رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مجيد طوبيا: يوسف شاهين حاول أن يقدم معادلة من أصعب معادلات الفن

يوسف شاهين
يوسف شاهين

يوسف شاهين، والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من العام 2008، يعد من أكثر المخرجين المصريين المثيرين للجدل. ما بين الغنائية والملحمية تعددت وجوه يوسف شاهين، وتنوعت أساليبه وموضوعاته من “باب الحديد” إلى "صراع في الوادي"، ومن “الأرض” إلى “الناصر صلاح الدين، عودة الابن الضال، إسكندرية ليه؟، إسكندرية كمان وكمان، العصفور، القاهرة منورة بأهلها، المهاجر، باب أمين، اليوم السادس”، وغيرها من الأفلام والأعمال السينمائية التي صنعت مجد يوسف شاهين ورسخت بصمته الفنية.

 

ــ دوائر المعادلة الصعبة 

في العدد رقم 255 والمنشور بتاريخ فبراير عام 1980 بجريدة العربي الكويتية، نشر الروائي مجيد طوبيا، حوار مطول مع المخرج السينمائي يوسف شاهين، وفيه يشير “طوبيا” إلى أن يوسف شاهين في أفلامه الأخيرة مثل “الاختيار” و"العصفور"، “عودة الابن الضال”، حاول يوسف شاهين أن يقدم معادلة من أصعب معادلات الفن، وهي أن يقدم المشاكل العامة الشاملة من خلال الهموم الخاصة لأبطاله وبشكل جماهيري. 

 

ومحاولة بعد الأخرى كان يقترب من حل هذه المعادلة الفنية العسيرة، وكان يقترب من النجاح بشكل أو بآخر، لكنه لم يوفق تماما بشكل رائع إلا في تحفته الرائعة “إسكندرية ليه؟” ربما لأن الموضوع أكثر صدقا من الناحية الفنية، ربما لأنه كان قد اكتسب نضوج الخبرة، وربما بسبب مواجهته للموت عند البدء في كتابة هذا الفيلم. 

 

وأضاف “طوبيا” عن يوسف شاهين: “المادة الأساسية كموضوع تتركب من عدة دوائر معقدة ومتشابكة. فهناك الدائرة الأشمل وهي دائرة المجتمع الإنساني في تلك السنة، حيث العالم كله يتقاتل، الكبار يزجون الصغار في رحي حرب لا دخل لهم بها. الكبار هم دول أوروبا القومية المتقدمة ماديا، المحور في جانب: ألمانيا، إيطالياواليابان، والحلفاء في الجانب الآخر: أمريكيا، انجلترا، فرنسا وروسيا. والصغار هم الدول الفقيرة، المسلوبة خيراتها بأيدي الأقوياء، والذين يطلقون عليهم الآن اسم الدول النامية، أو دول العالم الثالث”.

 

وتابع: “ثم هناك الدائرة الثانية وهي مصر ممثلة في الإسكندرية، مدينة مغلوبة على أمرها، واقعة تحت الاحتلال الإنجليزي، كثير من الأسر المصرية البائسة وقليل من الأسر الأحسن حالا ومن الأسر الحاكمة أسما. وجميعهم واقعون تحت هيمنة مجموعة من الأثرياء المصريين. معظمهم ممن كان يطلق عليهم “أثرياء الحرب”، الذين جمعوا ثرواتهم مستغلين اختناقات التموين الناتجة عن عدم انتظام النقل البحري المدني، بالإضافة إلى مجموعات الأجانب من كل صوب ومعظمهم من الآفاقين النصابين. يضاف إليهم جحافل جيوش الاحتلال، من بريطانيا العظمي ومن مستعمراتها التي كانت لا تغرب عنها الشمس”.

 

ــ الدائرة الأصغر “أسرة يوسف شاهين”

ويلفت مجيد طوبيا في حديثه عن فيلم “إسكندرية ليه؟”، للمخرج يوسف شاهين: "الدائرة الأصغر في هذا الخضم البشري تضم الفتي يوسف شاهين وأسرته قليلة الدخل، والمكونة من أمه وأبيه الشيخ، والمنحدرين من جدين لبنانيين، وأخته وهو الابن الذكر الوحيد الذي بقي للأسرة الصغيرة بعد أن مات أخوه الأكبر. وهذا ما جعل الأسرة تهتم بتعليمه وتكرس جل دخلها من أجله، وتدخله مدرسة غالية النفقات، حيث وجد نفسه لأقران ميسوري الحال هو الوحيد الفقير بينهم. كل واحد منهم يرتدي أفخر الثياب، وهو ببذلة متواضعة يكاد لا يغيرها، كانوا متفوقين عليه ماديا، ولهذا حاول أن يتفوق عليهم في الدراسة وفي إلقاء أشعار “هاملت ــ شكسبير” أمامهم وبطريقة تثير إعجاب أستاذه الإنجليزي الجنسية، ولعل الفن نما عنده بعد ذلك كنوع من أنواع التعويض.

 

ويشدد مجيد طوبيا على أن يوسف شاهين: نجح في نسج ثلاث دوائر معقدة ومركبة ومتداخلة، نجح يوسف شاهين في نسجها معا في ضفيرة فنية شائقة رائعة، في تحفة أسماها “إسكندرية ليه؟” حيث النماذج الإنسانية الآسرة تلمع بشكل آخاذ.