رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شنودة وسيد.. والمتاجرة بالطائفية

لماذا هذه الملاسنات والمهاترات والمشاحنات الطائفية التى نشاهدها على مواقع التواصل الاجتماعى على مدار الساعة؟ أهو الفراغ الفكرى؟ أهو الإحساس بالوجود لشخصيات فاقدة الثقة بالنفس؟
أهو توهم بدور يدعون فيه الدفاع عن الدين والمتدينين إسقاطًا لعدم تدينهم؟ لماذا يتم تحويل مشكلة فردية أو أى حدث يومى عادى وطبيعى إلى قضية طائفية ودينية تصويرًا أن الدين فى خطر؟ هنا قد وجدنا ما يسمى بقضية شنودة، بالرغم من طرحها على الأرضية الطائفية وتصويرها وتلخيصها فى أن شنودة طفل مجهول النسب وجد فى كنيسة، بما يعنى أن الأم التى تخلصت منه مسيحية.
رجل وامرأة لا ينجبان أخذا الطفل ودون إجراءات قانونية استخرجا أوراقا رسمية على اعتبار أنه ابنهما «وهذا خطأ قانونى»، استغلته ابنة أخ الرجل، فطعنت فى أنه ليس ابنهما، فتم أخذ الطفل على اعتبار أنه مجهول النسب، فتمت أسلمته وتسميته يوسف. 
فى الإطار القانونى يمكن تبرير الأمر، ولكن على المستوى الإنسانى لا يجب انتزاع طفل من أحضان من عطفا عليه وقاما بتربيته ووضعه فى دار رعاية وباسم يوسف، خاصة أنه لا يوجد قانون البتة يقول إن مجهول النسب لا بد أن يكون مسلمًا.
كما أنه إذا كان التبنى مرفوضًا إسلاميًا «ولا أعرف إذا كان هناك قانون يقر ذلك» فكم شاهدنا من أفلام كان الخط الدرامى لها هو التبنى «الخطايا والعذراء والشعر الأبيض.. إلخ».. فلماذا لا يرد شنودة إلى من ضماه إليهما تحت مسمى الكفالة، خاصة بعد تنازل الكنيسة عن التبنى الذى كان معمولًا به فى لائحة الأقباط ١٩٣٨؟ وهذا إسقاط للمادة الثالثة من الدستور التى نرفضها وسنظل نرفضها، وهذا على ضوء الرأى العام الإسلامى الذى يطالب برد الطفل فى إطار ما يسمح القانون.
وحتى لا نعطى الفرصة للمتاجرين بالطائفية هنا وهناك، خاصة أن الأمر هو مشكلة حياتية تتكرر وستتكرر، والوطن والوطنية أهم.
فى المقابل أرسل لى الصديق الصحفى سليمان شفيق فيديو، يسرد فيه مدير دار رعاية أطفال فى الخانكة هذه القصة.
قال المدير المحترم: وجد شخص طفلًا ثلاث سنوات، ذراعه فى الجبس وحالته يرثى لها، فأحضره للدار، فقمنا بنشر صورة الطفل لكى يستدل عليه أهله، فلم يتقدم أحد، فقمنا بتسمية الطفل سيد، ووضعناه فى الدار، ونقوم بتعليمه الصلاة وحفظ القرآن، بعد شهور جاء والد الطفل ومعه أحد القسس، ومعه ما يثبت أن الطفل ابنه.
فقام مدير الدار بالترحيب وأعطاهم كل المستندات التى يذهبون بها إلى النيابة، لكى تسلمهم الطفل، ووعد القس بأنه سيحضر خلال أسبوع لاستلامه، ومضت شهور ولم يحضر أحد!
قام مدير الدار بالاتصال بهم، وقال أمامكم شهران وإلا سيتم توفير أسرة تقوم بكفالته، خاصة أن الكفالة دائمًا ما تكون للطفل الصغير، والآن لم يحضر أحد.
ويقول المدير المحترم: أخبرونى ماذا أفعل وأنا أعلم أن الطفل له والديه، وأنه مسيحى، هنا أخبرنى الأستاذ سليمان باعتباره صحفيًا، ويهتم بهذه القضايا الطائفية: بأن المثبت فى أوراق النيابة أن والدة الطفل كانت قد أسلمت وتركت ولدها، والأب تزوج من أخرى، وترفض حضانة الطفل.
هنا نسأل ونتساءل: إذا كان الأمر كذلك والأب والأم فى هذا المستوى المتدنى الذى يجعلهما يفعلان ذلك، فما الظروف التى جعلت القس يذهب معه إلى الدار؟ ويعلن أمام مدير الدار أنه هو الذى سيخلص الموضوع.
فهل لم يكن يعلم ظروف الأسرة؟ أم كان يعلم وهذا هو الأصح فلماذا ترك الأمر؟ ولماذا لم تقم الكنيسة بأخذ الطفل ورعايته فى إحدى دور الرعاية؟ خاصة أن الكنيسة تدعى دائمًا وكأنها هى الراعى الأول والأوحد للمسيحيين «وهذه هى المشكلة الأساسية لتجذير وتكريس المناخ الطائفى».
أم يترك الأمر حتى يتحول إلى قضية طائفية وأن دارًا إسلامية أخذت طفلًا مسيحيًا وأسلمته وسمته سيد وتحفظه القرآن؟ أم أن هذه القضية لم تنشر ولم تصبح ترند كما يقولون فهى لم تلفت الأنظار وأن المدخل لا يشجع على المتاجرة؟ 
إلى متى سنظل ندور فى هذه الدائرة الطائفية الخطيرة؟ ولماذا لا تشرع وتصحح القوانين التى تساعد على هذا، خاصة أن الذى يحكم المجتمع القانون وليس الأفكار والآراء الفقهية والكنيسة؟ لماذا لا تترك تلك القضايا الخلافية الفارغة من المضمون لغير المتاجرين بالطائفية ونهتم بقضايا الوطن المحيطة بنا من كل جانب والتى سندفع جمعيًا ثمنها؟ المتاجرة بالطائفية لا ولن تحل المشكلة الطائفية بل تزيدها تعقيدًا.
اندمجوا فى المجتمع، اخرجوا من الخاص للعام حتى تحصلوا على المواطنة والحقوق، فلا حقوق دون مشاركة حقيقية عندها لا تلوموا غير أنفسكم . حمى الله مصر وشعبها العظيم مصر كل المصريين.