رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طارق هاشم: أقاوم بالشعر.. وحضور العائلة في النصوص لأنها تحكي واقع الشاعر (حوار)

الشاعر طارق هاشم
الشاعر طارق هاشم

عن الكتابة ودوافعها وقصيدة النثر يمثل الشاعر طارق هاشم العديد من رؤى الحداثة وما بعدها وهذا رغم استدعاء العديد من مفردات الحنين والخلاص دافعة لثمة خبرات تراكمية جاءت كحصاد طبيعي للتثقيف الذاتي المنفتح على مكونات الوجود والعدم وانحسار الذات على الدوام صوب أفاق تأملية تجتر الكثير من تفاصيل اليومي والمعيشي بل والعادي الواصل لحواس متلقي القصيدة، عن الشعر وقصيدة النثر وجدوى سيرة العائلة مع الإبداع وشمولية التثقيف الذاتي يتحدث الشاعر طارق هاشم والذي قدم أكثر من تسعة دواوين شعرية بدأت بالعامية وتجلت لأفاق أكثر رؤيوية في طور قصيدة النثر الفصيحة كانت تبغي الولوج لمكنون الذات وسيرة العائلة وتحديدا الأب والأم والذي ظهرا بتجلي جمالي في ديوانه الأخير “كل ما فعله ديستويفسكى”. يتحدث الشاعر والناقد الفني طارق هاشم لـ “الدستور” عن الرحلة وجدواها.

_ الشاعر طارق هاشم ليتك تحدثنا عن البدايات، كيف كانت ومن هي التي ألهمتك كافة هذه التفاصيل في قصيدتك الشعرية في فضاءات النثر؟

صورة للشاعر طارق هاشم مع الشاعر محمود فهمي.

 حينما كنت صغيرا لم يكن أمامي أي مهرب من المفردات الكثيرة التي تقهر شاب في الخامسة عشرة كان الحل الوحيد في هذه الحالة هو المقاومة بالشعر، المقاومة بما يستطيع شاب في الخامسة عشرة يحب أجمل بنات الحي وأكثرهم حضورا شغف السعي نحو لفت النظر والتميز جعلني أبحث عن طريقة لمقاومة التيار العفي من قبل فتاة جميلة وذكية ومن أسرة من الطبقة المتوسطة في مقابل شخص من أسرة عادية وبسيطة إضافة إلى السؤال الوجودي الذي يلازمنا جميعا، ماذا سنفعل من أجل أن نصل إلى ذواتنا وماذا تريد يا شاعر. يا طارق. أحببت رباب وأنا لا أعرف ماذا ستكون النتيجة فكان البحث عن آلية مختلفة للوجود فكانت القراءة التي بدورها أخذت يدي نحو الكتابة حينما كنت أعمل في أحد التوكيلات أو الأكشاك التي تبيع الأيس كريم في ميدان حدائق القبة.

كان يوم الخميس هو يوم السعادة حيث كان موعد تلقي الراتب الأسبوعي وكان وقتها أوتوبيس ٤٠ يدخل المحطة كملاك طيب فكنت أقفز داخله حيث كانت نهايته عند ميدان العتبة وسور الأزبكية لأعانق هذا العالم السحري عالم القراءة والكتابة عالم نجيب محفوظ ويحيي حقي ويوسف إدريس عالم محمود درويش وصلاح عبد الصبور وأمل دنقل عالم الفريد فرج ومحمود دياب وميخاييل رومان.

 

ويضيف الشاعر طارق هاشم، كان السحر قد مد لي يده أصارحك وأنا كلي سعادة الأزبكية كانت الحاضن الأول هناك عرفت صلاح جاهين والأبنودي وفؤاد حداد وكان جاهين حينها هو الأكثر سطوة اشتريت دواوينه أكثر من مرة حفظت الرباعيات عن ظهر قلب كما كنت أردد غيبا صفحات من ميرامار واللص والكلاب كنت أضبط نفسي وأنا أتحدث معها مرة أخرى يتنسم نسمة الحرية وفي الجو غبار خانق حر لا يطاق إلى آخره كذا كنت أردد مع نجيب سرور “قد آن ياكيخوت للقلب الجريح أن يستريح فاحفر هنا قبرا ونم” . أحببت أمل دنقل إلا أن محبتي لصلاح عبد الصبور تجرني إلى المسرح كنت أجهز نفسي لخوض تجربة التمثيل حيث حفظت دور سعيد في ليلى والمجنون وكذلك تماهيت مع دور السجين الثاني في مأساة الحلاج وكنت أردد جملته القاسية أمي ما ماتت جوعا بل أمي عاشت جوعانة.. ظللت أحب عبد الصبور حتى انتقلت إلى مرحلة جديدة عرفت محمد الماغوط ووديع سعادة وسركون بولص أحببت كل هؤلاء كمحبتي لإليوت ولوركا ونيرودا إلا أنني تعلقت بنيرودا لرقته الوحشية كل هؤلاء وأسماء أخرى كثيرة كانوا بمثابة طوق نجاة نحو القادم الغامض.

الشاعر طارق هاشم في لقطة تجمعه بالتشكيليان الكبيران عمر الفيومي ومحمد عبلة

عن الأب والأم العائلة في النص الشعرى وهما الموجودان على الدوام في مخيلة الشاعر طارق هاشم؟

عن حضور الأب والأم أو العائلة في النص فأنا أرى أن هذا أمر طبيعي فالكتابة من المفترض أنها تتماس بشكل كبير مع حياة الشاعر وعالمه هذا الاشتباك الطبيعي فعلى الشاعر أن يقاوم المؤلف في داخله فكلنا يعيش بداخلنا مؤلفين وقد ينشط داخل كل مبدع ذلك المؤلف الذي يزين له فكرة التأليف والاختراع ولا ينجو أحد منها إلا أنه من الضروري مقاومتها والحد منها بقدر المستطاع لأنه من الصعب الخلاص منها نهائيا وألا  ينتحر الخيال فعلينا ألا نكون خصوما للخيال أو الوجدان لأن ذلك يجرد النص من عنصر مهم إلا أن الإغراق فيه قد يقتل النص أساسا وفي قصيدة أبي والذي يلقي فيها البطل أبيه من النافذة قد يأتي هنا الأب بصورة ووضعية مختلفة فهنا يحضر الأب كمفهوم فلسفي وسلطة الأب بالمفهوم الاجتماعي القصيدة تقتص من سلطة الأب ليس منه كاب موضوعي فمن الصعب أن نواجه الأب اجتماعيا الأب في القصيدة هو السلطة الأبوية التاريخية التي نريد أن تفكر بدلا منك لذا كانت بداية القصيدة منذ ثلاثين عاما ألقيت أبي من النافذة،  أما عن الأم فلا بد أن تأتي بصورتها الطبيعية المرأة التي تتحمل وتعاني كي تبني الكل الأم التي تم قهرها على مدى التاريخ الأم التي كانت تبني البيت والعائلة في الحضارة الفرعونية لذا تتحمل سلطة الأب ورعونة أبناءه حينما ترى أما بهذا الجمال فكيف لا يكون لها النصيب الأكبر في النص كل الأشياء التي يعيشها الشاعر هي جزء لا يتجزء من نصه.

طارق هاشم مع المخرج وحيد مخيمر والفنانين عمر الفيومي وكمال خليفة وحسن وهبه

عن اختيارك  لقصيدة النثر وتلك العوالم التي تأتي من البساطة لتصل لرؤى التغريب والحداثة؟

صورة لغلاف ديوان اسكندرية يوم واحد

في البداية كان الإيقاع وكانت الموسيقى يحضران بشكل أساسي في قراءتنا فمنذ المتنبي وأمريء القيس وأبي تمام مرورا بالمدارس الأدبية المختلفة حيث أحمد شوقي وعلى محمود طه ومحمود حسن إسماعيل انتهاءا بما وصلنا إليه إلى آخر شكل من أشكال نكتشف أن هناك حركة تطور طبيعية فكما جاءت حركة الشعر الحر في الأربعينات كان من الطبيعي أن تظهر قصيدة النثر ويأتيي انحيازي إلى قصيدة النثر لأنها استطاعت أن تنسف شخصية المؤلف المجبر على صيغة ما في الكتابة المؤلف الذي يجره الإيقاع ويختار نهاياته فقصيدة النثر هي الأقرب إلى الحاضر والحقيقي فحين يغلب الأليف على الواقعي نكون بهذا الشكل أبناء ظروف أخرى نغني لواقع لا يمثلنا لذا كان ضروريا من الخروج على الثابت لصالح المتغير فيما يخص الكتابة فقصيدة النثر ترفض النص المغلق لصالح النص المفتوح غير المنتهي بينما النص المغلق فهو محدد ولا يقبل التجريب إلا في حدود ضيقة لذا كان من الطبيعي الانحياز إلى هذه القصيدة والدفاع عنها.

_عن العامية كبداية شعرية لطارق هاشم، كيف كان التحول إلى القصيدة الفصيحة؟

صورة لغلاف ديوان اختراع هوميروس للشاعر طارق هاشم

في البدايات تعرفت على شعر بوشكين وليرمنتوف وحين شاهدت رواية ابنة الضابط لبوشكين ورواية بطل من زماننا لليرمنتوف والروايتان ترجمهما القدير سامي الدروبي والذي ترجم الأعمال الكاملة لدوستويفسكي في ترجمة بديعة أدركت ساعتها أنه يحق للكاتب أن يكتب ما يشاء وما يستطيع كتابته وألا ينشغل بفكرة التصنيف ففيكتور هوجو كتب الشعر والرواية والمسرحية كذلك البير كامو كتب الرواية والقصة والمسرحية أضف إلى ذلك سارتر الذي عرف كفيلسوف وكان كتابه الوجود والعدم من الانتصارات الفلسفية المهمة ومع ذلك لا يمكنك أن تنسى إنجازه الأدبي الروائي أو المسرحي فصاحب الوجود والعدم هو نفسه صاحب ثلاثية دروب الحرية والذباب وجلسة سرية وغيرها إذن على الكاتب أن يكتب ما يحب وقد قدمت خمسة دواوين بالعامية المصرية مارست من خلالها كل الألعاب وابتعدت حتى لا أشارك في الردة الحالية فبعد عقدين من محاولات التجديد في قصيدة العامية مع حزمة من الأسماء المهمة أصبح المشهد الآن غريبا تتراجع قصيدة العامية الجديدة بكل إنجازها التاريخي ليحل الزجل محلها ولا أقصد هنا أي إساءة للزجل ولكني أرى أن التطور الذي حدث كان ينبغي ألا يؤدي إلى العودة إلى الجماليات القديمة واختياري لقصيدة الفصحى الآن لا يعني انقلابا على العامية فكل تجربة تفرض شروطها وتختار الشكل الذي يناسبها فكما قلت لك أنا أكره التأليف ولا أحب لي ذراع النص الكتابة حرية فعلى الأقل لا بد للنص أن يكون لديه القدره على اختيار آلية وجوده دون تدخل من أحد.

_حدثني عن ديوانك الأخير ولماذا دائما للحنين / النوستالجيا دوراً رئيس في عالمك الشعري وقصيدة النثر؟

الشاعر طارق هاشم في صورة مع ديوانه كل ما فعلة دوستويفسكي

أنت تعرف أنه سبق ديواني الأخير كل ما فعله دوستويفسكي ديوان “اختراع هوميروس" وهو أول دواويني بالفصحى أي أن الديوان الأخير هو التجربة الثانية في شعر الفصحى والتي كانت بمثابة تأكيد للتجربة والديوان ينحاز إلى قصيدة النثر من خلال إضافة بعدا آخر هو الدراما، فعبر سبعة وعشرون قصيدة ما بين الطويلة والقصيرة يمكنك أن ترى أشخاصا من لحم ودم يتجولون داخل النص وذلك يعود إلى حلم قديم بأن يكون هناك نصا يمكننا تحويله إلى فيلم سينمائي أن يتحرر النص من فكرة الجملة الجامدة المغلقة فحين تقرأ النص ترى الصورة بحجمها الطبيعي مكان وملامح وأشخاص يتكلمون وهو ما يطلق عليه المسرحة فعلينا أن نتجاوز حتى هذه المسرحة إلى الصورة الكاملة للمشهد فبدلا من أن تتحدث عن البطل تجعله هو من يتحدث نفسه حتى نتجاوز فكرة الألف واللام المكررة في قصيدة النثر فأغلب القصائد تبدأ هكذا الرجل الذي والمرأة التي لا بد أن نكسر هذه النمطية أن نتجاوز ما يسمى في السينما بالزمن الضعيف أن نبدأ مباشرة من عند البطل لنراه كأنه يتحرك أمامنا هذا ما يصنع الدهشة التي ينبغي أن تتجاوز مسألة الإدهاش عن طريق اللغة فقط ينبغي أن نعطي الأهمية للحدث فالحدث هو الذي يصنع الإدهاش المغامرة في الحدث لا في اللغة وحدها.

عن تجربة النقد الفني وأنت الذي كتب من قبل عن فيروز والرحابنة؟

مارست النقد الفني لسنوات وكاد الأمر يظهر كما لوكان انقطاع عن الشعر إلا أن المسألة كانت تتلخص في أنني لدي كلام عن الغناء بداية من النصوص المكتوبة حتى الألحان والأصوات فقلت لنفسي إنه لا بد لهذا الكلام أن يوثق وخصوصاً بعد تشجيع الكثير من زملائي وأصدقائي الذين شجعوني على ذلك فكان أن قمت بتجهيز نفسي لإعداد كتاب عن الأغنية الجديدة والتي كانت مسار جدل فالكثيرين يهاجمونها بوصفها انحرافا عن المسار السليم كما لو كان على الأجيال الجديدة أن تغني بنفس الطريقة القديمة التي لا تمثلهم فدافعت عن هذا الجيل دافعت عن منير والحجار ومدحت صالح ومحمد محيي وانحزت إلى هذه التجربة وكان رأيي أن حميد الشاعري صاحب نقلة جديدة في الغناء وأن على كل جيل أن يقدم تجربته لا تجربة غيره وبالفعل صدر كتاب “الأغنية المصرية الجديدة مساحات مضيئة “ وفاجئني رد الفعل إذ كتب عنه في حوالي عشرين دورية ما جعلني أكمل في الكتابة للصحافة الفنية لفترة طويلة فكتبت في العربي الناصري والقاهرة والتحرير وصحف كثيرة بخلاف المجلات بعدها جاء كتاب ”علي الحجار سيرة الغناء سيرة المسرح" والذي كان ضمن إصدارات المهرجان القومي للمسرح وكان ذلك بطلب من صديقي الشاعر يسري حسان الذي كان مسئولا حينها عن مطبوعات المهرجان والذي أذكر أنه لولاه ما كان هذا الكتاب إلى أن انتبهت فجاة أن الشعر لا ينتظر أحد فعدت إلى الاهتمام بالشعر على حساب المشاريع الأخرى لأن الشعر بالنسبة لي هو الذي يمثلني ولا أحب أن يقدمني أحد إلا بالشاعر.

_ليتك تحدثنا إذاً عن العمل في مجال النشر وما قدمته في هذا الإطار؟

بورتريه للشاعر طارق هاشم

عن عملي في مجال النشر أود أن أقول لك إن علاقتي بالكتب هي التي دفعتني إلى ذلك كانت معرفتي بالكتب وطبعاتها المختلفة هي المفتاح في عملي بالنشر فمن خلال هذه المعرفة قمت بترشيح أعمال كثيرة لدور النشر داخل مصر وخارجها ولا أخفيك سراً فمن خلال خبرتي بالمسالة أقول لك إن الصناعة في خطر بسبب المتغيرات الاقتصادية العالمية إضافة إلى أن الكتاب المطبوع أصبح له منافس هو الكتاب الإليكتروني فمن خلال عملي بالنشر سواء في أحد المؤسسات المغنية بالنشر كالهيئة العامة لقصور الثقافة، أشعر بالفخر أنني كنت وراء ترشيح عددا من الكتب المهمة كرواية الحرب والسلام لتولستوي وتاريخ العلم لجورج سارتون وحين عملت مع دور النشر الأخرى كان علي أن أكمل التجربة فكنت سببا في إعادة نشر الكتب المهمة المترجمة التي طبعت في مصر منتصف الأربعينات والخمسينات كمحاولة لرد الاعتبار للمترجم المصري فالمترجم المصري هو أول من انتبه إلى أهمية الأدب الروسي مثلا هل تعرف مثلا أن مصر كان لها محاولات في ترجمة دوستويفسكي قبل نسخة سامي الدروبي العظيمة ففي بداية القرن العشرين كان هناك محاولة من المفكر الكبير سلامة موسى في ترجمة الجريمة والعقاب كذلك ترجمها المترجم القدير حسن محمود كما ترجم حسين القباني رواية الأبله كذا ترجم عباس محمود رائعة دوستويفسكي ذكريات من منزل الأموات وترجم زغلول فهمي في قبوي ولكن باسم مذكرات من العالم السفلي فبعد كل هذا أرجو أن لا يكون دورنا هو فقط إعادة نشر، ولذا فقد عملت مع دور النشر العربية من خلال ترشيحي لأعمال مهمة وصدرت وعليها إسمي كمستشار للنشر أحببت الحكاية وما زلت مستشارا لبعض دور النشر من خلال ترشيحي لأعمال من أجل نشرها.

_في النهاية.. ما هو جديد الشاعر طارق هاشم؟

بخصوص الأعمال الجديدة أصارحك بأنني انتهيت مؤخرا من ديوان جديد وما زلت في التفاوض على نشره وفي الغالب سيكون في بيروت لأنك تعرف أزمة نشر الشعر في دور النشر المصرية فالكل يفر من الشعر بدعوى أنه لا يحقق ربحا وهي في الحقيقة مهزلة أن يلجأ الشاعر للنشر خارج وطنه فالديوان الأخير نشرته في المكتبة الأهلية بالأردن وكنت أود أن أعيد نشره في مصر لأنك تعرف وقد خضت هذه التجربة وعرفت أن سعر الكتاب مرتفع بالنسبة للقارئ بالإضافة إلى أن هناك أزمة حقيقية في التوزيع فالناشر يعطيك بعض النسخ ويعطي بعض المكتبات التي لا تهتم بالكتاب لكونه كتب عليه شعر علما بأن هناك أعمال وأصوات شعرية مهمة إلا أن السيد الناشر لا يفهم ذلك ولا ينشر لك إلا بعد دفع التكاليف أنا عن نفسي لن أدفع مليما من أجل نشر ديوان قمت بكتابته.