رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد الأربعين

بعد الأربعين 

نحن عادة بلا آباء

أو أمهات يطبطبن على أوجاعنا

لنا زوجات كالأشواك فى الطريق

وأبناء يحملون لنا بعض المحبة

وكثيرًا من الانتظار

حتى نموت،

فيرثون ما تبقى من الأرصدة

لنا أفق مفتوح على الشهوة

إذ نرى البنات المراهقات

وهن يخطرن بأرداف لينة

فى الميادين العامة

نزرع محبتنا

كشجر برى

فى الشوارع

إذ نلمح إيماءة رمش

نحن الهاربون - بامتياز -

من الموت

رغم أننا نعرف

- بحُكم كوننا فلاسفة سابقين -

إنه يقترب.

صباح الخير يا جثتى

سأمر على جثتى

الملقاة فى شارع «طلعت حرب»

أقول لها:

«صباح الخير يا جثتى

لماذا غادرت عالمى إلى هنا

ألم نعقد اتفاقًا

منذ أربعين عامًا

بأن نمشى فى نفس الشوارع

نجلس مع نفس الأصدقاء

نحب نفس النساء؟!

ألم نتفق حتى على الهروب

من هذا العالم؟!».

يحملون البحر على أكتافهم

الموت لا يعرف الطريق

إلى هذا البيت

فهؤلاء الصيادون

يدركون أن الغناء

يطيل العمر

لذلك - كل يوم -

ترى منهم من يدق الدف

بشراهة غجرى

ومن يؤاخى حروف المد فى حنجرته

بحثًا عن صدى مناسب يغزلون من خيوط الحرير

شبكًا لاصطياد عرائس البحر

وشياطين الحواديت

وحين يشعلون «راكية النار»

يفر الشتاء سريعًا.

لسنوات طويلة

أقف على أول الشارع

منتظرًا عودتهم فى المساء

وهم يرددون أغنية ساحلية

ما زالت بعض كلماتها مدوَّنة

فى إحدى كراساتى المدرسية

وبعد أربعين عامًا

ما زالت تلك العادة تلازمنى

وما زال الصيادون

بوجوههم المحفورة كما هم

لم تظهر عليهم ملامح الزمن

رغم أن أقدامى

لم تعد تقوى على الانتظار.

من ديوان: شجر الأربعين

دار أم الدنيا