رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صبحي موسى: الثقافة بضاعة أتلفها الهوى والكتابة صارت لعنة (حوار)

المؤلف للكاتب صبحي
المؤلف للكاتب صبحي موسى.

فكرة الجيل تشعرك بالدفء والاحتواء.. وتجعل الوسط أشبه بجزر صغيرة منعزلة

الكتاب والشعراء يشكون ضيق العيش.. وعلى مؤسسات المجتمع المدني رعاية الفنون والآداب

       الحياء يحول بينى وبين الفجاجة في السرد.. وأمارس خروجاتى بنعومة ومكر فنى

       لست نجما دائما فى قوائم الجوائز لفشلى فى تكوين علاقات   

صورة ل موسى السارد المتفرد في حفل إطلاق رواية صلاة خاصة

الروائي صبحي موسى الذي طرح في غالبية كتاباته أسئلة حرجة ودقيقة عن قضايا الهوية مستحضرًا التاريخ كأداة يدافع من خلالها عن إنسانية البشر، والحفاظ على المقومات الخاصة للشعوب؛ فكانت أعماله الغزيرة، مع رحلة سرد بدأت منذ أكثر من عقدين أنتج خلالهما أكثر من ثلاثة عشر عملا مابين الشعر والرواية، فكانت “المؤلف،حمامة بيضاء، الموريسكي الأخير، أساطير رجل الثلاثاء،نادي المحبين، نقطة نظام وصلاة خاصة" هى روياته. 

عوالم مسارات جمة وعميقة تبحث عن مساءلة الفرد والشعوب وجماعات التناحر والإصرار على تذويب الهوية ونسف قوام الحضارات الإنسانية.. يخرج الكاتب عن صمت العاشق لفن السرد ليبوح بالمخفي خلف الدوافع للكتابة والجوائز والمشهد النقدي وصورة العالم مابعد حروب الأويئة والتهديد بفناء البشرية وذلك عبر صراعات الأجيال والمجايلة في حلبة السرد الإبداعي، فى حوار لاتنقصه الصراحة لـ “الدستور”.

بورتريه للكاتب صبحي موسى

  _أين يجد صبحي موسى نفسه فيما يطرح مؤخرا بشأن مسألة الجيل والمجايلة؟ 

فكرة الجيل جميلة ولطيفة،تشعرك بالدفء والاحتواء والتقارب، وتجعل الوسط الثقافي أشبه بجزر صغيرة منعزلة، أو جماعات تحمل أسلحة بيضاء وتجوب الشوارع بحثا عن فريسة، ربما تكون الفكرة مفيدة للنقاد، كي تسهل عليهم عملهم الاحصائي، وتوزيعات الكتاب، لكنها غير منطقية بالنسبة لهم إلا على مستوى الحارة المزنوقة، حيث يبحث كل واحد عن الزعامة على العشرة الذين ظهروا في العقد جاء فيه، ليصبح نجما أو أسدا عليهم، وهذا أضعف الإيمان في ظل بحث الجميع عن العالمية، لكن كيف يكون المرء مشغولا بالعالمية والسيادة على الحارة المزنوقة في نفس الوقت؟.

صورة للمبدع صبحي موسى مع استاذ التاريخ والناقد دكتور محمد عفيفي

أنتمي إلى جيل التسعينات، جيل مكتبة الأسرة، ولمن يرغبون في المسميات السياسية والتحولات العالمية يمكننا أن نطلق عليه جيل القطب الواحد، لكن على النقاد أن يبحثوا في النصوص عن أثر هذه الأحداث في كتابة أبناء هذه الحقبة، فإن وجدوا سمات محددة يمكننا أن نسمى ذلك جيلاً تأثر بأمر معين وكتب من خلال أزمته أو تأثره به، وإن لم يجدوا فهذا يعني أننا أمام أفراد مجتهدون في عملهم.

صورة للكاتب صبحي موسى مع الروائيون محمد الفخراني ونهي محمود والناقدات عفاف عبد المعطي 

_بعد 25 عاما من الإبداع، كيف ترى مستقبل الكتابة داخل هذه الأزمات الحادة فيما يخص التهديد بنشر كل المنجزات الحضارية؟

بالفعل صدر لى ما يقرب من عشرة أعمال روائية في نحو ربع قرن، أغلبها كانت مغامرات مختلفة ومتباينة في عوالمها، سواء عن جماعات الإسلام السياسي، أزمة الموريسكيين، الأقباط وتاريخهم،  الواقع الاجتماعي وثوراته، المثقف وتحولاته، وعدد من القضايا التي سعيت للتعامل معها، وأرجو أن أكون قدمت ما كنت أحلم به، وأن يكون تقدير القارئ لهذا المنجز على قدر الجهد المبذول فيه.

صورة لغلاف رواية الموريسكي الأخير ل صبحى موسى
صورة ل غلاف رواية نادي المحبين ل صبحى موسى

أما عن مستقبل الكتابة في ظل التحديات والتحولات التي يشهدها العالم الآن، أعتقد أنه لا خوف على الابداع، لكني أخشى على الكتابة ذاتها، فمع سيادة تقنيات الواقع الافتراضي أصبحنا أمام عودة جديدة إلى الشفاهية،فقد هيمن الصوت والصورة، بما يعني أن التقنية التي سادت منذ القرون الوسطى حتى عصرنا الراهن، والتي تم من خلالها تسجيل تاريخ البشرية ويومياتها وأحلامها ومخاوفها وانجازاتها، المسماة بالكتابية ستتلاشى لصالح الشفاهية، لكن هل سينتهي الإبداع؟ أتصور أن هذا الهاجس موجود منذ أبي حيان التوحيدي، وربما من قبله، فالخوف من المستقبل، وعدم جدوى الكتابة، وأن التحولات خلقت أجيالا لا تقرأ، وأننا لو كنا قد امتهنا مهنة أخرى ربما كنا سنكون في حال أفضل، كل هذه الهواجس موجودة مدى التاريخ، وتسببت في أن يحرق عشرات الكتاب أعمالهم كما فعل أبو حيان، لكن هل توقف العالم، جف الخيال، استيقظت الأجيال دون رغبة في الإبداع؟ لم يحدث، وكل جيل أتى بأفكاره ورؤاه التي تخلقت وفقا لما كان متاحا من تقنيات وأدوات، فالخيال يرسم حدوده وفقا للتقنيات المتاحة، لكنه لا يتوقف، ومن ثم فأنا متفائل بأنه لا شيء سيتوقف، بل على النقيض ستتطور النظم الابداعية إلى الأفضل.

_في تلك اللحظة الفارقة التي تهدد البشرية بالفناء فيما يخص الحروب عبر الأوبئة، كيف ترى موقفك من جدوى الكتابة؟

صورة لصبحي موسى مع الشاعر زين العابدين فؤاد
الكاتب صبحي موسى مع الروائي الكبير عزت القمحاوي.

 أبديت تفاؤلي في الإجابة عن مستقبل الكتابة، لكن عن جدواها في اللحظة الراهنة فإنني لست متفائلا بقوة، لأنه كتب علينا أن نشهد كل أنواع الكوارث، من ثورات وأوبئة وحرب عالمية وأزمات غذاء وطاقة وغيرها، وكله لم يؤثر في جدوى الكتابة، التى صارت لعنة وليست نعمة، لكن ما يرجئ قرار التوقف عنها أن هذه اللعنة كانت موجودة طوال التاريخ، وكثيرا ما شكى الكتاب والشعراء من ضيق الرزق، لذا لابد أن تنتشر مؤسسات المجتمع المدني التي ترعى الفنون والآداب، وأن تكون الثقافة سلعة مطلوبة، وليست بضاعة أتلفها الهوى. 

صورة للكاتب الروائي صبحي موسى وحفل توقيع نادي المحبين

 

صورة ل غلاف رواية حمامة بيضاء ل صبحي موسى

_فيما يخص خلفيتك التاريخية، كيف ترى علاقة التاريخ بالرواية، وما هي الحقائق الباقية فيما يخص تاريخ وجغرافيا الشعوب؟

فيما يخص العلاقة بين التاريخ والرواية فهما ليسا ضدان، إنما من منبع واحد، كانت الأوديسة بشكل ما رواية ومصدرا للتاريخ، وكان الكتاب المقدس رواية ومصدرا للتاريخ، وكثير من مدونات التاريخ العربي مكتوبة بخيال روائيين، ويمكن اعتبار الرواية مصدرا من مصادر التاريخ، وإذا اعتبرنا أنه لا يمكن أن يوجد حياد تام لدى البشر فإننا يمكننا أن نرى كل بحث تاريخي هو رواية خاصة بصاحب البحث، هكذا تتداخل الخطوط بين الرواية والتاريخ، لكن تظل الرواية مهما حافظت على الحقائق عمل أدبي ينتمي إلى الخيال، بينما التأريخ فهو عمل بحثي ينتمي إلى الحياد والمنهج العملي. 

صورة لل الروائي صبحي موسى مع الكاتب اليمنى احمد زين والكاتب علي عطا

_عن الثالوث المقدس (الدين والجنس والسياسية) كيف ترى استخدامه؟

حين أجلس للكتابة لا أفكر فيما سأكتب، لا توجد لدى وصفة محددة، لدي نص أبنية قطعة تلو أخرى، وكل قطعة هي التي تملي على شكل التي تليها، هكذا يكون البناء، وربما يستدعي الأمر خروجا، فحينما أكتب لا أنشغل إلا بنوع ومقدار القطعة، أي أن منطق السرد هو الذي يحكم، ويمكنن القول أنني لدى درجة من الحياء التي تحول بيني وبين الفجاجة في السرد، أؤمن بأن الكاتب يمكنه أن يمارس كل خروجاته بنعومة ومكر فني، لكن البعض يبحث عن الصدام أكثر من بحثه عن الفن ذاته.

_بشأن الجوائز تلك العتبات التي تتكئ عليها لجان التحكيم في مسألة المنح، ماذا عن تلك العلاقة انطلاقا من مفهومك لحصد الجوائز؟

صورة ل غلاف رواية نقطة نظام

أنا من أقل الكتاب حصدا للجوائز، وأشعر دائما أن علاقتي بالمال سيئة، أو موهبتي ليست في هذا الاتجاه، وربما لأنني أتمتع بفشل كبير في تكوين علاقات، وكثيرا ما يأخذ الناس عني أفكارا غير حقيقية، ربما لاعتزازي الزائد بنفسي، وعدم قدرتي على المجاملة، كل هذه الأمور يمكنها أن تجيب عن كيفية حصد جوائز وتصبح نجما دائما في قوائمها.

_عن المشهد النقدي العربي والمصري فيما يخص التفاعل مع النصوص الأدبية، وتحديدا في مصر، كيف تقيم هذه الحالة انطلاقا من نصوصك وأعمالك؟

 أتمتع بالوجود في المنطقة الدافئة، أعمالي ليست مهملة نقديا، تلقى اهتماما ، وما يجعلني أشعر بالطمأنينة أن المشهد الإبداعي في مصر والعالم العربي كبير، ولا يمكن للنقاد أن يتابعوا بالكتابة كل ما يصدر، فضلا عن أن المنابر الثقافية جفت وتوقفت، فلم تعد هناك ملاحق ثقافية إلا فيما ندر، كما أن أغلب النقاد منشغلين بالتحكيم في الجوائز أو حصد مناصب، فهم معذورون، لديهم أسر يريدون أن ينفقوا عليها،لديهم زملاء وأصدقاء مسئولون ويسافرون ويحكمون، فما الذي سيجعلهم يشترون الأعمال ويقرؤونها وينشرون عنها بلا مقابل تقريبا، أو يذهبون لمناقشتها بلا مقابل، ومن ثم فإذا كان المبدع مظلوما فالناقد مهدر دمه بين القبائل.

صورة للكاتب صبحي موسى مع الناقد دكتور أيمن بكر

_عن مفاهيم السلوى والنشوة والتماهي مع الفنون،كيف ترى مفهوم الخلاص للمبدع الفنان، وهل ينتهي دوره بكتابة نصه؟

الكاتب أصبح في وضع صعب، فهو لا يربح من أعماله، لم يعد لديه دافع للكتابة سوى أن يتحدث عن المتعة والنشوة، والحقيقة أن هذه النشوة تضيع في استجدائه لأصدقائه حضور حفل توقيع أو ندوة، لذا فإن الكاتب الحقيقي نبي في ذاته، قابض على جمره وصارخ في نفسه دون أن يسمعه أحد، لكني لا أعتقد أن دور الكاتب يجب أن يتوقف عند حدود الكتابة فقط، فما زالت أؤمن بفكرة الكاتب الملتزم بقضايا وطنه، والكاتب الذي لا يعبر عن جماعته وهمومها ليس كاتبا.

_حدثنا عن أشكال السرد المصري والعربي في فضاءات الرواية خاصة التناقضات التي طرحتها السوشيال ميديا، وكيف ترى سطوة هذه الآليات على فنون الكتابة؟ 

ستتأثر فنون الكتابة كثيرا، إما من ناحية التقنيات التي ستفرضها وسائط النشر الجديدة، وإما من ناحية القيمة، حيث أن ثورة الاتصالات لم تنتصر إلا للجماهير الغفيرة، فأصبحت القاضي والجلاد، ومن ثم تحول أغلب الإبداع إلى أدب ما يطلبه المستمعون، وليس أدب النخبة التي لديها ما تقوله، قد لا يكون الأمر مرضيا لنا، نشعر أننا صرنا جيلا قديما، لكن الحياة ستستمر، وسيكون لكل عصر كتابه ومبدعوه.

صورة لغلاف رواية أساطير رجل الثلاثاء للمبدع صبحي موسى

_سيشهد الوسط الثقافي، مؤتمر أدباء مصر في الأقاليم، فماذا تمثل تلك الفعاليات فيما يخص العائد على الكتابة؟

مؤتمر أدباء الأقاليم يتمتع بميزة رائعة، أتمنى أن يستمر من أجلها، فهو رحلة مجانية سنويا لعدد من الكتاب، أما تأثيره على الكتابة على النقيض تماما، لأنه يؤسس لعزلة أناس في قراهم ، فضلا عن رضاهم عن أنفسهم. وربما كان لهذا المؤتمر دورا وأهمية في زمن ما، لكن مع ثورة الاتصالات، فلابد أن يستوعب الجميع أن صلاحيته نفدت، ولابد من وجود رؤية مختلفة وطرح جديد.