رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قلق فى المحيط الهادئ

عدد من قادة جزر المحيط الهادئ، سيجتمعون أواخر الشهر الجارى، فى الولايات المتحدة، بدعوة من الرئيس الأمريكى جو بايدن، فى أحدث محاولة من إدارته لمواجهة النفوذ الصينى المتزايد فى تلك الجُزر، وعلى الساحة الدولية بشكل عام. وطبقًا لما ذكره البيت الأبيض، فى بيان، فإن هذه القمة تهدف إلى «توسيع وتعميق التعاون بشأن القضايا الرئيسية، مثل تغير المناخ والتصدى للأوبئة والانتعاش الاقتصادى والأمن البحرى وحماية البيئة وتعزيز حرية وانفتاح المحيطين الهندى والهادئ».

الدعوة، تم توجيهها، على الأرجح، للدول الـ١٦ الأعضاء فى «منتدى جزر المحيط الهادئ»: أستراليا، ناورو، فيجى، نييوى، نيوزيلندا، بالاو، بابوا غينيا الجديدة، جزر كوك، ساموا، جزر سليمان، تونجا، فانواتو، ولايات ميكرونيزيا المتحدة، جزر مارشال، توفالو، وكيريباتى. وبينما لم يذكر البيان الدول، التى أكدت مشاركتها فى الاجتماع، أو القمة، نقلت وكالة رويترز عن «مسئول فى الإدارة الأمريكية»، أن البيت الأبيض دعا قادة ١٢ دولة، من بينها «جزر سليمان»، التى أشار إلى أن الاتفاق الأمنى، الذى عقدته مع الصين، فى أبريل الماضى، زاد من قلق واشنطن بشأن نفوذ بكين المتزايد فى تلك المنطقة.

فات هذا المسئول، الذى لم تذكر «رويترز» اسمه أو صفته، أن «جزر سليمان» قطعت علاقاتها مع تايوان، فى سبتمبر ٢٠١٩، وصارت الدولة رقم ١٧٩، التى تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين. ووقتها، قال رئيس وزرائها، مناسيه سوجافارى، إن بلاده اختارت الجانب التاريخى الصحيح، الذى اختاره معظم دول العالم، واعترفت بمبدأ «صين واحدة». كما فات ذلك المسئول المجهول، والوكالة أيضًا، أن الولايات المتحدة قررت، فى ١٢ فبراير الماضى، إعادة فتح سفارتها فى هونيارا، عاصمة جزر سليمان، بعد ٢٩ سنة من إغلاقها.

يمتد المحيط الهادئ من القطب الشمالى شمالًا إلى المحيط المتجمد الجنوبى جنوبًا، ومن آسيا وأستراليا غربًا إلى الأمريكتين شرقًا، وهو أكبر مسطح مائى على الأرض، ويمثل سكان الدول المطلة عليه، والجزر الواقعة فيه نصف سكان العالم تقريبًا. وكان بايدن، نائبًا للرئيس الأمريكى، حين أعلن فى ٢٣ مايو ٢٠١٣، عن رغبة بلاده فى الانضمام إلى «تحالف المحيط الهادئ»، بصفة مراقب، خلال اجتماعه مع الرئيس الكولومبى السابق خوان مانويل سانتوس، فى العاصمة الكولومبية بوجوتا، وهو ما حدث بالفعل، سنة ٢٠١٧، غير أن الصين أفسدت تلك الخطوة، بانضمامها هى الأخرى إلى ذلك التحالف، بالصفة نفسها: صفة مراقب.

تأسس «تحالف المحيط الهادئ»، خلال اجتماع عقده رؤساء بيرو وتشيلى وكولومبيا والمكسيك، فى ٢٨ أبريل ٢٠١١، وكان هدفه المبدئى هو تحقيق التكامل الاقتصادى وتعزيز التجارة الحرة بين الدول الأربع، مع «توجه واضح نحو آسيا»، بحسب «إعلان ليما»، أو بيان تأسيس التحالف، الذى نعتقد أن الولايات المتحدة لم تلتفت إليه، إلا بعد إدراكها أنها فقدت تأثيرها ونفوذها فى تلك المنطقة، مقابل تمدد وتزايد النفوذ الصينى. 

الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة نفوذ الصين المتنامى، إذن، باتت تعتمد على القمم والتحالفات والشراكات. إذ عقدت، فى ديسمبر ٢٠٢١ «قمة من أجل الديمقراطية»، جمعت فيها، ممثلين عن حوالى مائة حكومة، حليفة أو تابعة. وفى يونيو الماضى، أعلن بايدن عن إطلاق «شراكة للازدهار الاقتصادى»، فى «قمة الأمريكتين»، التى استضافتها مدينة لوس أنجلوس. وقبل هذه وتلك، تشاركت الولايات المتحدة مع بريطانيا والهند، منتصف سبتمبر ٢٠٢١، فى تحالف «أوكوس»، لينضم إلى التحالف الرباعى، «كواد»، الذى يجمعها بالهند وأستراليا واليابان. وكذا تحالف «العيون الخمس» المخابراتى، القديم، الذى أسسته مع بريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، فى منتصف القرن الماضى، وصار يكرس جهوده، خلال السنوات الأخيرة لمواجهة الصين.

.. وتبقى الإشارة إلى أن ويندى شيرمان، نائبة وزير الخارجية الأمريكى، كانت قد أعلنت عن القمة المرتقبة، خلال زيارتها ولاية تونجا البولينيزية، فى ٤ أغسطس الماضى، زاعمة أنها ستكون «فرصة تاريخية للحوار»، فى حين يقول الواقع إنها ستجعل المحيط الهادئ أبعد ما يكون عن الهدوء، وإن الهدف الأساسى من عقدها هو استمالة القادة، الذين سيشاركون فيها، وتوريطهم فى الصراع الأمريكى المتصاعد مع الصين.