رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الخصومات» و«الدعاية».. روشتة إنقاذ الكتاب المطبوع من الركود

الكتاب
الكتاب

- إشادة بفكرة بيع الكتب القديمة وتقليل هامش الربح.. التوعية بأهمية القراءة فى الأعمال الفنية

- مقترح باللجوء إلى ورق رخيص لضرب «مافيا التزوير»

فى الفترة الأخيرة ومع موجات التضخم الاقتصادى والأزمات الاقتصادية الحادة التى يعانى منها كل دول العالم، تأثرت سوق الكتاب كما تأثر باقى الأسواق، فمثلًا فى فرنسا أعلن أكثر من مكتبة شهيرة عن أن حجم المبيعات انخفض بمعدلات كبيرة.

لم يتوقف الأمر عند فرنسا، التى تمتلك أكبر وأشهر المكتبات، ولكن وصل إلى مكتبات أخرى؛ فمثلًا منذ أسابيع قليلة أعلنت منصة «إيمرالد» التعليمية والثقافية عن أن الركود الذى ضرب مكتبات الولايات المتحدة الأمريكية سيستوجب حركة من المكتبات تعيد فيها النظر إلى سياستها المالية، ودراسة التحديات التى يفرضها هذا المناخ الاقتصادى، ووضع خطط للمستقبل.

وفى تحقيق أجرته الصحفية لورين أراتنى، بصحيفة «الجارديان» البريطانية، أشارت إلى أن الطلب على الكتب المطبوعة فى العالم أخذ ينخفض، وأن الاستثمار فى آلات الطباعة الجديدة أصبح مكلفًا، ولحل الأزمة لا بد من إعادة رفع معدل الطلب على الكتب المطبوعة من جديد.

واليوم تواصلت «الدستور» مع عدد من المسئولين عن أشهر المكتبات فى أكبر مدينتين ومحافظتين داخل مصر، وهما محافظتا القاهرة والإسكندرية، لنتعرف من خلالهما كيف ستواجه المكتبات فى مصر الأزمة الاقتصادية الأخيرة؟ وما الطرق والأفكار المطروحة للخروج من الأزمة؟

كانت البداية مع محمد قطب، مدير إحدى أهم وأشهر المكتبات فى محافظة الإسكندرية، الذى قال إن المكتبات تعمل فى الوقت الحالى على إحداث حركة فى البيع والشراء من خلال عمل خصومات كبيرة على الكتب لجذب عدد كبير من المشترين والقراء.

أوضح «قطب»: «الخصومات الكبيرة سببها الركود فى الأساس، فنحن مضطرون لعمل خصومات كبيرة، والهدف من الخصومات هو تقليل الركود، والفكرة هنا ليست تحقيق مكسب للمكتبة، بل تحقيق حركة فى السوق».

وتابع: «فى الصيف تزيد المبيعات، لكن بسبب ضغوطات مثل ارتفاع سعر الورق، فالخصومات هى تعويض للقارئ لشراء ما يحتاجه من كتب بخصم».

وعن كيفية عمل خصومات فى ظل توقع فى زيادة سعر الكتاب، أجاب: «هناك نسبة كبيرة من الكتب يتم بيعها ثم محاسبة دار النشر، فنحن لم نستلم بعد كتبًا من دار النشر بسعر أكبر، وعليه لا فائدة فى أن يظل الكتاب موجودًا بالمكتبة ويزيد سعره، بل نبيع الكتاب أولًا ثم نعطى ثمنه لدار النشر».

وأكد: «لا نزال نعمل بالأسعار القديمة، ولا نغير الأسعار إلا بوصول طبعة جديدة»، وعن تأثير الكتب الإلكترونية على حركة البيع داخل المكتبات، قال: «الكتب الإلكترونية أوفر من الكتاب الورقى، والآن لجأ بعض القراء حتى من محبى الكتاب الورقى للقراءة الإلكترونية، وهذا يؤثر على المكتبات، لكننى أعتقد أن الكتاب الورقى سيظل موجودًا، لأن ربح الكتاب الورقى أفضل من الكتاب الإلكترونى بالنسبة لدار النشر».

وحول الحلول التى يمكن بها الخروج من الأزمة، قال: «جزء كبير من تكلفة الكتاب يخصص للدعاية والغلاف والمراجعة اللغوية وحقوق المؤلف وحقوق المترجم وحقوق المؤلف الأجنبى إن كان الكتاب من ناشر أجنبى، وهامش المكتبة وهامش الناشر، والحل هو رفع مبيعات الكتاب لأن الكتاب لو تم بيعه وانتشر سيقل السعر».

وأضاف متحدثًا عن إمكانية طرح الكتب الراكدة عند دور النشر أو الكتب المستعملة لتخفيف حدة الأزمة: «من الممكن عرض الكتب الراكدة عند دور النشر أو الكتب المركونة فى المخزن، وهذا يحدث من خلال تقليل هامش الربح من جانب المكتبة ودار النشر».

وفى الفترة الأخيرة تم غلق فرع «الهيئة العامة للكتاب» بمحطة الرمل، الذى كان يمكن من خلاله لقراء محافظة الإسكندرية الحصول على الكتاب المدعم الذى توفره الهيئات الحكومية التابعة لوزارة الثقافة مثل هيئة الكتاب، سألنا «قطب» حول إمكانية طرح هذه الكتب المدعمة فى مكتبته لحين افتتاح الهيئة فرعًا جديدًا داخل المحافظة لتحقيق هذا الرواج المأمول، فقال: «لم يتواصل أحد من الهيئة معنا لتوزيع إصداراتها لحين حل مشكلة افتتاح فرع جديد داخل المحافظة، وسيكون ذلك جيدًا إن حدث، وسيعطى خلفية للهيئة حول الإصدارات الأكثر مبيعًا أو الأكثر طلبًا، فتزيد من طبعها كما يحدث عند التعامل مع دور النشر الأخرى».

من جهته، قال حسام محمد، مدير إحدى المكتبات الكبيرة فى محافظة الإسكندرية، إن الخصومات لها واقع السحر على المشترى، وإن المكتبة حين تقوم بعمل خصومات تراعى أن تكون فى حدود المعقول والمسموح به.

وأضاف «محمد»: «لا بد أن تكون الخصومات بطريقة تجذب العميل، وهدفها تحقيق الرواج فى وقت ارتفاع الأسعار أو وقت الركود فى البيع مثل بدء العام الدراسى، ولأننا من الإسكندرية يؤثر موسم المصيف علينا، لأن الناس تتجه للتنزه بدلًا من شراء الكتاب، ولا بد من التأكيد على أن الكتاب ليس سلعة أساسية عند ناس كثيرين».

واصل حديثه عن تأثير المنصات الإلكترونية على المكتبات: «المنصات الإلكترونية بالتأكيد تؤثر على المكتبات، لكن الكتاب الورقى سيظل موجودًا بالرغم من أزمة الورق أو أزمات التضخم فى العالم كله، وهناك توجه للقراءة الإلكترونية حدث فى دول أخرى، ولكن الفارق أننا هنا حينما نطبق فكرة جديدة نتحمس لها زيادة عن اللزوم، أما فى الخارج ظل الكتاب الورقى محتفظًا بقيمته والناس لم تتركه، وأنا متأكد من أن الكتاب الورقى سيظل موجودًا».

وتابع: «أنا واحد من الناس عرضت فكرة وجود طبعة شعبية بجودة ورق أقل أو معقول تسمح للقارئ الذى لا يستطيع شراء كتاب بـ٢٠٠ جنيه أن يشتريه بـ١٠٠ جنيه. ومن وجهة نظرى سيحقق ذلك فائدتين، الأولى أنه سيوفر خيارات كثيرة للقارئ، والثانية أنه سيعتبر ضربة قوية لمافيا تزوير الكتب، التى تؤثر على المكتبات ودور النشر، فالمزور سارق.. يسرق مجهود مؤلف وعمال مطبعة ومصمم أغلفة».

وأكمل: «يمكن للقارئ أيضًا أن يتجه للكتاب المستعمل بدلًا من الكتاب المزور، والمكتبات التى توفر الكتب المستعملة مكتبات شاطرة، وهامش الربح لهذه الكتب يكون طبيعيًا، وكل مكتبة تتبع سياسة معينة، فهناك مكتبات تحب البيع بهامش ربح صغير، بحيث تحقق رواجًا وتصل لناس أكثر، وهناك مكتبات تحب البيع بهامش أكبر.. والفكرتان محترمتان».

ورأى «محمد» أن «عدد القراء فى مصر بالنسبة لإجمالى عدد المواطنين قليل جدًا، لكن هناك أشياء تعطى لنا الأمل، فعدد المصريين أكثر من ١٠٠ مليون، وللأسف القراءة غير منتشرة، وأظن أن عدد القراء فى مصر لا يزيد على مليونىّ شخص، موزعين على كل مكتبات مصر، وهذا رقم صغير».

وتابع: «بالنسبة لمكتبتى، لاحظت أن رواد المكتبة أغلبهم شباب، وهذا شىء مفرح، لأنه يعنى أنه بالرغم من وجود وسائل التواصل الاجتماعى والوسائل الترفيهية الأخرى، يتمسك الشباب بالقراءة، وبعضهم يقرأ كتبًا لها قيمة كبيرة ومهمة».

وفى القاهرة التقينا محمد خيرى، مدير المشتريات بأحد أشهر المراكز الثقافية والمكتبات بوسط البلد.

وقال «خيرى»: «الخصومات التى يقوم بها بعض المكتبات تكون على حساب هامش ربح المكتبة»، موضحًا: «تتفق المكتبة مع دار النشر على نسبة ربح معينة، وحينما يحدث ركود تضطر المكتبة لتقليل هامش ربحها لتحقيق الرواج».

واعتبر «خيرى» أن المنصات الإلكترونية لا تؤثر فى مبيعات الكتاب الورقى «لو فيه تأثير من المنصات فهو تأثير بسيط، لأن الكتاب الورقى سلعة والقارئ يحب الاحتفاظ بالكتاب واقتنائه، لذا سيظل هناك جمهور لمنتج الكتاب الورقى حتى لو كان قليلًا، ولا يقل البيع بسبب الكتب الإلكترونية فقط، بل بسبب وجود وسائل ترفيهية أخرى».

ورأى أنه للخروج من الأزمة الحالية لا بد من اشتراك صناع الأعمال الفنية، سواء مسلسلات أو أفلامًا، للتنبيه على أهمية القراءة ولو حتى بشكل غير مباشر، وواصل: «مش الخصومات بس القادرة على جذب القارئ، بل الخصومات والدعاية، والدعاية هى أكثر حاجة تخلى القارئ يرجع يشترى كتب، والدعاية مش بس بتقتصر على صفحات دور النشر والمكتبات، الدعاية بأنماط مختلفة زى ظهور ممثل شهير فى مسلسل بكتاب معين فده بيخلى الكتاب شىء جذاب بشكل عام، فصناع الأفلام والمسلسلات والإعلام يجب أن يضعوا أمامهم هذا».