رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قتل الناس ببطء

في الأحياء الشعبية جماعات مجهولة من بشر يجوبون الأماكن بعربة وميكروفون، يطلبون زيوتا للبيع، زيت طعام وزيت سمك وزيت فراخ، هكذا كما ينادون بالضبط، ويحددون سعر الكيلو باثني عشر جنيها، الناس الذين لديهم زيوت مستعملة متراكمة يسارعون ببيعها طبعا فذلك أفضل من سكبها في البلاعات مباشرة أو في القمامة بعد تكييسها.. ظنهم أن هؤلاء الذين يشترونها منهم يبيعونها لمصائع تستخدمها في صناعة الصابون، مثلا، أو الأشياء التي ليس من بينها الأطعمة.. لكنهم لا يعرفون أن هذه الزيوت، بحالتها المهدرجة الخطرة، تباع لمحلات الأطعمة والمطاعم للأسف، وهم أنفسهم يتناولونها ثانية في وجباتهم السريعة الجاهزة أو التي يتم طبخها على مهل، وهذه كارثة حقيقية لأنها بمثابة قتل بطىء للناس!

المحلات المحترمة والمطاعم النظيفة المعروفة لا ترتكب مثل هذه الجريمة مهما تكن المكاسب، ولكن لدينا محلات هامشية ليست مرخصة أصلا ولا حاصلة على تصريحات صحية بالممارسة، ومطاعم صغيرة حقيرة متحايلة، ترشو صغار الموظفين ليمرروا مخالفاتها الجسيمة، ولا تراعي الله ولا ضميرها الإنساني فيما تقدمه لزبائنها، بل تقدم شيئا رخيصا تستقطب الزبائن به، وتنجح دوما في خلطه بالبهارات التي تمنحه رائحة شهية وطعما لذيذا؛ وعليه يأكل الناس بلا حسابات ولا شكوك، والأصل زيت فسد من كثرة الاستخدام، بجانب ما تشمئز منه الأنفس من صنوف الطعام النيئ المجلوب من مصادر مخالفة للشروط السليمة وليست معتمدة بالمرة!

حتى الساعة، لا أدري أين الرقابة على هؤلاء الذين يطلبون للشراء سموما من الناس، ويطلبونها بعلنية شديدة، معتمدين على غياب الحكومة، وعلى قلة وعي الناس في المناطق التي يقطنها مواطنون مطحونون بالذات؟، فما يقولونه لهم كأنه الحقيقة الوحيدة، وهو دون الحقيقة تماما؛ فقد رأيت بنفسي، ورأى آخرون كثيرون، عدول وثقات، هؤلاء وهم يبيعون بضاعتهم المغشوشة، بعلم المشترين المتواطئين المستفيدين، إلى المحلات والمطاعم التي تستخدم الزيوت منتهية الصلاحية مجددا بلا أدنى خوف من عواقب تصرفاتهم السادية المريضة.

لا بد من الإسراع بالحد من هذه الظاهرة المتفاقمة القبيحة، إلا من يكون صادقا
في أخذ ما يشتريه من الناس إلى أماكنه الطبيعية المعروفة لتصنيعه بعيدا عن فكرة الطعام بالكلية.. إن هيئة هؤلاء المشترين المزرية، وركاكة عرباتهم، وسوء حالة الأوعية التي معهم، والتي يملأونها بالزيوت المباعة لهم، وعدم امتلاكهم أية أوراق تشير إلى مشروعية ما يقومون به- إن هذه الأمور مجتمعة كاشفة في الصميم لشيء مريب غير مريح يجري في الظل، وعلى الرقابة المعنية أن تتحرك فورا، وعلى الناس ألا يبيعوا لهؤلاء زيوتهم المستخدمة، ولو ضاعفوا الثمن، وعلى التفتيش الصحي أن ينشط باتجاه محلات الأطعمة والمطاعم، ما يقع منها خصوصا بمواقع قصية ليست تحت الأعين.. نحن شعب طيب يلقيه أشرار مارقون عنه في الجحيم!