رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القمص يوحنا نصيف: المسيح أعلن عن نفسه في الصليب

الصليب
الصليب

تحتفل الكنيسة اليوم بثالث أيام عيد الصليب، وقال القمص يوحنا نصيف راعي الكنيسة القبطية في شيكاغو في دراسة له على خلفية الاحتفالات إن المسيح كشف عن طبيعته مرّاتٍ كثيرةً، أنّه الله الظاهر في الجسد، بالتعاليم والمعجزات وإظهار السلطان والقدرة الإلهيّة أمام الجميع، ولكن الصليب وبعده القيامة كان الكشف الأوضح والأكمل والأعظم.

وهو قال عن الصليب في أحد أحاديثه مع اليهود: "متى رفعتم ابن الإنسان، فحينئذ تفهمون أنّي أنا هو" وقبلها قال: "إن لم تؤمنوا أني أنا هو تموتون في خطاياكم"، ومعروفٌ أن تعبير "أنا هو" يعني الله (يَهْوَهْ = الكائن) وكان اليهود يعرفون أنّ هذا هو اسم الله.. إذن فالمسيح يعني أنّه بارتفاعه على الصليب ومواجهته للموت، وغلبته للموت بالقيامة سيكشف عن طبيعته الإلهيّة ورسالته الخلاصيّة.

بالفِعل كشف السيِّد المسيح بالصليب عن نفسه أنّه محب البشر، والشفيع الكفّاري الوحيد، ومركز الحياة الجديد بالنسبة للإنسان.

وأضاف: هو محب البشر لأنه يحب إلى المُنتهى.. يحبّ الإنسان لدرجة الموت لأجله.. إذ "ليس لأحد حُب أعظم من هذا أن يضع أحدٌ نفسه لأجل أحبّائه".. فلم نرَ حُبًّا أعظم من هذا.. حبّ سَتَرَ كثرة خطايانا، واحتمل من أجلنا الهوان والعار والسَّبّ واللطم والعُري والجَلْد.. من أجل أن يحارب عَنّا معركتنا الفاصلة مع الموت، والتي كُنّا قد خسرنا كلّ جولاتها السّابقة.. أمّا هو فقد لبس جسدنا، ودخل ميدان المعركة الشرسة معنا و"من أجل السرور الموضوع أمامه، احتمل الصليب مُستهينًا بالخِزي".. فصار العريس الحقيقي لنفوسنا، الذي اشترانا بدمه الثمين.

إذا كان الحُب يُختَبَر بالألم، فإنّ آلام الصليب المهولة قد كشفت بالفِعل عن فيضان حُب الله الهائل للبشرية، والذي جرف وغطّى في طريقه كلّ خطايا العالم..

وتابع: هو الشفيع الكفّاري الوحيد.. حيث قيل عنه أنّه "ليس بأحدٍ غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخَر تحت السماء قد أُعطِيَ بين الناس به ينبغي أن نخلُص". ففي حين أنّ الملائكة والقدِّيسين يشفعون فينا شفاعة توسُّليّة، فإنّ الربّ يسوع قد قدّم لنا شفاعةً كفّاريّة عندما "بذل نفسه فِدية عن الجميع"، وهو الذي فتح لنا الطريق مرّة أخرى إلى السماويّات.

كما ان هو مركز الحياة الجديد بالنسبة للإنسان.. لقد أصبح المسيح المصلوب مركزًا جاذِبًا جديدًا للبشر.. فهو قال: "وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليّ الجميع"، ولقد أتى المسيح ليصير رأسًا لخليقة جديدة.. فهو آدم الثاني عِوَض آدم الأول، ذاك الذي صار بالخطيّة مستَودعًا للموت.. فأراد الله أن يُنشئ بالمسيح مركزًا جديدًا يكون مُستودَعًا للحياة، كلّ مَن يتّجه إليه، ويدخل معه في عهدٍ بالمعموديّة، ويلتصق به، يدخل إلى دائرة الحياة مرّة أخرى.

لقد صار ربنا يسوع الفادي –بالصليب- مركزًا للحياة مقابِل الموت السائد في العالم، ومركزًا للبركة مقابل اللعنة السائدة في الأرض.. فكلّ مَن ينتمي إليه، ويتّحِد به، يستردّ الحياة ويتمتّع بالبركة، وهو يدعو كلّ إنسانٍ في العالم أن يترك المركز القديم، ويأتي إلى المركز الجديد.. يتجاوز الانتماء للمركز القديم (آدم الأول) الذي دبّ فيه الموت، ويُقبِل إلى المركز الجديد (آدم الثاني) الذي هو ينبوع الحياة الأبديّة.. "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدًا".

لقد صار المسيح، ليس فقط فاديًا مات من أجلنا، ولكنه أصبح مركزًا لحياتنا الجديدة التي لا يغلبها الموت.. يقدِّم لنا جسده الحيّ لنتثبّت فيه كأعضاء من لحمه ومن عظامه، ويهبنا أن نتناوله طعامًا مُحييًا، نأكله فنحيا به.. نثبت فيه وهو يثبت فينا.. نتغذّى بروحه في داخلنا، فيتجلّى فينا، ويُمتِّعنا بمجد قيامته..!