رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سواق الأتوبيس

الرفاق حائرون، يتساءلون في جنون، الناس ماذا يتابعون؟
الرفاق هم اللي شغالين في الوسط الفني وربما الإبداعي عموما، ودا سؤال شاغلهم على مر الزمان، الناس بـ يحبوا يشوفوا إيه؟ علشان يعملوا لهم اللي بـ يحبوه، وينجحوا!
طيب
إن شاء الله فيما بعد نناقش حكاية النجاح والفشل، لكن مبدئيا بـ أفضل تعبير "الانتشار" على تعبير "النجاح"، لـ إنه دي حاجة ودي حاجة تانية خالص، مفهوم النجاح أكثر تركيبا وتعقيدا من الانتشار، اللي هو أمر أكثر قابلية لـ القياس، لـ إنه رقمي، قد تحصل عليه وقد تلاحظه وما تكونش محتاج إحصائيات.
فـ لو اتكلمنا عن انتشار عمل ما أكتر من غيره، فـ عادة السؤال بـ يبقى كدا: الناس بـ يحبوا إيه؟
مبدئيا كدا، والله العظيم والله العظيم والله العظيم ما فيه حاجة اسمها "الناس"، كدا كـ كتلة واحدة، بـ أي معنى من المعاني، ولا حتى الأغلبية، البلاد العربية فيها أكتر من 400 مليون إنسان، لو فيها عمل حقق 40 مليون مشاهدة مثلا يعتبر أسطوري، ودول 10% من الناس.
ناس كتير جدا مش بـ تشوف حاجة ومش بـ تسمع حاجة من الأساس، وناس مش بـ تتتابع حاجة معينة، وناس بـ تتابع اللي ييجي قدامها، وفيه من كل شي كل شي. فـ السؤال نفسه غلط ويقودك إلى تفكير غير دقيق وربما غير صحيح من الأساس. والأولى التفكير في عوامل انتشار عمل ما، لما ينتشر، ودا من خلال وضع أسئلة بـ شكل منهجي، ومحاولة الإجابة عنها. وأعتقد يعني إنك دايما هـ تلاقي نفسك متفاجئ.
مسألة الانتشار دي ليها ملامح كتير، ربما لا يتسع المجال لـ ذكرها جميعا، فـ خلينا في حدود المقال، نفكر مع بعض في حالة واحدة كـ نموذج تطبيقي لـ ما أفكر فيه، هي حالة فيلم "سواق الأتوبيس".
لما جيت أفكر في جمبع العوامل والظروف المحيطة بـ الفيلم، لقيت نفسي بـ أتجه لـ عامل محدش التفت له، لـ إنه الجميع تقريبا بـ يفكروا في الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، اللي هي مهمة أكيد، لكن ظني إنها مش ممكن تكون عامل فارق لـ وحدها، العامل اللي هـ أتكلم عنه هو الألوان.
السينما المصرية فضلت لـ عقود طويلة تقدم أفلامها بـ الأبيض والأسود، اللي هو قدامك الصورة درجات من الرمادي مفيهاش أحمر ولا أخضر ولا أصفر ولا ولا ولا. ومع تعاقب الأيام والشهور والسنين، حصل استقرار لـ عملية التصوير دي، الاستقرار ادى فرصة كبيرة لـ صناع الأفلام من مخرجين ومصورين إنهم يشكلوا هوية لـ أفلامهم.
كان فيه أولا هوية عامة لـ فيلم السينما، ثم كل تيار (إن جاز التعبير له هوية) وحتى كل مخرج بقى له هوية، والهوية تعني المذاق، وطالما قدمت مذاق معين بـ شكل منضبط، هذا المذاق سيجد متابعين، يمكن المذاق دا يكون عدد متابعين أكتر، بمكن أقل، لكن كله هـ ينتشر على نحو ما، واللي مش هـ يلاقي متابعين هـ يندثر من تلقاء نفسه، أو يمكن ما يظهرش من الأساس.
في السبعينات، التصوير تحول إلى الألوان، الألوان بدأت قبل كدا، لكن كانت نوادر وأعمال خاصة، في السبعينات بقى كله يشتغل بـ الألوان، ولـ إنها حاجة جديدة، كان الكواليتي من ناحية ما يساعدش أوي، وصناع الأعمال لسه ما عندهمش قدرة كافية على التعاطي مع الألوان، ودا خلى مفيش حاجة لها "هوية" واضحة، أو خلينا نقول مذاق.
الحالة دي خلت فيه فوضى وعشوائية في السوق، وما بقاش فيه انتظام مين بـ يتابع إيه، القصة بقت بختك يا أبو بخيت تماما، فيه حاجات انتشرت دون سبب، وحاجات ما انتشرتش برضه دون سبب، وبقى سمك لبن تمر هندي.
ما فعله عاطف الطيب هو إنه خلق هوية ما، ماق ما، مش مهم بقى تقييمي ليه أو تقييمك، عجبني ولا لأ، عجبك ولا ما عجبكش، بس أي هوية بـ تلاقي انتشار، خصوصا لما ما يكونش فيه هويات أخرى منافسة، فـ الفيلم انتشر.
خلينا نتكلم عن الهوية اللي خلقها عاطف الطيب في مقال تاني، لكن المهم هنا حاجة، وهي إنه الانتشار بـ يجيب انتشار ولو إلى فترة قصيرة، مفيش حاجة بـ تنتشر ثم يتوقف الناس عن متابعتها فجأة، أو كما قالت نانسي عجرم: مفيش حاجة تيجي كدا!