رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بندقية توفيق الحكيم

حضر توفيق الحكيم الأديب الكبير مناسبة احتفال بعيد ميلاد أحد أبناء معارفه، فلما حان وقت الهدايا جاءت الأم بهدية لولدها فلما فتحها وجدها لعبة على هيئة بندقية يتسلى بها ويقضى وقته باللعب فيها.

موقف طبيعى.. هدية من أم لابنها ليس هناك ما يدهش أو يحير أو يدعو للتأمل. ولكن الأدباء والمفكرين وأهل العلم لا يدعون موقفاً عابراً إلا وأطلقوا لعقولهم العنان للتفكير والتأمل والتحليل واستخراج الفائدة والحكمة، وهذا ما يميز المفكر عن غيره، فالناس جميعاً تمر عليهم المواقف والأحداث فقل أن تجد من يقف متأملاً، أما أصحاب العقول وأولوا الألباب فهم الذين مَنَّ الله عليهم بنعمة العقل والبصيرة والتفكير.

فلما رأى هذه اللعبة البسيطة قال: ”متى تتوقفن أيتها الأمهات عن غرس العداء فى نفوس الأطفال؟ كان من الأفضل أن تشترى له كتاباً.. أن تربيه على أن المعرفة والإنتاج هما طريق المستقبل“.

فلفت الأديب الكبير نظرنا إلى قضية فى غاية الخطورة، الأ وهى نفسية الطفل، أن كل خطوة وسكنة ونظرة وكلمة من الآباء تغرس في نفوس الأبناء، وأن ما تتطبع به الآن أمام ولدك هو ما سوف يشب ولدك عليه، وأن كثيراً من المسائل والأمور التي نراها (عادية) هي ليست كذلك، وإنما هي قنابل موقوتة في نفوس أطفال يصبحون غداً رجال المستقبل.

إن ما نراه اليوم في مجتمعنا من طغيان العنف على دوائر مختلفة من الطبقات المصرية أمر يدعو للتأمل والبحث والدراسة، وألا يُترك هكذا دون رعاية واهتمام، فليس مهمة المجتمع هو معاقبة المخطئ فحسب، وإنما علينا أن يقوم منا طائفة هم أهل العلم والفكر والبحث بأن يدرسوا الأسباب الأصلية لمثل هذه الظواهر الغريبة على مجتمعٍ كان هو الأشهر في إغاثة الملهوف وإعانة المسكين والمروءة وغير ذلك من الصفات التي تميز بها المجتمع المصرى لآلاف السنين.

هل السبب وراء ذلك في نشأة الأطفال وغرس روح العداء في نفوس الأطفال من خلال ما يشاهدونه من أفلام ومشاهد لا تناسب أعمارهم الصغيرة؟ أم أن السبب في انتشار أفلام ومشاهد البلطجة في كل مكان حتى تأثر بها الأطفال في بيوتهم؟ أم أن السبب في إهمال التربية والاهتمام الكلى فقط بالطفل كجسد.. ماذا يأكل وماذا يشرب؟ هل بدا عليه شحوب في الوجه؟ هل يعانى من مرض ما؟ هل.. هل..؟.

هل هناك فقر للحب الذى ينبغي أن يسود في الأسرة المصرية؟ وهل اندثار العادات القديمة في الأسرة مثل الاجتماع على مائدة طعام واحدة أو وقت كل يوم نتحدث فيه عن مشكلات اليوم أو جلوس الوالدين مع الأبناء لقراءة شيء أو مناقشة أمر ما.. هل لذلك علاقة بما يحدث؟؟.

إننى اليوم فقط أتساءل وأطلق دعوة لعلماء ومفكري مصر إلى البحث والدراسة والتفكير.. ما هذا الذى وصلنا إليه وما أسبابه وما نتائجه؟ وما هو الطريق إلى نزع فتيل العنف من المجتمع المصرى بداية من الأسرة المصرية نزولاً إلى الشارع والمدرسة والجامعة وأماكن العمل. لابد لنا من دارسة وتوصيات وبحث عن حلول وعمل جاد وإطلاق لمشروع كبير نبذل فيه الجهد المتواصل لحماية المجتمع من العنف السائد في غالب طبقات المجتمع.