رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مفتي كاليفورنيا: التصوف الحقيقي هو العلم بأحكام الشريعة والبعد عن الخروقات

مفتى كاليفورنيا ..بلال
مفتى كاليفورنيا ..بلال الحلاق

قال الشيخ بلال الحلاق، مفتي ولاية كاليفورنيا الأمريكية، خلال مشاركته فى فعاليات ملتقى التصوف العالمى الذى عقد مؤخراً بالمغرب، إن العلم غايته العمل المقبول عند الله، وعلى هذا طريق القوم الصوفية والفقراء فإنَّ هذه الطريقة لا تُورَثُ عن الأبِ والجدّ، ولا تُنال بالقيلِ والقالِ والدرهَمِ والمالِ وظواهرِ الأعمال، بل هي طريقةُ العملِ والجِدّ، والوقوفِ عند الحَدّ، وذَرّ الدموعِ على الخَدّ، والأدبِ مع الله تعالى، والذُل والافتقار واتباع سنة النبي المختار، وقال الجنيد البغدادي سيد الطائفة الصوفية: طريقنا هذا مضبوط بالكتاب والسنة، إذ الطريق إلى الله مسدود إلا على المقتفين ءاثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الإمام الرفاعيّ رضي الله عنه الصوفي هو الفقيه العامل بعلمه. وقد بوب البخاري رحمه الله في الصحيح الجامع باب العلم قبل العمل. وقد قال الله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذبك} فقدم العلم به سبحانه على التوبة وهى من جملة العمل. 

  وتابع  وقال تعالى (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) ولم يقل "أكثر عملا"؛ وهذا فيه تنبيه إلى مقام عظيم لابد من العناية به؛ ألا وهو: أن يتأمل المرء في كل أعماله بأن تكون حسنة، فليست العبرة بكثرة العمل، وإنما العبرة بحُسن العمل، قال الفضيل بن عياض -رحمه الله تعالى في قوله: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) قيل له: ما معنى ذلك؟ قال: "أخلصه وأصوبه" قيل : يا أبا علي وما أخلصه وأصوبه؟ قال: "إنَّ العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة".

وأضاف: ومن العمل المرضي عند الله اجتماع المؤمنين بالعمل الجماعي كحلق الذكر وعمل الموالد التى فيها ذكر الرحمن ومدح خير الانام، ومن أروع صور العمل الجماعي في الطاعة والجهاد في تاريخ الأمة الإسلامية غزوة الأحزاب، التي تكالب فيها الأعداء على الدولة الإسلامية ورسولها، وجاءوا من كل حدب وصوب؛ ليستأصلوا الأمة الإسلامية، وليقتلوا خير البرية -صلى الله عليه وسلم- فجاء العمل الجماعي وتعاون الجماعة حتى في العمل اليدوي لتصد هذا العدوان، ولترد له صفعة قوية ترده على أدباره خائبا وهو حسير كسير ذليل.

وأوضح: فتعاون المسلمون وعلى رأسهم رسول -صلى الله عليه وسلم- في حفر الخندق، ولم يجلس النبي صلى الله عليه وسلم في غرفة العمليات تحت المكيفات والمرطبات، وترك أصحابه تحت حر العمل وحر الجو وحر الخوف، بل كان -صلى الله عليه وسلم- في المقدمة يدًا بيد؛ كما جاء عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْخَنْدَقِ وَهُمْ يَحْفِرُونَ، وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَادِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إلا عَيْشُ الآخرة، فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ والأنصار"(البخاري)، وعن أنس قال: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْخَنْدَقِ، فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنْ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَة, فَاغْفِرْ للأنصار وَالْمُهَاجِرَة", فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا, عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا, فكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَهُ أَوْ اغْبَرَّ بَطْنُهُ"(البخاري).

وأشار إلى أنه: وفي الصحيحين عن الْبَرَاءَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الأحْزَابِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ, وَلَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ, وَهُوَ يَقُولُ: وهكذا ينبغي على الصوفي الصادق ان يقدم بالعمل ليتبع الناس على هدى وعلم وصفاء.

وواصل: فالعمل الصلاح ينبغي أن يكون خالصًا لا يراد به إلا وجه الله -عز وجل- وثوابه الذي أعدّه لعباده في الدار الآخرة، فلا ينبغي إتيان صورة الأعمال الصالحة ابتغاء غرض دنيوي أو مقاصد آنيَّة من شهرةٍ أو سمعةٍ أو غير ذلك من خوارم النية المبطلة لها المحبطة للثواب. فالقصد الأعظم عبادة الله.  فإن عبدت الله وكان عملك مقبولًا عنده لا يضرك مدحك الناس أو ذموك.  يقول الله تعالى {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.  فطوبى لمن أرضَى اللهَ بِسَخَطِ الناسَ  وبئس من أَرْضَى النَّاسَ بسخَطِ اللهِ، وفى الحديث القدسي يقول الله -جل وعلا-: "أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ" وفي لفظ: "وأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ".  

وأكمل:  فالصوفي يعمل متخفيًا عن عيون الخلق مريدًا وجه الله ويكفيه أن الله يعلم به، يحكي عن فقير صوفي له دكان يعتاش منه وكانت زوجته ترسل معه طعام الغداء بوعاء ليأكله في الدكان فكان ينوي الصيام ويتصدق بالطعام واذا ما رجع بعد المغرب إلى داره  أكل العشاء مع أهله ورد الوعاء لزوجته فرغًا بقى على هذا الحال عشرين سنة يصوم النفل وزوجته معه في البيت تحت سقف واحد لا تعلم به أنه صائم، هكذا سلوك أهل الله، لا يريدون إلا رضى الله وهذا أمر يحتاج إلى مجاهدةٍ تامة، ولهذا قال الأوزاعي رحمه الله: "ما عالجتُ شيئًا أشد عليَّ من نيتي"، فالنية تتفلت وهي تحتاج من العبد إلى معالجة دائمة مستمرة ليصفو العمل وليكون خالصًا لا يبتغى به إلا الله تبارك وتعالى، والدار الآخرة التي هي دار الثواب والجزاء على الأعمال، اسمع معي كيف قال الرسول صلى الله عليه وسلم لرجل قال له يا رسول الله رجلٌ يريد الجهاد وهو يَبْتَغِى عرضًا من الدنيا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا أجرَ له»  فأعظمَ ذلك الناسُ  فقالوا للرجل عُدْ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فلعلك لم تفهمْهُ فقال الرجلُ يارسول الله رجلٌ يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغِى من عرض الدنيا فقال «لا أجر له» رواه الثقات وصَحَّحُوهُ.