رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما يعرفش

واحد نط على بيت يسرقه، عادي، كانت بـ تحصل كتير في الريف، إن حد يروح بيت فيه خزين: قمح، درة.. إلخ علشان ياخد له شوية من الخزين دا.
الحرامي لقى بنت صغيرة، نايمة في أوضة لوحدها، فـ اغتصبها.
أبو البنت راجع من صلاة الفجر، لقى الوضع كدا، جري ورا الحرامي، الحرامي فضل يجري، كل اللي معاه شوية عدس في شنطة، بـ حيث التهمة تبقى سرقة مش اغتصاب.
الأهالي قفشوه، بـ اعتباره حرامي، ادوله قلمين كدا، وسابوه، ناس تانيين مسكوا الراجل أبو البنت، وقاعدين يهدوا فيه، يا راجل، كل دا علشان عيل غلبان سرق شوية عدس؟!
فقال لهم الجملة التي صارت مثلا: 
"أيوه، ما هو اللي ما يعرفش يقول عدس".
الحكاية دي على سذاجتها بـ تقول لنا إن الجملة مش استهزاء ولا تريقة ولا تعالي، لكن معناها إن فيه أجزاء في القصة لو عرفتها هـ تغير موقفك خالص.
بس الكلام دا، لو إنت أصلا عايز تعرف.

اللي عمل اللخبطة هنا، وبـ يخلي المثل مستخدم بـ غير معناه هو تفسير معنى كلمة "ما يعرفش"، لـ إن اللغة المصرية، وكل اللغات الحديثة تقريبا، اشتغلت في اتجاه اختصار قاموسها، بـ إنها تلغي كتير من الكلمات، وتشتغل بـ أقل عدد ممكن منها.
ممكن نبص لـ دا بـ اعتباره "مفيد" في كتير من الأحيان، زي ما لغينا سبع وغضنفر وأسامة وهزبر وليث وقسورة، واشتغلنا بس بـ أسد، وزيها المترادفات الكتير لـ الموجودات حوالينا، المترادفات اللي كان العرب خصوصا اللغويين بـ يفخروا بيها وبـ معرفتها.
زمان أبوالعلاء المعري كان داخل مجلس، ولـ إنه ضرير، داس على رجلين حد من الموجودين، فـ الراجل يبدو تألم، وما خدش باله من إن دا أبوالعلاء أو إنه راجل كفيف، فـ قال له: انتبه يا كلب! 
بـ غض البصر عن جليطة الراجل أو قلة أدبه، أبوالعلاء رد قال: "الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسمًا"، يعني الكلب فعلا هو الجاهل، وعبر عن الجهل بـ إنه ما يكونش يعرف 70 اسم لـ الكلب. وبـ هذا الشغل فـ الناس كلها في مصر حاليا ولاد ستين كلب.
ما علينا!
اختصار القاموس دا زي ما كان مفيد في حالات، كان له أعراضه الجانبية، زي إننا نستخدم "ما يعرفش" بـ معاني كتير، زي "ما عنده معلومات كفاية" أو "جاهل" أو "عاجز" (وحديثا "عاجز جنسيا") أو "لا يجيد" أو الغبي أو أو.
فـ الراجل لما قال: "اللي ما يعرفش" يقول عدس، كان يقصد "اللي معندوش معلومات عن اللي حصل" هـ يفتكر إنهم شوية عدس، ونقص المعلومات دا مش نتيجة نقص عنده، لكن لـ إن المعلومات مخجلة لا يصح كشفها.
لكن لما وصل لنا المثل من غير القصة، اتفهمت على إنه الجاهل أو الغبي هو اللي يقول "عدس"، فـ دا أثر كمان على فهم دلالة "العدس" فـ بقى معناها "أي كلام" أو "أي هبل"، ودا تطور تاني ممكن نشوفه بعدين خاص بـ أهمية المحاصيل الزراعية والفرق بين كل محصول وأخوه، زي الفرق بين الخيار والفاقوس كدا.
عجيبة اللغة دي يا أخي
شوف بدأنا فين وانتهينا فين
يالا
أدينا بـ ندردش.