رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«المناورات الأخيرة».. كيف يتحرك نتنياهو قبل «انتخابات نوفمبر»؟

جريدة الدستور

للمرة الخامسة فى غضون ثلاث سنوات، تستعد إسرائيل لإجراء انتخابات جديدة، تنطلق فى الأول من نوفمبر، دون أن يتغير المشهد الذى يعرف فيه الجميع مواقعه، وسط معركة تدور عمليًا حول شخص واحد، هو بنيامين نتناهو، رئيس الوزراء الأسبق وزعيم حزب الليكود.

ورغم تكرار المشهد لا يبدو أن «نتنياهو»، الذى يحرك السياسة فى إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، والذى أسقط تحالف حكومة التغيير منذ أشهر، مرتاحًا لكثير من السيناريوهات التى قد تسفر عنها الانتخابات، كما لا يبدو أن خصومه قادرون أيضًا على حسم الصراع، ما يحتاج لرصد تحركات المتنافسين فى الفترة الأخيرة، والنظر فى احتمالات نجاح زعيم الليكود فى تشكيل الحكومة الجديدة.. وهو ما نرصده فى السطور التالية.

مخاوف من مواقف الأصوليين وتأثيرهم على الأصوات المعتدلة المؤيدة لـ«الليكود»

رغم الضجة التى أثارها نجاح خطته فى إسقاط حكومة التغيير وحلها، ورغم الثقة التى اكتسبها تيار اليمين مؤخرًا نتيجة تحسن موقفه فى استطلاعات الرأى التى توقعت حصول تحالف الليكود على ٦١ مقعدًا فى انتخابات الكنيست المقررة فى الأول من نوفمبر المقبل- فإن الحقيقة هى أن زعيم المعارضة ورئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو يخشى الانتخابات المقبلة أكثر من سابقتها التى لم يستطع فيها تشكيل الحكومة.

وقبيل حل الكنيست، بذل نتنياهو قصارى جهده لتشكيل حكومة بديلة تحول دون العودة إلى الانتخابات مجددًا، وتحدث كثيرون حول مقترحات فى الكواليس للتعاون مع خصوم من أمثال بينى جانتس، زعيم حزب «الوحدة الوطنية» وجدعون ساعر، رئيس حزب «أمل جديد»، رغم التأكد من فشلها لأنه لا أحد يثق بنتنياهو.

ولذلك، فإن مخاوف نتنياهو فى هذه الانتخابات أكثر من سابقتها، لكونه يحسب حسابًا لتهديد الأصوليين بالانفصال عنه وعن تحالف «الليكود» إذا لم يتمكن من تشكيل الحكومة فى هذه المرة أيضًا.

ورغم حقيقة أن الأصوليين لن يسارعوا إلى التخلى عن نتنياهو، مع حقيقة التعاطف الكبير معه فى أوساط المصوتين لهم، فى العقود الثلاثة الأخيرة، فإنه من الصعب أن يجلس الأصوليون ثانية فى صفوف المعارضة، لأن هذا الوضع ليس سهلًا بالنسبة لأحزاب اعتادت أن تكون فى الحكم لسنوات طويلة. ولذلك، فإن هناك أحاديث جانبية كثيرة تكشف عن أن كثيرًا من الأصوليين أصبح غير راضٍ عن نتنياهو، وتحدث بعضهم بشكل علنى عن تفضيل التحالف مع جانتس. وتشير التقديرات إلى أنه إذا لم يستطع نتنياهو تشكيل الحكومة فى الانتخابات المقبلة فإن الأحزاب الأصولية ستضغط عليه للموافقة على التحالف مع جانتس والتناوب معه على رئاسة الوزراء، رغم إدراك أن الأخير سيشترط أن يتولى منصب رئيس الحكومة أولًا.

ومع ذلك، فليست هناك مؤشرات قوية تدل على أن تحالف جانتس سيوافق على ذلك، لأن الأصوليين حتى هذه اللحظة لم ينجحوا فى إقناعه باجتياز خطوطه الحمراء، والانضمام إلى حكومة تضم نتنياهو، وإن كانت الأحاديث حول التحالف تغرس بذرة لمبادرات محتملة بعد الانتخابات.

تلك المخاوف مع الأصوليين لا توازيها مخاوف مماثلة داخل الليكود، فحتى هذه اللحظة يمسك نتنياهو بزمام حزبه جيدًا، مع حقيقة أن حلفاءه المخلصين هم من تصدروا قائمة الليكود فى الانتخابات التمهيدية الأخيرة، أما ما يحاول نتنياهو إخفاءه فى حملته الانتخابية فهو المواقف المتطرفة لقيادات الليكود كى لا تهرب منه أصوات اليمين المعتدل ممن لا يقبلون بهذه الموقف، بحثًا عن وجوه جديدة. ويفهم نتنياهو أكثر من أى شخص آخر أن نتائج الانتخابات التمهيدية والوجوه الجديدة فى القائمة قد تكون جيدة له بعد الانتخابات، لكن من غير المؤكد أن تساعده يوم الانتخابات.

وعليه، يمكن القول إن نتنياهو نجح فى الحصول على قائمة موالية له وستدعمه فى كل القوانين التى يرغب فى أن يجيزها بعد الانتخابات، وستحمى ظهره، ولكن فى هذه الأيام فإن المواقف المتطرفة لبعض قيادات حزبه لن تفيده فى الانتخابات.

وإلى جانب ذلك، فإن هناك إحساسًا داخل صفوف مؤيديه بأن نتنياهو منشغل أكثر بمستقبل محاكمته ولوائح الاتهام ضده عما يدور داخل الحزب، ما يخلق صراعات تظهر فى ميل بعض عناصر كتلته إلى التطرف يمينًا، ما يجعلهم أقرب إلى مواقف تيار «الصهيونية الدينية» أكثر منه لـ«الليكود».

محاولات لتحييد الأصوات العربية.. وجهود لإقناع المنافسين بتشكيل «حكومة تناوب» 

مع اقتراب موعد الانتخابات، حاول نتنياهو العودة لاستهداف الأصوات العربية داخل إسرائيل مرة أخرى، وتكرار ما فعله فى حملته بالانتخابات الماضية، رغم أنها لم تسفر عن نتائج كبيرة، وجعلته يدرك حينها أن قدرته على كسب الدعم من المؤيدين العرب محدودة.

وكجزء من الحملة الجديدة، أطلق نتنياهو، الأسبوع الماضى، حسابات باللغة العربية على منصات التواصل الاجتماعى المختلفة، مثل «إنستجرام» و«فيسبوك» و«تويتر» و«تيك توك»، لنشر مقاطع فيديو مترجمة، كما أطلق حملة إعلانية تستهدف الناخبين العرب قال فيها: «فرصة لبدء عصر جديد لنا كلنا.. عصر جديد لعلاقات بين يهود وعرب، وللمواطنين العرب فى دولة إسرائيل».

ومع أن الحملة السابقة حققت بعض النجاح، وتضاعف بسببها الدعم لليكود فى البلدات العربية، حتى حصد أصواتًا قد تصل إلى ثمانية أضعاف ما كانت عليه فى الانتخابات السابقة عليها، لكنها لم تحقق نتائج كبيرة نتيجة انخفاض الإقبال بين الجمهور العربى، ومع أن نتنياهو قال وقتها إن الناخبين العرب يمكنهم أن يعطوه مقعدين أو ثلاثة فى الكنيست إلا أن الأصوات العربية التى حصل عليها بالفعل لم تحقق له حتى مقعدًا واحدًا، ورغم هذا الفشل، عاد نتنياهو إلى بذل المزيد من الجهد نحو الناخبين العرب.

ورغم أن الآلية واحدة إلا أن الأهداف هذه المرة مختلفة، لأن نتنياهو لم يعد يريد جذب الناخبين العرب إليه بل يستهدف على الأقل إقناعهم بأنه لا يوجد فرق كبير بينه وبين المرشحين الآخرين لرئاسة الوزراء، مثل يائير لابيد، رئيس حزب «هناك مستقبل»، وبينى جانتس، زعيم حزب «الوحدة الوطنية»، وبالتالى لا توجد ضرورة كبيرة للتصويت ضده، لذا فإن بقاء هؤلاء فى منازلهم سيكون جيدًا له ويعزز من فرص كتلته.

ورغم اقتراب كتلة نتنياهو اليمينية من تحقيق الرقم السحرى فى الانتخابات، وهو ٦١ مقعدًا، إلا أن نجاحه الحقيقى يتوقف على فشل منافسيه، لأن احتمالات وصوله لأغلبية المقاعد تتضاءل إذا نجح حزب «ميرتس» اليسارى مثلًا فى تجاوز نسبة الحسم المطلوبة لدخول الكنيست، كما أن زيادة التصويت فى الكتلة العربية ستضعف أيضًا من فرصه، وكذلك سيفعل تمسك جانتس بمواقفه وامتناعه عن التحالف معه. وإذا لم يتم الحسم فى الانتخابات المقبلة، فإنه من المتوقع أن تكون هناك جولة أخرى، والنتيجة ستكون فوضى سياسية وانتخابات متكررة، يتحرك فيها نتنياهو بحماس يستند إلى جمهوره المتعصب من المؤيدين اليمينيين.

ووفقًا لذلك، فإن هناك عدة سيناريوهات انتخابية قد تكون مرجحة أكثر من غيرها فى هذه الانتخابات، أولها أن تحصل كتلة نتنياهو بالإضافة إلى كتلة «يمينا»، برئاسة إيليت شاكيد، على ٣١ مقعدًا، مع ربط الأخيرة انضمامها إلى الحكومة بانضمام جانتس، بهدف تشكيل حكومة موسعة بالتناوب.

ويعد هذا السيناريو هو الأفضل، حتى لنتنياهو، لأنه حتى لو استطاع الحصول على ٦١ مقعدًا دون الحاجة لـ«شاكيد» فإن اعتماده على الأصوليين والمتطرفين داخل تحالفه، مثل إيتمار بن غفير، رئيس حزب «القوة اليهودية» اليمينى المتطرف، يعد وصفة للفشل، لأنه سيحاول ابتزازه لاحقًا ودفعه نحو اتخاذ قرارات متطرفة.

أما السيناريو الثانى فى الانتخابات، فهو وقوف كتلة نتنياهو على حافة الـ٦١ مقعدًا، مع عدم قدرة منافسه لابيد على تشكيل الحكومة، ما يدفع الأمور نحو جولة سادسة من الانتخابات، ووقتها من المتوقع أن يتحرك الأصوليون ويطرحوا على نتنياهو عرضًا للتناوب على رئاسة الحكومة.

وفى جميع السيناريوهات والخيارات المتاحة تظهر حقيقة أن الانتخابات تدور حول نتنياهو، وأن ما يحرك كل الأطراف هو إسقاط نتنياهو أو بقاؤه، وأن الآلية المستخدمة من الجميع هى الخداع، وأنه منذ بداية الأزمة السياسية فى عام ٢٠١٩ لا توجد جدالات فى السياسة الإسرائيلية، ولا توجد خلافات أيديولوجية، ولا توجد فوارق فى الأداء، ولا خلافات اقتصادية أو اجتماعية، وأن الفوضى السياسية تنبع بسبب صراع عدد صغير من الأشخاص حول نتنياهو.