رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكراها.. لماذا سميت القديسة تريزا بـ«الافيلية»؟

الكنيسة
الكنيسة

تحتفل الكنيسة القبطية الكاثوليكية بذكرى القديسة تريزيا ليسوع البتول ومعلمة الكنيسة، وفقًا لدراسة أعدها الأب وليم عبد المسيح سعيد الفرنسيسكاني، فقد ولدت القدِّيسة تريزا الأفيليّة (ليسوع)، في أفيلا بإسبانيا يوم 28 مارس عام 1515م، من "أبوين فاضلين يتقيان الله" وسط عائلة كبيرة مؤلّفة من تسعة إخوة وثلاث أخوات، في طفولتها وفي سن التاسعة فقط، تمكّنت من قراءة سير بعض القدِّيسين التي توحي إليها بالرَّغبة في الشهادة. 

وبعد بضع سنوات، تتحدَّث تريزا عن قراءاتها في مرحلة الطفولة، وتؤكِّد أنّها اكتشفت فيها الحقيقة التي تلخصها في مبدأين أساسيِّين: من جهَّة، فكرة أن "كلّ ما ينتمي إلى هذا العالم هو زائل"، ومن جهّة أخرى، أن الله وحده يدوم "إلى أبد الآبدين". هذا الموضوع يرد مرَّة أخرى في القصيدة الشهيرة "لا تقلق من شيء، لا تخف من شيء؛ كلّ شيء يزول. الله لا يتغيّر: الصبر يحصل على كلّ شيء؛ من يعرف الله لا يحتاج إلى شيء الله وحده يكفي!". 

كانت “تريزا” في الثالثة عشرة من عمرها عندما فقدت والدتها. فأحسّت بالضياع. ولكنّها ذهبت وانطرحت أمام تمثال السيّدة العذراء، مصليةً بدموع حارة، طالبةً من العذراء أن تكون من الآن فصاعداً أمَّها انقضت أيام الحزن، فانصرفت تريزا للهو والتبرّج. ففقدت تقواها، وفترت عبادتها، وانعكفت على مطالعة سير الفروسية والحبّ، كما ابتعدت عن الكنيسة وحضور القداس.

وعندما شعر الوالد التقي بما يتهدّد ابنته من مخاطر، قرر إنقاذها. فوضعها كطالبة داخلية في مدرسةِ الراهبات الأوغسطينيات في دير "سيّدة النعم"، فما لبثت تريزا أن عادت إلى جو الصلاة والتقوى وتذوّقِ أمور الروح. 

حتى في كفاحها ضدّ المرض، رأت القدِّيسة كفاحًا ضدّ ضعفها ومقاومتها لنداء الله، وكتبت: "كنت أرغب في العيش لأنّني فهمت جيِّدًا أنّني لم أكن أعيش، بل كنت أصارع ظلّ الموت؛ لم يكن لدي أحد ليعطيني الحياة، ولم أكن قادرة على إعطائها لنفسي، الرب وحده القادر على منحها لي، لقد أرشدني مرّات عديدة، ولطالما تجاهلته"، خلال الصَّوم الكبير سنة 1554، وفي سن التاسعة والثلاثين، بلغت تريزا قمَّة مقاومة نقاط ضعفها، فالاكتشاف المفاجئ لتمثال "المسيح الجريح " ترك أثراً عميقاً في حياتها.

وفي مطلع عام 1554، قرأت تريزا كتاباً بعنوان "اعترافات" للقديس أغسطينوس، هذا الكتاب الزاخر بمحبّة الله، الطافح بالندامة والرجوع إليه تعالى، فانفتحت عيناها على الأسرار العليا، وبدأت تحيا من جديد حياة الصلاة والحرارة والإماتة، وأخذت تقول: "الله وحده يكفيني". 

وعملت على إصلاح ذاتها قبل إصلاح غيرها. فعكفت على التأمّل والصلاة العقلية، وأخذت تختبر حالاتٍ من الانخطاف والأعراض الخارقة، فلجأت إلى استشارة لاهوتيين كبار، فطمأنوها إلى أن هذا كلّه مصدرُهُ الله، ولا خوف عليها، وأخذ الربّ يسوع يظهر لها، ويضرم قلبها بنار حبّه الإلهي، حتى إن أحد الملائكة طعنها بحربةٍ نارية اخترقت فؤادَها فألْهَبَهُ بنارٍ من الحبّ كادت لا تُطيق تحمّلَ لظاه. 

هذا، وقد بدأت تميت جسدها بشتى أنواع الإماتات، فكانت تلبس المسح الخشن وتزنّر جسدها بحزام من معدنٍ مسنّن، وتصوم وتصلّي، حتى أصبح جسدُها أسيراً لنفسها المتعطشة لله، المشرقة بالأنوار السماوية. 

بموازاة نضج روحها، بدأت القدِّيسة بتنمية مثال إصلاح الرَّهبنة الكرمليَّة. خلال سنة 1562، استمرَّت في تأسيس أديرة كرمليّة أخرى بلغ عددها 17 ديرًا.

ففي سنة 1582، خلال رحلة العودة إلى أفيلا، رقدت فى الرب ليل 15 أكتوبر في ألبا دي تورميس مكرِّرة بتواضع هاتين الجملتين: "في النهاية، أموت كابنة الكنيسة"، "لقد آن الأوان الآن يا عريسي لنرى بعضنا"، إنّها حياة عاشتها في إسبانيا، لكنّها مكرسة للكنيسة جمعاء.

بعد أن أعلنها البابا بولس الخامس طوباوية سنة 1614، والبابا غريغوريوس الخامس عشر قدّيسة سنة 1622، أعلنها خادم الله بولس السادس "معلمة الكنيسة" سنة 1970.