رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف نصغى لصوت خالقنا؟

وقد يسأل سائل: وهل للبشر أن يسمعوا لصوت الخالق العظيم....؟!، ونكمل: إنه لا شك يسمعنا، ويتابع، لا خطواتنا فحسب، بل كل سرائرنا وما نفكر فيه قبل تفكيرنا، لأنه- ببساطة شديدة جدا- عالم لأصواتنا الهامسة.

ولكن قبل أن نتكلم وقبل أن نفكر، فالله سبحانه عالم الغيب، فاحص القلوب والعقول قبل النطق بما نتجه إليه، فما هو سر في أفكارنا هو عالم السرائر والهمسات، بل فاحص القلوب، بل يعلم الغيب كما في وضح النهار.
فلا ظلام عنده، ولا سرائر مخفية عنه سبحانه، فهو، سبحانه، يعرفنا قبل أن نولد وعيناه تجولان المسكونة والساكنين فيها. وأنتقل هنا إلى سؤالي: كيف نصغي لصوته جل جلاله؟؟
وهنا يتدخل أولئك الذين لا يثقون أصلا في وجود الله سبحانه، حتى تسمع منهم من يقول: هل حقا يوجد إله؟!.. وكيف ندرك ذلك؟!.. أم أنها شبه خرافات تُسمع من الذين يطلق عليهم أهل دين وإيمان؟!.. وكيف نتحقق من وجود خالق؟!
هكذا يقول الملايين من الخليقة، وكأنهم أوجدوا أنفسهم، أو كل ما يعرفونه هو حمل النساء وإنجاب الأبناء والبنات، أما صوت العقل فيقول لمن يريد أن يعرف عن الخالق، فما عليه إلا أن يفتح ذهنه ويقرأ عن شخص المسيح الذي يناشد الجنس البشري قائلا: "اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يفتح لكم، لأن كل من يسأل يأخذ ومن يطلب يجد، ومن يقرع يفتح له".

وأما على من يسأل متشككا في وجود الله الخالق ظانا أن الإنسان خليق الطبيعة وتكاثر البشر وكأنه ألقى بشخصي آدم وحواء في عالم المجهول، والسائل المتشكك في وجود الله أصلا وهل الله موجود؟!.. ولمثل هذا السائل يقول العارفون لأولئك المنكرين وجود الخالق، وكأن البشر وجدوا من عدم والكلمة الجازمة لمعرفة وجود الله «لأن أموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات، قدرته السرمدية ولاهوته حتى إنهم بلا عذر».
لأنهم ببساطة شديدة لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله بل حمقوا في أفكارهم وأظلم قلبهم الغبي، وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء وأبطلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الإنسان الذي يفنى والطيور والدواب والزحافات، لذلك أسلمهم الله أيضا في شهوات قلوبهم إلى النجاسة لإهانة أجسادهم بين ذواتهم الذين استبدلوا حق الله بالكذب واتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق الذي هو مبارك، لذلك أسلمهم الله إلى أهواء الهوان.

ثم ينتقل المعلم العظيم إلى تعريف المحبة، فيقول إنها تكون بلا رياء بل كونوا كارهين الشر ملتصقين بالخير وادّين بعضكم بعضا بالمحبة الأخوية، مقدمين بعضكم بعضا في الكرامة غير متكاسلين في الاجتهاد، عابدين الرب فرحين في الرجاء، صابرين في الضيق، مواظبين على الصلاة، مشتركين في احتياجات المحتاجين، عاكفين على إضافة الغرباء، باركوا ولا تلعنوا، فرحا مع الفرحين وبكاء مع الباكين، مهتمين بعضكم لبعض اهتماما واحدا، لا تكونوا حكماء عند أنفسكم، لا تجازوا أحدا عن شر بشر وإن كان ممكنا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس ولا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء بل اعطوا مكانا للغضب لأنه مكتوب "لي النقمة أنا أجازي، يقول الرب، فإن جاع عدوك فأطعمه وإن عطش فاسقه، لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه، لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير»، ما أروع ختام المحادثة بسلاح لا يفنى، بالخير تغلب الشر.