 برز مفهوم «دبلوماسية كرة البنج بونج» عندما هبط فريق الكرة الأمريكي في الصين في أبريل من عام 1971، بعد قطيعة استمرت لأكثر من عشرين عامًا، بسبب الحرب الكورية وحرب فيتنام، ومساندة الولايات المتحدة استقلال تايوان عن الصين، بعدها حدث التصالح بين الدولتين، وكانت تلك المباراة هي بداية لعودة العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، وبعدها أصبح العالم يتكلم عن دبلوماسية الرياضة.
وهناك ما يروى حول تهديد الزعيم الألماني هتلر منتخب بلاده بالإعدام في حالة عدم فوزه في أوليمبياد برلين عام 1938، وكان يعتبر أن الانتصار في ملاعب كرة القدم لا يقل عن الانتصار في ميدان القتال. 
وقد تلجأ بعض الدول المتنازعة إلى سلاح مقاطعة المباريات، كما حدث عندما قاطعت الدول الأوروبية الليبرالية مونديال موسكو عام 1980 ردًا على اجتياح الاتحاد السوفيتي أفغانستان عام 1979. 
وفي عام 2008 نجحت الرياضة في إذابة الجليد بين دولتي تركيا وأرمينيا، وتقابل زعيما الدولتين، بعد خصام تاريخي بين الدولتين على خلفية مذابح الأرمن أثناء الحكم العثماني لبعض دول أوروبا، وقد أقيمت المباراة في يريفان وحضرها الرئيس التركي عبدالله جول، والرئيس الأرميني سيرج سركسيان. 
وقد قامت قطر باستضافة عدد من رؤساء الدول العربية، ومن بينهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، بمناسبة افتتاح مونديال قطر 2022، وتمت مصافحة تاريخية بين الزعيمين، ولا يزال كبار المعلقين السياسيين يتحدثون عن مدلولات تلك المصافحة. كما قام مجلس التعاون الخليجي بإلغاء حظر انتقال الأفراد بين دول المجلس وقطر بتلك المناسبة. 
وتعتبر قطر أول دولة من بين الدول العربية أو منطقة الشرق الأوسط التي أقدمت على استضافة المونديال، والحق أنني أكتب هذا المقال بعد أسبوعين من بداية المونديال، وما أراه من روعة الافتتاح ودقة التنظيم، وجمال وروعة الملاعب التي أقيمت خصيصًا، والقدرة التنظيمية الهائلة على استيعاب المشجعين من مختلف الجنسيات والميول السياسية. ويحسب لقطر وقوفها بحزم أمام حملة شعارات ذوي المثلية الجنسية باعتباره أمرًا ضد تقاليد بلادنا العربية. ولا تقبله الذائقة العربية. 
ويحسب لقطر تمسكها بالتقاليد العربية المتوارثة وبروز  هذا في حفل الافتتاح الذي كان عربيًا خالصًا. 
وهو ما ظهر من خلال حفل الافتتاح الباذخ بمشاركة القطري غانم المفتاح والذي ظهر على مسرح المونديال برفقة العالمي مورجان فريمان لتدشين الشرارة الأولى لنسخة 2022 من البطولة، حيث استهل «المفتاح» بآيات من القرآن الكريم «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»، خلال بداية الحفل. وبهذه الانطلاقة نجحت قطر في أن تعكس هويتها العربية الأصيلة والتي تنظم كأس العالم للمرة الأولى، بعدما وقع الاختيار عليها عام 2010.