رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التوافق العربى.. ضرورة حياة للمنطقة

إن أهم ما أسفرت عنه قمة جدة، التى أقيمت بالمملكة العربية السعودية الشقيقة فى تقديرى من خلال فعاليات مؤتمر «الأمن والتنمية»، أنه قد وضح أمام العالم أهمية التوافق العربى كضرورة حياة للمنطقة العربية ولدعم الاستقرار بها، والتصدى للتدخلات الخارجية، والعمل يدًا واحدة لتعزيز الأمن فى المنطقة، والتصدى للتدخلات الغربية، وفى مقدمتها التدخلات الأمريكية التى تهدف لتحقيق مصالحها على حساب أمن الدول العربية، ولا شك أن التجربة المريرة التى مرت بها المنطقة العربية منذ يناير ٢٠١١ قد أظهرت أن استقلال القرار فى أى دولة عربية هو ضرورة لضمان استقرارها، بالإضافة إلى أهمية انضمامها لتوافق عربى لديه رؤى مشتركة حول الملفات المحورية فى المنطقة، ما يجعل لها قوة فى مواجهة الأخطار التى تدعمها دول وكيانات خارجية.

ووضح خلال المؤتمر، وبشكل جلى، توافق الرؤى والتقارب الواضح والأساسى بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والشيخ محمد بن زايد والأمير محمد بن سلمان، بالإضافة إلى الملك عبدالله الثانى، ملك الأردن، الذى سبقته زيارات ثنائية، ما أدى إلى توافق حول مصلحة المنطقة والإقليم ونجاح هذا التوافق حول العديد من الملفات المهمة، فعلى رأس الملفات التى نوقشت قضية الإرهاب واستهداف مؤسسات الدولة الوطنية التى تهدد عددًا من دولها بشكل رئيسى ودعم أطراف خارجية لها، وهذه القضية بالتحديد قد أولاها الرئيس عبدالفتاح السيسى أهمية قصوى منذ توليه المسئولية، حيث أكد ضرورة دعم الجيوش الوطنية وبناء المؤسسات وإعادة إنشاء الدول التى سقطت بدعم وتمويل أطراف خارجية.

إن المؤتمر أيضًا قد أظهر قوة العلاقات المصرية السعودية وتوثيق التعاون بين الدولتين، حيث إن مصر تعتبر أمن السعودية خطًا أحمر، وأن السعودية تعتبر أمن مصر خطًا أحمر، ولقد أثبتت لنا السنوات والتجارب أن مصلحة كلتا الدولتين هى مصلحة مشتركة، وأن أمنهما لا ينفصلان.

ولقد أثبتت لنا التجربة خلال السنوات الأخيرة التى مرت بها المنطقة العربية منذ يناير ٢٠١١، والفوضى التى استشرت فى الدول العربية والدمار، والتشتت الذى حدث فى بعض الدول العربية، ومحاولات تفتيت الدول العربية، وتحويلها إلى دويلات متقاتلة ومتصارعة ومتناحرة، أو ما أُطلق عليه «ثورات الربيع العربى» الذى لم يكن سوى خراب وفوضى ودمار، بخطة وضعت فى الولايات المتحدة على يد الأمريكى برنارد لويس فى سنة ١٩٨٣، ووافق عليها الكونجرس الأمريكى، ووضعت فى الأدراج إلى أن تم تنفيذها فى زمن رئاسة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما تحت عنوان «الربيع العربى»- أنها تجربة مريرة مرت بالمنطقة العربية، ولا تزال توابعها موجودة، وأثبتت أن قيام توافق عربى وتفاهم حول الملفات الحيوية هو ضرورة حياة للمنطقة العربية حتى يمكنها التصدى للتدخلات الخارجية.

كما أدى الظرف الحالى بسبب الحرب الروسية الأوكرانية إلى تعجيل زيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن للمنطقة، رغم أنه أعلن، قبل ذلك، عن أن المنطقة ليست من أولوياته، وفى تقديرى أنه يمكننا القول إن «قمة جدة» قد جاءت لصالح التوافق العربى الحالى، ما أدى إلى زيارة بايدن المهمة للمنطقة، وقيام شراكة استراتيجية بين الدول المشاركة فى هذه القمة.

ووضح أن الإدارة الأمريكية الجديدة تسعى لتحسين علاقاتها فى المنطقة، بسبب الرغبة فى إيجاد موارد إضافية للطاقة وبحثًا عن دعم المنطقة، كما وضح رغبة الإدارة الأمريكية فى عدم ترك فراغ فى المنطقة لروسيا والصين، وهكذا وضح أثناء قمة جدة أننا أمام تغيرات فى مسارات الإدارة الأمريكية الجديدة بعد ظهور أقطاب عديدة تتنازع على قيادة العالم مثل روسيا والصين وإيران، ما جعل بايدن يقول بأن «وقت الحروب فى المنطقة قد انتهى».

والآن وبعد صدور البيان الختامى لقمة جدة، وضح أن الولايات المتحدة الأمريكية وإن كانت دولة عظمى قوية ومستقرة إلا أن لها مصالح حيوية فى المنطقة العربية، وهذه المصالح هى التى تحرك سياساتها الجديدة التى استجدت بعد الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أننا ومن ناحية أخرى لا بد أن نتعامل معها من خلال تبادل المصالح وليس من خلال التبعية أو قبول التدخلات فى الشئون الداخلية لأى دولة عربية.

ولقد كان الرئيس عبدالفتاح السيسى واضحًا فى كلمته فى هذا الشأن، حيث أكد فيها استقلالية القرار المصرى، وخلال لقائه الرئيس الأمريكى جو بايدن أوضح أن مسار العلاقة بين الدولتين هو الشراكة المتميزة، وأكد أيضًا حرص مصر على تعزيز وتدعيم علاقة الشراكة المتميزة بين مصر والولايات المتحدة، وأهمية دور تلك الشراكة فى تعزيز السلام والاستقرار فى المنطقة وتطلع مصر للمزيد من التنسيق والتشاور مع الولايات المتحدة بشأن مختلف القضايا.

كما رحب الرئيس الأمريكى بلقائه الأول الرئيس عبدالفتاح السيسى، مؤكدًا تطلع الإدارة الأمريكية لتفعيل أطر التعاون الثنائى المشترك وتطويره خلال المرحلة المقبلة لا سيما فى ضوء الدور المصرى المحورى بمنطقة الشرق الأوسط بالقيادة الرشيدة للرئيس التى تمثل دعامة رئيسية لصون السلم والأمن ونشر السلام لسائر المنطقة، وأكد الرئيس السيسى موقف مصر الثابت المستند إلى ضرورة تدعيم أركان الدول التى تمر بأزمات وتقوية مؤسساتها الوطنية، بما ينهى معاناة شعوبها ويحافظ على مقدراتها، وأكد الرئيس فى كلمته أن الأمن القومى العربى كل لا يتجزأ وأننا سنحمى مصالحنا وحقوقنا بكل الوسائل.

وأستطيع أن أقول بعد صدور البيان الختامى لقمة جدة، إنها تمثل فى تقديرى نقطة انطلاق جديدة لتحالف عربى قوى بازغ يبشر بالأمل لدول المنطقة، وتحقيق التنمية المستدامة والتصدى للإرهاب والأنشطة الإرهابية والتطرف، وإن هناك نقطة تحول واضحة فى سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المنطقة إدراكًا منها لأهمية صيانة مصالحها الحيوية فيها بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وفى هذا الصدد جدد الرئيس بايدن التأكيد على التزام بلاده بالعمل من أجل تحقيق السلام العادل والشامل والدائم فى الشرق الأوسط.

وهنا لن أخوض فى كل الملفات السياسية والمناخية التى نوقشت فى هذا المؤتمر المهم إلا أننى أرى أن هذا المؤتمر ببيانه الختامى يشكل فى تقديرى نقطة تحول قد تكون مؤقتة فى سياسات الولايات المتحدة التى اتبعتها ونفذتها فى عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وأقصد بها ثورات «الخراب العربى» التى أطلقوا عليها فى الدول الغربية «الربيع العربى» التى كان هدفها الأساسى نشر الفوضى والدمار والخراب فى المنطقة العربية، والتى فشلت فشلًا ذريعًا فى تنفيذها فى دول عربية على رأسها مصر والمملكة العربية السعودية والأردن والمملكة المغربية، إلا أنها أدت لمآسٍ لا تزال تعانى من ويلاتها شعوب شقيقة مثل سوريا وليبيا واليمن والسودان.