رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» تكشف الستار عن الملف الوظيفى لجواهرجى الكتابة أسامة أنور عكاشة

أسامة أنور عكاشة
أسامة أنور عكاشة

جواهرجى الكتابة، الأسطى، عاشق للحارة المصرية، عرف عنه إنه ناصري التوجه،هاجم التطرف والجماعات المتطرفة، وتعرض للتهديد بالقتل من جانبهم، عشق مدينة الإسكندرية على الرغم من أنه لا ينتمي إليها، كان يقيم بها بصورة شبه متواصلة وينجز بها أهم أعماله، بكى في مشهد كتبه للفنانة محسنة توفيق في "ليالي الحلمية" وعندما شاهد هذه المشهد بعد الانتهاء من كتابته وعرضه على الشاشة بكى وارتجف مثل الأطفال بحرقة شديدة.

عميد الدراما المصرية، أسامة أنور عكاشة، ربما لا يعرف الكثير من متابعيه ومحبيه في الوطن العربي أنه قبل التأليف والكتابة للمسرح والسينما والتليفزيون، أنه عمل بعد تخرجه من كلية الآداب قسم الدراسات النفسية والاجتماعية بجامعة عين شمس.

ولد عكاشة في مدينة طنطا في 27 يوليو 1941، عمل بعد تخرجه أخصائيًا اجتماعيًا في مؤسسة لرعاية الأحداث،ثم انتقل إلى محافظة أسيوط وعمل مدرسًا في مدرسة بها بالفترة من عام 1963 إلى عام 1964، ثم انتقل للعمل بإدارة العلاقات العامة بديوان محافظة كفر الشيخ وذلك بالفترة من عام 1964 إلى عام 1966.

ثم قرر ترك كفر الشيخ من أجل الكتابة وانتقل بعدها للعمل كأخصائي اجتماعي في رعاية الشباب بجامعة الأزهر وذلك من عام 1966 إلى عام 1973 عندما قدم استقالته ليتفرغ للكتابة والتأليف.

وخلال هذه الفترة لا يعرض الجمهور كم المعاناة التى تعرض لها عكاشة عندما عمل موظفًا في القاهرة بجامعة الأزهر في رعاية الشباب، ولا يعرف الكثير كم كان مرتبه وكيف كان يرتب حياته.

"الدستور" تصفحت في حوارات الكاتب الراحل للكشف عن رحلة المعاناة التي تعرض لها أثناء مغادرة كفر الشيخ والذهاب إلى القاهرة للعمل موظفًا قبل التفرغ للكتابة.

فترة أسامة أنور عكاشة في وظيفة جامعة الأزهر

وعند رحلته الوظيفية في جامعة الأزهر والكويت، قال عراب الدراما المصرية أسامة أنور عكاشة، حياتي كانت "كربا" وكان من الصعب بل من المستحيل أن أطلب من والدى مساعدته المادية لأن القطيعة بيننا ظلت مستمرة فترة من الوقت فضلا على أن كان رافضا أصلا فكرة مغادرتي كفر الشيخ خاصة أن الوظيفة كانت فى جامعة الأزهر لدرجة أنه أخذ يناقشني كثيرًا قبل سفرى إلى القاهرة مبررًا هذا أننى لدي زوجة وأسرة وأولاد، بحسب ما جاء في حوار له بمجلة نصف الدنيا العدد الصادر يوم 7 أغسطس 2001.

وتابع عكاشة:" والأدب المقروء الذي يدفعني إلى القاهرة، حسب وجهة نظره لن يفتح منزلًا وفعلا عانين الأمرين صحيح أن مرتبي في جامعة الأزهر وصل عام 1967 إلى 23 جنيها، لككنى في المقابل كان لدى منزل وزوجة وطفلين هشام وأميمة، وكنت أدفع 7 جنيهات ونصف إيجار للشقة، وأنفق ثلاث جنيهات للمواصلات حيث كنت استقل أتوبيس 107 في ذهابي وإيابي لجامعة الأزهر، علما بأنه لم يظهر في هذا الوقت الميني باص أو الميكروباص، هذه المواصلات جديدة علينا في الوقت الحالى لذلك لم يكن على أيامنا وسيلة مواصلات سوى الأتوبيس أو التاكسي والتاكسي كان حلما بالنسبة لى.

وكنت أعطى زوجتى 50 قرشا يوميا وهذا المنزل يحتاج شهريا إلى 15 جنيها فضلا عن  3 جنيهات أتوبيس 7 جنيهات ونصف إيجار للشقة، فاحتياجاتنا الضرورية وصلت إلى 25 ونصف فضلا عن أن راتبي 23 جنيها، فضلا على أنني كنت مدخنا شرها، ولا تنسى أننى كإنسان كنت في احتياج دوما إلى مصروف جيب، فضلا على أننل كنت قارئا جيدًا ولن أقول كاتبا أو أديبًا بل كنت في احتياج إلى قراءة الصحف والمجلات، كما أننى لن أتحدث عن كسوة الأولاد واحتياجاتهم لا قدر لعملية أو دواء أو طبي، فكل هذه الاحتمالات الصعبة حدثت بصورة متكررة كادت أن تفقدني ثواني ليس لشئ سوى أن ابنك فى احتياج لعملية جراحية ضرورية وأنت تقف عاجزًا عن تدبير نفقتها لذلك لم يكن أمامى أن اقترض دائما، من صراف جامعة الأزهر التي كنت أعمل موظفا فيها، كنت اقترض منه دوما جنيه و2 جنيه على أن يخصمهم من الراتب اللاحق.

ظروف اجتماعية صعبة

وكنت في تلك الظروف البس طاقية لده ولده، يعني كنت هاعمل ايه بس دا حتى معظم أصدقائي بالبلاء، فلم يكن يمر على شهر دون أن اقترض وأحيانا كنت أرسل زوجتى لخالها تقترض منه لدرجة أننى اتعامل مع صيدلية سنوات طويلة على النوتة، علما بأن هذه الصيدلة موجودة في ميدان الجيزة وما زالت اتذكر صاحبها الدكتور فكري، وأيضا تعاملت مع البقالة بالنوتة وكان صاحبتها سيدة.

ومنذ أن تزوجت ولن أستطيع أن اشترى قمصان أو بنطلونات وكنت اعتمد سنوات طويلة على ملابسي التي اشتريتها قبل زواجى مباشرة، حياتي كانت ضنحكة للغاية، فجاء عليا أيام كنت أنزل الشارع لمن يسلفنى ربع جنيه، تمكنى من شراء جبنه وعيش فينو لأبنى هشام وبناتي أميمة وأمل، عقب أن تزوجت عام 1964 كانت حياتي ضنك حتى عام 1977 لدرجة أنني كنت عقب أن أعود محملًا بالعشاء لأولادي جنيه وفينو أظل مستيقظًا رغما عنى أفكر في كيفية تدبير غداء أو عشاء، لكن هذه الأشياء المؤسفة لم يكن أمامي سوى أن أطلب احتياجاتي بالنوتة سواء البقالة أو الصيدلية.

وكان الموظف على أيامى يحق له عمل استمارة "كسوة" يحصل بها على احتياجاته من عمر أفندى على أن تسقط قيمتها من راتبه على شهور طويلة، فكنت استغل عمل هذه الاستمارة لبيعها والحصول على قيمتها التي كانت تعينني فى بعض الأحيان على صعوبات الحياة ولن أنسى أبدا أن ابنتي أميمة كانت في أشد الاحتياج إلى عملية اللوز كادت أن تسبب لها في حمى، وأصبحت العملية الجراحية لابنتي هى الشغل الشاغل بالنسبة لى.

فتحول ليلي إلى نهار ونهاري إلى ليل، وأثناء المصير الذي ينتظر ابنتي أميمة، وسارعت بالذهاب إلى جامعة الأزهر حيث عملى، وعملت استمارة "كسوة قماش" بمبلغ 25 جنيها، وظللت أبحث على الدلالة التي تشتري منى هذه الاستمارة بآية نقود، وأخيرًا وبعد أن أعياني البحث عن هذه الدلالة التي أعطتني 25 جنيها مقابل استمارة القسوة، وسارعت بهذا المبلغ بقبضة يدي عليه وتقبيل يدى وش وظهر لتجري ابنتي العملية.

تفاصيل منحة التفرغ للكتابة

وعلى الرغم من الفقر الذي كنت أعيش فيه كنت أكتب، لأن الكتابة هى التي تدفعنى دفعًا إلى ممارستها أيًا كانت الظروف، ولأن الوظيفة كانت تأكل الوقت، فقد تقدمت إلى جامعة الأزهر بطلب منحة تفرغ وحصلت على هذه المنحة عام 1973، وصدر قرار حصولى على منحة كتابة رواية على أن أحصل على راتبي من وزارة الثقافة، وعلى الرغم من الفقر الذي كنت أعيش فيه فإن الموهبة تدفع صاحبها إلى ممارستها تحت آية ظروف.

وعقب الانتهاء من منحة الكتابة التي حصلت عليها من جامعة الأزهر عام 1973، كان من المفترض، أن أقوم بتجديد المنحة مرة أخرى ولكن الفقر والمعاناة والتفكير في مصير أولادى دفعني ما الفائدة التي ستعود عليا في حالة التجديد من منحة التفرغ.

وظللت فى فترة صراع بين أن أجدد المنحة أو لا، ولكن قررت ضرورة أن أعيش على أرض الواقع، فلم يكن أمامي سوى الاتصال بصديقي محمد شعلان الذي كان يقيم وقتها في الكويت، وكلمته بعشم" ايه يا محمد فيه ايه يا عم هو انت سايبني هنا نغرق، يا محمد يا ابني أنا بعاني الأمرين، يا ريت تشوف ليا عقد عمل" علمًا بأن الوقت الذي طلبت فيه السفر للكويت هو الوقت الذي كانت فيه مصر تطرد أولادها للمرة الأولى في التاريخ ليس سوى لشيء إلا أن الأسعار أصبحت نار، فالأسعار عقب حرب أكتوبر أصبحت نار، وأتذكر أن في يوم  28 سبتمبر عام 1970 كان ثمن كيلو اللحمة  لا يتخطى 70 قرشًا، وعندما ارتفع إلى جنيه قامت مظاهرات من طلاب الجامعة يرددون "سيد بيه سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه".

وعقب حرب أكتوبر ارتفع كيلو اللحمة بطريقة غير معقولة لدرجة أن سعر الكيلو وصل إلى جنيهان ونصف، وثمن السكر 8 قروش على الرغم أنه ثمنه عقب الحرب كان 7 قروش، والمدهش أنه عقب 1967 لم تزيد الأسعار كما حدث عقب انتصار 1973.

السفر للكويت بحثًا عن المال

كل هذه الظروف جعلتني ألجأ للعمل في الخارج، فاحضر لى صديقي شعلان عقد عمل في مؤسسة الصباح للإعلام بالكويت، وغادرت القاهرة للكويت عام 1974، قاصدًا الكويت بحثًا عن المال على الرغم أننى كنت متزوجًا ولدى أولاد، وجلست فى شفة صديقي وخصص لى غرفة في شقته الواقعة في شارع تونس بحى "الحولى" ببنايات حى الخليج إلى أن دبر لى القائمون على مؤسسة الصباح للإعلام غرفة أقمت فيها داخل مؤسسة العمل ذاتها، علمًا بأننى ليس لدى شكوى وقتها من المأكل والمشرب والراتب الشهري، وعقب وجودى على الإقامة فى الكويت ثلاثة أشهر ظللت أفكر في أمور كثيرة منها على الرغم أنني كنت أحصل على راتب 150 دينار شهريًا، وكان يساوي وقتها على 900 جنيه مصري، ولكنى كنت حريص على ترك الكويت بأقصى سرعة متفاديا المعاملة التي كانت تتم للمصريين أمامي وهذا كان يزعجني وكنت أريد إلا أصل إلى تلك المرحلة على الرغم من معاملتي بشكل جيد.

وبالفعل تحدثت مع صاحب المؤسسة وكان رافضًا بشكل كبير  فسخ التعاقد إلا أنه بعد محاولات عدة وافق فى النهاية ورجعت إلى مصر وتفرغت للعمل في الكتابة.

ويشار إلى أن موهبة عكاشة فى الكتابة موجودة منذ الصغر، فقد كتب الشعر، والقصيدة النثرية في سن الرابعة عشر، وتعد أول قصة كتبها أثناء التحاقه بالجامعة قصة" حكاية غريبة" وأول عمل قدمه بعد أن تعرف على سليمان فياض سهرة تليفزيونية بعنوان"البيت الكبير"، وأما عن أول عمل تليفزيوني درامي كان" الحصار والمشربية".

وبعدها انهالت الأفكار واستعد بكل قوته للكتابة التليفزيونية، وكانت مهنته التي يتكسب منها، ومصدر دخله الوحيد، بعد أن قدم استقالته من جامعة الأزهر. 

مؤلفات أسامة أنور عكاشة الأدبية والفنية 

وكتب أسامة أنور عكاشة نحو 50 مسلسلا تليفزيونيا بالإضافة إلي عدد من الأفلام السينمائية والمسرحيات وهي التي حفرت اسمه في الذاكرة كمؤلف مصري، وقد جاءت شهرته الحقيقية كمؤلف مع مسلسل "الشهد والدموع" والذي كتب له البداية عند المشاهدين خاصة البسطاء من أهل بلده، وتوالت بعد ذلك المسلسلات التي كتبها والتي نالت شهرة واسعة ونجحت في تغيير شكل الدراما التلفزيونية.

ومن أبرز مسلسلات أسامة أنور عكاشة ملحمة "ليالى الحلمية" خمس أجزاء ، ضمير أبله حكمت"، "زيزينيا"، "الراية البيضا"، و"وقال البحر"، و"ريش علي مفيش"، و"لما التعلب فات"، و"عصفور النار"، و"وما زال النيل يجري"، و"آرابيسك"، و"امرأة من زمن الحب"، و"أميرة في عابدين"، و"كناريا وشركاه"، و"عفاريت السيالة"، و"أحلام في البوابة"، و"المصراوية"، "الحب وأشياء أخرى"، "رحلة السيد أبو العلا البشرى"، و" الحصار والمشربية".

وأما في السينما كتب عكاشة مجموعة من الأفلام السينمائية أهمها:"كتيبة الإعدام"، "تحت الصفر"، "الهجامة" "دماء على الأسفلت"، "الطعم والسنارة"، "الإسكندرانى"، أما في مجال المسرح فكتب مسرحية "القانون وسيادته" التي قدمتها فرقة مسرح الفن عام 1988م، و"البحر بيضحك ليه" التي قدمتها فرقة الفنانين المتحدين عام 1990م، و"الناس اللى في الثالث" وقدمتها فرقة المسرح القومي عام 2001م، ولاقت نجاحا كبيراً.

وكان يحب كل فنون الكتابة سواء مسرح سينما، وكان له ايضا مقالًا أسبوعيًا في جريدة الأهرام، وهناك أعمال سينمائية من تأليف أسامة أنور عكاشة مازالت موجودة وبخط يده ولم تنتج بعد، ومؤخرا تعاقدت ابنته نسرين مع المخرج رؤوف عبد العزيز لإخراج أحد سيناريوهاته بعنوان "الباب الأخضر" وكتبه الراحل فى أواخر الثمانينات ويحمل مفاهيم وإسقاطات مستقبلية رغم مرور الزمن.

وعرض مؤخرًا مسلسل من إبداعات الراحل إلى النور، هو مسلسل "راجعين يا هوى" والمأخوذ عن مسلسل إذاعي قديم للكاتب الراحل.

تتويج المشوار الفني

وتوج مشواره الإبداعى بحصوله على جائزة الدولة للفنون عن آخر أعماله التليفزيونية مسلسل المصراوية عام 2007، وقال التكريم جاء تكريمًا لى.

وفى يوم الجمعة الموافق 28 مايو 2010، رحل عن عالمنا أثناء وجودة بغرفة العناية المركزة بمستشفى وادي النيل الذي دخله قبل أيام من وفاته، تاركًا خلفه ثروة قومية للمكتبة الفنية والثقافية.