رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هكذا تحول مسرح «الكوميدى فرانسيز» لمكتب بريد العتبة

مسرح الكوميدي فرانسيز
مسرح الكوميدي فرانسيز قبل أن يتحول لمكتب بريد العتبة

مكتب بريد العتبة، والواقع في قلب ميدان العتبة بوسط القاهرة، شهد قبل هذا التاريخ، تحديدا قبيل حفل افتتاح قناة السويس، أحداث وتواريخ هامة، ففي هذا المكان بني الخديوي إسماعيل “المسرح الكوميدي الفرنسي”.

 

وبحسب الكاتب عادل سيف، في كتابه “أماكن منسية في القاهرة الخديوية”، والصادر عن دار إنسان للنشر، أن الخديوي إسماعيل، فكر في إنشاء مسرح علي غرار المسرح الفرنسي “الكوميدي فرانسيز”، وهو ما تم تخطيطه وبناءه، من خلال مهندسه المعماري الخاص الألماني “جوليوس فرانز”، وبدأ في إنشاء المسرح الفرنسي بعد أن وضع أساسه في 22 نوفمبر سنة 1868، وتم البناء في غضون 42 يوما ليتم الافتتاح في 4 يناير 1869.

 

ويلفت “سيف” إلى أنه: جاء البناء بسرعة أدهشت المؤرخين مثل “إلياس الأيوبي”، والذي ذكر أنه في غضون هذه المدة تم الإنشاء والتأسيس والتجهيز وأول تمثيل، مشيرا إلي أنه اعتمد علي الخشب في البناء وقال: “رغم السرعة لم يكن يخلو من شيئ يعجب له إعجابا كبيرا إضافة إلي ما استوجبه من مدخلين حديديين، أحدهما علي الشمال للخديوي والآخر علي اليمين للحرم المصون وأميرات البيت المالك، أما داخل المسرح فكان فخما جدا ومزينا بأبهي الرسوم وبدا البذخ الفائق علي كل شئ فيه خاصة في لوح مقصورة الخديوي والألواج الثلاثة المغطاة المعدة لأميرات أسرته”.

 

ــ جلب ستارة مسرح الكوميدي فرانسيز من باريس  

تم تجهيز المسرح بكل ما هو فخم وفاخر فتم طلب الستارة وكراسي الأوركسترا من باريس، إضافة إلى تزويده بقطع فنية من المعروضة في القصر الملكي، واحتوت صالته على 116 مقعدا، و64 مقعدا أماميا بالصالة، و18 مقصورة عادية، و18 مقصورة درجة أولى، و18 مقصورة درجة ثانية.

 وكانت مقصورات حريم البلاط مزودة بحواجز من القضبان لتصد العيون المتطفلة، كما أرسل الخديوي إلي أوروبا مبعوثين مهمتهم أن يحضروا له فرقة ممتازة.

 

ــ “هيلين الجميلة” أول عرض على مسرح "الكوميدي فرانسيز"

حضر حفل افتتاح مسرح "الكوميدي فرانسيز" الخديوي إسماعيل وابنه توفيق أكثر من 300 متفرج من المواطنين الأوروبيين والمسئولين الحكوميين والقناصل والوزراء ورجال الأعمال والصحفيين.

 

 وتم عرض مسرحية “هيلين الجميلة” في الحفل، وهي من مسرحيات “جاك أوفينباخ” الغنائية المفضلة لدى الخديوي، ونص كلمات أوبرالي كتبه “ميلنهاك وهاليفي”. 

 

وشهد مسرح "الكوميدي فرانسيز" في بدايات عروضه التي كانت في الشتاء إقبالا من الجاليات الأوروبية في القاهرة، إضافة إلي جمهور كان أغلبه من الطبقة الوسطي، يرتدون معاطف المناسبات الرسمية الطويلة السوداء والطربوش، فيما كانت قلة منهم ترتدي الرداء الشرقي، وكان بالإمكان مشاهدة ضباط مصريين وبعض الوزراء.

 

وتواصلت الأنشطة على مسرح "الكوميدي فرانسيز"، على مدى عمره وكان أبرزها حفل مسرحي يوم 24 مارس 1869 خصصت إيراداته التي بلغت 2200 فرنكا فرنسيا كإعانة للفقراء، وفي 30 أبريل 1869 نظمت حفلة موسيقية إيطالية باسم “البيانو”، تضمنت قصيدة غنائية في مدح الخديوي إسماعيل ألقيت باللغة الإيطالية والتركي والعربية، بحضور الخديوي، والذي حضر أيضا في 24 أكتوبر سنة 1870 حفلا مسرحيا بالمسرح وكان يصفق بيديه تشجيعا للممثلين، مما لفت انتباه بعض كتاب الصحف والمجلات وسجلوه في كتاباتهم.  

 

ــ ظهور التصدعات في مسرح "الكوميدي فرانسيز" تؤدي لإزالته

ويلفت “سيف” إلى أنه: "لم يدم عمر مسرح "الكوميدي فرانسيز" طويلا إذ أدت السرعة التي بني بها إضافة إلي اعتماد البناء علي الخشب وهي نفس التقنية التي اعتمدت في بناء الأوبرا، إلى وقوع خلل ما في عملية بناءه تسببت في ظهور بعض التصدعات في المبني بعد ثلاث سنوات لذا رفع عمر لطفي محافظ مصر في 19 يونيو 1872 طلبا رسميا إلى الخديوي بشأن ترميم مسرح "الكوميدي فرانسيز" والذي وافق عليه؛ إلا أن الترميم لم يعالج التصدعات بشكل نهائي وتم تجديده مرة أخرى في عام 1881، ولهذا السبب تم إيقاف العروض عليه سنه 1887 وأهمل حتي تمت إزالته.