رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشرط نور

أثار مقطع فيديو لعروس مصرية اشترطت على عريسها أن يكون بارًا بأهلها ضجة كبيرة على السوشيال ميديا، حيث اعترض الكثيرون على المقطع الذى رأوه ماسًا بمفهوم «الذكورة»، ورأى الكثيرون أن العروس أخطات باشتراطها على زوجها أن يكون بارًا بأهلها.

أنا لا أعرف أى خطأ ارتكبته تلك العروس حين قررت أن تضع أسسًا ربما تسهم فى جعل حياتها الزوجية مستقرة.. فالعقد شريعة المتعاقدين.. كما يقول المثل السائر.. وعلى حسب رأى رئيس لجنة الفتوى الأسبق فى الأزهر عبدالحميد الأطرش، فالعروس لم تخطئ ولها أن تشترط ما تشاء والزوج ملزم بتنفيذ الشروط إذا وافق عليها.. ويستشهد بقول الرسول الكريم «المسلمون عند شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا».. لافتًا إلى أن الاشتراطات تكون أمام الناس إشهارًا وإشهادًا على الزوج وله حق الرفض أو القبول.

وهل كان رفاعة الطهطاوى، رائد النهضة والتنوير فى مصر، مخطئًا حين اشترط على نفسه فى عقد زواجه «أن يبقى مع ابنة خاله المصونة لوحدها وإن تزوج بغيرها تكون خالصة بالثلاثة، وألا يخرجها من عصمته حتى يقضى الله لأحدهما وإن فعل غير ذلك فالله الوكيل العادل للزوجة ليقتص لها منه فى الدنيا والآخرة»؟.. ألم يكن صحيح الإسلام حين تحدث عن كل شروط الاحترام بين طرفى العقد، فالمرأة لها الحق فى رفض الزواج بأخرى وتطليق نفسها وتفوض أمرها إلى الله لو ظُلمت؟.

وقد نتساءل: هل للشروط فى عقد الزواج أهمية فعلية؟.. وهل تنفذ فعلًا؟.. فى رأى متواضع أنها تجويد للعلاقة بين الطرفين وقولبها فى إطار لحياة سوية للزوج والزوجة والأطفال وقال تعالى: «ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف».. فكلا الطرفين له وعليه، وقد ادّعى أحد المحامين، من أصحاب فكر وضع المرأة فى الحرملك وحرمانها من أى حقوق وحتى من حقها فى أى اشتراطات فى عقد زواجها بدعوى، أن كثرة الشروط تفاقم مشكلة العنوسة وتجعل الكثير من الشباب يعزفون عن الزواج!

وهنا يحضرنا حرص الرئيس السيسى، نصير المرأة، على تماسك الأسرة المصرية وأن يكون هو الهدف الأساسى من تعديل قانون الأحوال الشخصية، وقد طلب مراعاة حقوق جميع الأطراف.. وبما أن التعديلات التى أُجريت على قانون الأحوال الشخصية الذى وضع ١٩٢٠ كان يتم فيها تعديل مواد بعينها، لذلك كان لا بد من قانون جديد يعبر عن المجتمع الحالى وينهى الواقع المرير المعاش الذى تشهده أروقة محاكم الأسر، وجعله قادرًا على حل مختلف القضايا وإنصافًا للمرأة فى كثير من المواد التى ظلمتها وإنصاف الرجل أيضًا فى بعض المواد.

وقد قدمت النائبة نشوى الديب ومعها أكثر من عشرة أعضاء مشروعًا يتكون من جزءين، تضمن فى جزئه الأول الجانب الموضوعى من التعديل الذى يتكون من ١٢٤ مادة، والجزء الثانى الإجراءات التى تقع فى خمسة أبواب بواقع ١٠٢ مادة، إذ ينظم «الموضوعى» تعريفات حالات الزواج والطلاق والخلع والرؤية، فالقانون ليس امرأة ورجلًا إنما كيف ننصف الأسرة والأبناء، ففى القانون الحالى لا تستطيع المرأة عقد قرانها بنفسها، فلا بد لها من ولى ذكر حتى لو أصغر منها، ولأى ذكر فى العائلة الحق فى أن يمنعها من السفر، وتُعامل الأم كرحم احتضن وحين يخرج المحضون إلى النور تصبح جميع مقدراته حكرًا على والده، بداية من أنها لا تستطيع تقييد ميلاده وإن لم يكن الأب موجودًا ينوب عنه العم أو الجد.. تلك مشكلة واحدة من مشاكل كثيرة تصادف المطلقة.. وحق الولاية التعليمية يحتاج إلى أمر قضائى لتحصل عليه الأم، وفى الكثير من الحالات يتخذ منها الآباء وسيلة لإجبار الأم على التخلى عن بعض مكتسباتها وأبنائها فى أحد الأحكام كالنفقة، وفى مسودة القانون الجديد الحضانة للأم وبعدها للأب، وهذا أعتقد أحد مكاسب الرجل.

وفى رأيى المشكلة ليست فى القوانين فحسب إنما فى ثقافة المناظرات وصراع الديوك وعداء الرجل للمرأة وبالعكس، والمطلوب حوار مجتمعى هدفه مصلحة الأبناء واستقرار الأسرة وأساسه الاستماع لكل وجهات النظر بعيدًا عن مكايدات التوك شو، ولا ننكر أن هناك نماذج إيجابية لآباء يتحملون المسئولية بعد الطلاق يجب إلقاء الضوء عليهم ليكونوا قدوة لغيرهم، فالمجتمع يتطور اقتصاديًا واجتماعيًا.

ومن الطبيعى أن يتطور القانون حسب المقتضيات، ولا ننسى الضجة الكبيرة التى حدثت عند إقرار حق الخلع للزوجة ولم تنهر حينها البيوت، وتقبل المجتمع فكرة أن يكون الطلاق فى يد المرأة أيضًا إن اقتضت الضرورة، ولم يعد فى يد رجل قد يمسكه لسنوات بهدف الانتقام ليس إلا.

والمطلوب نشر ثقافة التفاهم وتفكيك شفرات ما يمكن الاختلاف عليه بعد الزواج بين الطرفين قبل الاتجاه إلى خطوة فتح البيوت وتشارك الحياة.. وربما من الأفضل أن مد فترة الخطوبة.. وتسهيل إجراءات الزواج من الأسرتين.. وتشجيع الشباب ممن يرغب والذين بينهم تفاهم على الزواج، ربما تقلص نسبة العنوسة وتُقلل معدلات الطلاق، وفى النهاية فإن صحة البدايات تضمن سلامة النهايات.