رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في رسالة اليوم العالمي للصلاة من أجل العناية بالخليقة

البابا فرنسيس: نشيد الخليقة يدعونا للتنبه لحضور الله في العالم

بابا الفاتيكان
بابا الفاتيكان

أصدر البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، رسالة، بمناسبة اليوم العالمي للصّلاة من أجل العناية بالخليقة، كتب فيها "أصغ إلى صوت الخليقة" هذا هو الموضوع والدعوة لزمن الخليقة لهذا العام يبدأ الزمن المسكونيّ في الأوّل من سبتمبر باليوم العالميّ للصّلاة من أجل العناية بالخليقة وينتهي في الرابع من أكتوبر بعيد القدّيس فرنسيس.

 وأضاف البابا فرنسيس، إنّه زمن خاص لجميع المسيحيّين لكي يصلّوا ويعتنوا معًا ببيتنا المشترك. هذا الزمن، المستلهم في الأصل من بطريركيّة القسطنطينيّة المسكونيّة، هو فرصة لكي نعزز "ارتدادنا الإيكولوجي"، وهو ارتداد شجع عليه القدّيس يوحنا بولس الثاني كجواب على "الكارثة الإيكولوجيّة" التي سبق ونبَّه لها القدّيس بولس السادس في عام 1970.

وتابع بابا الفاتيكان،إن تعلّمنا أن نصغي إليه سنلاحظ في صوت الخليقة نوعًا من عدم الانسجام. من ناحية، هو نشيد عذب يسبِّح خالقنا الحبيب، ومن ناحية أخرى، هو صوت صرخة مريرة تشكّو من سوء معاملتنا الإنسانيّة للبيئة، يدعونا نشيد الخليقة العذب لكي نمارس "روحانيّة إيكولوجيّة"، متنبّهة لحضور الله في العالم الطبيعيّ. إنّها دعوة لكي نؤسِّس روحانياتنا على "الوعي المُحبّ بأنّنا لسنا منفصلين عن بقيّة الخلائق، وإنما بأننا نكوِّن مع باقي الكائنات شركة كونيّة جميلة". 

وأضاف لكن للأسف، يترافق ذلك النشيد العذب بصرخة مريرة. أو بالأحرى بجوقة تصرخ صراخًا مريرًا. أوّلاً، إنّها أمنا وأختنا الأرض التي تصرخ. فهي رَهنُ تجاوزاتنا الاستهلاكيّة، تئِنُّ وتتوّسل إلينا لكي نوقف إستغلالنا وتدميرنا لها. ثمّ، هناك المخلوقات المختلفة التي تصرخ. وبالتالي تحت رحمة "مركزية بشرية استبدادية"، في نقيض مركزيّة المسيح في عمل الخلق، يموت عدد لا يُحصى من الأجناس، وتتوقّف إلى الأبد أناشيد التسبيح التي ترفعها لله. ولكن هناك الأشخاص الاشدَّ فقرًا الذين يصرخون أيضًا بيننا. فإذ يتعرَّضون لأزمة المناخ، يعاني الفقراء بشكل أكبر من آثار الجفاف والفيضانات والأعاصير وموجات الحرّ التي تزداد حدّة وتواترًا. كذلك يصرخ إخوتنا وأخواتنا من الشّعوب الأصليّة. لأنه وبسبب المصالح الاقتصاديّة الأنانيّة، يتمّ غزو أراضيّ أجدادهم وتدميرها من جميع الجهات، فيطلقوا "صرخة ترتفع إلى السّماء". أخيرًا، يصرخ أبناؤنا. إذ تهدِّدهم أنانيّة قصيرة النظر، يطلب المراهقون بقلق منّا نحن البالغين أن نفعل كلّ ما هو ممكن لكي نمنع أو على الأقل نُحدِّ من انهيار النظم البيئيّة في كوكبنا.

- قمّة (COP27) للمناخ التي ستعقد في مصر فرصة قادمة لكي نعزز التنفيذ الفعّال لاتفاقيّة باريس

وقال البابا فرنسيس يقول إنَّ قمّة (COP27) للمناخ، التي ستُعقد في مصر في نوفمبر 2022، تمثّل الفرصة القادمة لكي نُعزز معًا التنفيذ الفعّال لاتفاقيّة باريس. ولهذا السّبب أيضًا، أردتُ أن ينضمَّ الكرسيّ الرّسوليّ، باسم دولة حاضرة الفاتيكان وبالنيابة عنها، إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول التغيّرات المناخيّة وإلى اتفاقيّة باريس، آملاً أنّ يتمُّ تذكُّر إنسانيّة القرن الحادي والعشرين على أنّها تحمّلت بسخاء مسؤولياتها الجسام. يُعدُّ بلوغ هدف اتفاقيّة باريس المتمثّل في الحدّ من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئويّة أمرًا صعبًا جدًّا ويتطلّب تعاونًا مسؤولًا بين جميع الأُمم من أجل تقدّيم خطَط مناخيّة، أو مساهمات محدّدة على المستوى الوطني، تكون أكثر طموحًا من أجل تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراريّ إلى درجة صفر على وجه السّرعة قدر الإمكان. إنّها مسألة "تغيِير" نماذج الاستهلاك والإنتاج، بالإضافة إلى أنماط الحياة، في اتجاه يضمن مزيدًا من الاحترام للخليقة والتنميّة البشريّة المتكاملة لجميع الشّعوب الحاليّة والمستقبليّة، تطوّر يقوم على المسؤوليّة والفطنة والحذر، وعلى التضامن والاهتمام بالفقراء وأجيال المستقبل. وفي أساس كلّ شيء يجب أن يكون العهد بين الإنسان والبيئة التي هي، بالنسبة لنا نحن المؤمنين، مرآة محبّة اللهِ الخالق، الذي منه أتيْنا وإليه نسير. إنَّ التحوّل الذي أحدثه هذا التغيير لا يمكنه أن يتجاهل متطلبات العدالة، لاسيما بالنسبة للعمال الذين تضرّروا أكثر من غيرهم بسبب التغيُّر المناخي.

ولفت إلى أن قمة التنوّع البيولوجي (COP15)، التي ستُعقد في كندا في ديسمبر، للنوايا الحسنة للحكومات ستقدم فرصة مهمّة لتبنّي اتفاقيّة جديدة متعدّدة الأطراف من أجل وقف تدمير النظم البيئيّة وانقراض الأجناس، بحسب الحكمة القديمة لليوبيل، نحتاج إلى أن "نتذكّر ونرجع ونرتاح ونُصلح"، لكي نوقف التداعيات الأخرى لـ "شبكة الحياة" - التنوّع البيولوجيّ – الذي أعطانا الله إياه، نصلّي وندعو الأمم لكي تتفق على أربعة مبادئ رئيسيّة، الأوّل بناء أساس أخلاقيّ واضح للتحوّل الذي نحتاج إليه من أجل إنقاذ التنوّع البيولوجيّ، والثاني مكافحة فقدان التنوّع البيولوجيّ، ودعم الحفاظ عليه واستعادته، وتلبيّة احتياجات الأشخاص بطريقة مستدامة، والثالث تعزيز التضامن العالميّ، في ضوء واقع أنّ التنوّع البيولوجيّ هو خير عالميّ مشترك يتطلّب التزامًا مشتركًا، والرابع وضع الأشخاص الضعفاء في المحور، بما في ذلك الذين هُم أكثر تضرّرًا بسبب فقدان التنوّع البيولوجيّ، مثل السّكان الأصليّين والمسنين والشّباب. وبالتالي أكرّر "أريد باسم الله أن أطلب من الشّركات الاستثماريّة الكبرى – شركات التعدين والنفط والغابات والعقارات والأغذيّة – أن تتوقف عن تدمير الغابات والمناطق الرطبة والجبال، وأن تتوقف عن تلويث الأنهار والبحار، وأن تتوقف عن تسميم الشّعوب والغذاء".

و أضاف يقول لا يمكن ألّا نعترف بوجود "دَينٍ إيكولوجيّ" على الدول الغنيّة اقتصاديًّا، التي سبّبت التلوث أكثر من غيرها في القرنَين الماضيَين، هذا الدَين الإيكولوجيّ يتطلّب منها أن تقوم بالمزيد من الخطوات الطّموحة في كلّ من القمتَين COP27 وCOP15. وهذا يشمل، بالإضافة إلى الإجراءات الحازمة داخل حدودها، أن تفي بوعودها بتقديم الدّعم المالي والفنيّ للدول الأكثر فقرًا اقتصاديًا، التي بدأت تتحمّل العبء الأكبر من أزمة المناخ. كذلك، سيكون من المناسب أيضًا أن نفكّر بشكل مُلحٍّ بدّعم ماليّ إضافي من أجل حفظ التنوّع البيولوجيّ. حتى البلدان الأقل ثراءً اقتصاديًّا لديها مسؤوليات كبيرة وإنما "متنوِّعة"، وبالتالي لا يمكن لتقاعس الآخرين أن يبرِّر خمولنا وكسلنا، لذلك من الضروري أن نتصرّف جميعًا وبحزم. نحن على وشك أن نصل إلى "نقطة انهيار".

وختم البابا فرنسيس رسالته بمناسبة اليوم العالمي للصّلاة من أجل العناية بالخليقة 2022 بالقول لنصلِّ خلال زمن الخليقة هذا، لكي تتمكّن القمتَان COP27 وCOP15 من أن توحِّدا العائلة البشريّة لكي تواجه بحزم الأزمة المزدوجة للمناخ وتقليص التنوّع البيولوجيّ. وإذ نتذكّر نصيحة القدّيس بولس بأن نفرح مع الفرحين ونبكي مع الباكين، لنبكِ مع صرخة الخليقة المريرة، ولنصغِ إليها ولنُجِب بالأفعال، لكي نتمكّن مع الأجيال القادمة من أن نفرح بالنشيد العذب للحياة والرجاء للخليقة.