رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وراء كل مصرية عالمية أسرة تساندها

إن بلوغ العالمية هو من أصعب الأمور وأكثرها مشقة وجهدًا وعرقًا، وهو مغامرة طويلة النفس لا يدرى أحد نتائجها، لأن الساعى إليها والمشارك فيها يكونان فى منافسة على مستوى العالم كله، فهى منافسة على المجهول بلا سقف وبلا حدود لأنها مفتوحة على كل السماوات وعلى كل الدول وعلى كل القدرات، ويظهر فيها فى كل سنة متنافسون جدد، والوصول للعالمية لا يستطيع أحد أن يتنبأ بأبعادها، خاصة إذا ما كانت فى مجال فيه منافسة كبيرة وشديدة مثل المجال الرياضى.

إلا أنه من ناحية أخرى أستطيع القول إن للعالمية شروطًا خاصة جدًا لا يقدر عليها إلا المتفوقون ومواصفات لا تصلح إلا لنوعية خاصة من الأبطال ذوى الإرادة الحديدية والعزيمة والإصرار والشجاعة والقدرة على ركوب الصعب وكفاءة لا تتوافر إلا لأشخاص فريدين من نوعهم، وهى أيضًا تتطلب تدريبًا شاقًا ومستمرًا ولياقة بدنية وأسلوب حياة معينًا لا يقدر عليه إلا أصحاب الإرادة، والساعون لتحقيق أحلامهم على أرض الواقع.

وانطلاقًا من هذه المعطيات، فإننى أتوقف اليوم فى مقالى هذا بتحية لبطلتين من بنات مصر استطاعت كل منهما أن ترفع رأسنا عاليًا على المستوى العالمى، وأن تحقق انتصارات لمصر فى مجالات رياضية شاقة، وكل منهما حققت لمصر فرحة بانتصارها عالميًا، وأثبتت كل منهما أن بنات مصر من ذهب، بالإضافة إلى هذا فإن وراء كل منهما قصة تستحق أن تُروى، وعملًا جادًا ومستمرًا ومتفانيًا من أجل تحقيق الحلم، وقبل كل هذا أسرة محترمة تساند خطواتها، إنهما قصتان رائعتان لبطلتين مصريتين من بنات مصر بلغتا العالمية وشرفتا مصر فى كل أنحاء العالم، وهما فى نظرى قدوتان لكثير من الشباب والشابات، وكل واحدة منهما تعد نموذجًا مشرفًا للبنات المصريات اللاتى نتمنى أن يكثر عددهن، وأن يكن دائمًا فى صدارة المشهد العالمى، سواء أكان ذلك فى البطولات الرياضية أو الفنية أو الثقافية، أو كان ذلك بالحصول على الجوائز العالمية فى مجال تختاره أى بنت مصرية متفوقة وموهوبة.

لكننى أيقنت وبعد أن قرأت قصة صعود البطلتين إلى البطولات العالمية، وبما لا يدع مجالًا للشك، أن وراء كل منهما أسرة آمنت بها وساندتها وفتحت أمامها الطريق للتدريب ولبلوغ القمة، إنهما أسرتا البطلتين المصريتين منال رستم ونور الشربينى.

فمنال رستم استطاعت أن تتسلق أعلى قمة فى العالم وهى قمة جبل إيفرست، ونور الشربينى فازت للمرة السادسة فى تاريخها وللعام الرابع على التوالى ببطولة العالم للاسكواش، وكل منهما كما نرى فى مجال يعتبر شاقًا جدًا ومفتوحًا لكل الدول فى العالم.

إنما من ناحية أخرى، فإننا لا بد أن ندرك أن النجاح العالمى لا يتحقق إلا إذا كان وراء كل منهما أسرة تساندها، وكما نقول إن وراء كل عظيم امرأة، يمكننى أن أقول بثقة إن وراء كل بطلة مصرية بلغت العالمية أسرة تساندها، فالنجاح لا يأتى من فراغ لأن هذا نجاح استثنائى وليس نجاحًا محليًا أو تفوقًا فى داخل البلد فقط، إنما هو وصول لقمة التفوق العالمى فى مجال تسلق الجبال وفى مجال الاسكواش.

وحينما عُدت إلى منال رستم وما صرحت به وما وراء نجاحها، وجدت أنها ظلت ٥ سنوات تقنع والدها لكى يوافق على هذه الرياضة الشاقة جدًا التى اختارتها وهى تسلق الجبال المرتفعة، ومن المؤكد أنه حينما عرضت عليه الأمر فإنه خاف عليها من مخاطرة وبدافع من حرصه على سلامة ابنته ومن أن يصيبها مكروه فى هذه الرياضة شديدة الخطورة، إلا أنه وافق فى النهاية بناءً على إصرارها، بدليل أنه وافق على سفرها عدة مرات لتسلق جبال أقل خطورة من قمة إيفرست، وقالت منال بعد أن وصلت إلى قمة إيفرست بمشقة كبيرة جدًا وبمجهود كبير جدًا إنها ستوالى تسلق ٧ جبال أخرى فى العالم لرفع راية مصر عاليًا عليها، إن منال ليست فقط بطلة عالمية لكنها أيضًا مصرية أصيلة تريد أن تحقق إنجازًا غير مسبوق لبلدها، وكانت من قبل قد نجحت فى تسلق جبل كليمنجارو وهو أعلى قمة جبل فى إفريقيا.

كما كتبت أيضًا ما يؤكد اعتزازها بمصريتها على صفحتها الشخصية على موقع إنستجرام وبأنها تعتز بهذا التاريخ الذى حققته لأنها أول امرأة مصرية تتسلق قمة جبل إيفرست، وقالت إن دافعها الأول كان إرسال رسالة إلى العالم تؤكد من خلالها صلابة وعزيمة المرأة المصرية وقدرتها على تحقيق أحلامها.

أما بالنسبة للإرادة الحديدية، فإنها أبلغ دليل عليها إذ ظلت سنوات تفكر فى تسلق الجبال، واستغرقت ١٥ عامًا لاتخاذ خطوة جريئة بأن تشترك فى تسلق قمة إيفرست سنة ٢٠٢٢، والغريب فى الأمر أن الرحلة ليست رحلة شاقة فقط، ولكنها أيضًا رحلة خطيرة، لأنها استغرقت نحو ٦٠ يومًا، كما أنها لا بد أن تتمتع بقوة جسدية، وتكون قد مرت بفترات تدريب شاقة ونفس طويل وقدرة على التحمل، وأيضًا لا بد أن أقول إنها استطاعت أن تتخلص من خوفها، لأن تسلق قمة جبل إيفرست يعنى تسلق أكثر من ٥ آلاف متر فوق سطح البحر، وهو أمر خطير ومرعب فى الوقت نفسه. 

وفى تقديرى أن أهم رسالة نستقيها من النجاح العالمى لمنال رستم هى أنها أرسلت رسالة مدوية للعالم بأن فى مصر بطلات عالميات، وأن مصر تشهد عصرًا ذهبيًا للمرأة، وأننا على خطى التقدم والتحديث لمصر، وبعد أن حققت هذا الحلم الشاق فإننى أعتقد أنها من المؤكد كانت تشعر بوحدة شديدة أيضًا فى هذا المكان الموحش العالى فوق سطح البحر، وإنما امتلكت إرادة من حديد بضرورة تحقيق الحلم وبأنه لا استسلام ولا يأس ولا رجوع عن تحقيق الحلم، وهكذا أثبتت للعالم أن الفتاة المصرية قادرة ومتعلمة وها هى بطلة عالمية أيضًا تقف على أعلى قمة فى العالم وترفع راية مصر فوقها. إن قصة منال رستم تستحق أن تروى وأن تتحول إلى مسلسل وأن تتحول إلى فيلم سينمائى، لأنها يمكن أن تصبح قدوة لغيرها من بنات مصر.

أما البطلة الثانية العالمية التى استطاعت أن تشرف مصر فى العالم منذ أيام، فهى نور الشربينى، وهى فتاة مصرية لها ملامح مصرية جميلة، ولها أيضًا حلم أرادت أن تحققه، وأيضًا كان وراء نجاح نور الشربينى أسرة تساندها.

إن دور الأسرة هنا ليس فقط أن تساند، ولكنها أن تتحمل، وأن تنفق على تدريبها وأن تؤمن بقدرات ابنتها، وهذا أمر يستحق كل تقدير منا لأسرة نور الشربينى، لأنها استطاعت أن تتوج بطلة العالم للاسكواش لأربع سنوات متتالية ٢٠١٩ - ٢٠٢٠ - ٢٠٢١ - ٢٠٢٢، وهذا العام لسادس مرة تحصل فى تاريخها على بطولة العالم للاسكواش فى ٢٢ مايو ٢٠٢٢ فى البطولة المقامة فى متحف الحضارة بمصر وفازت، أيضًا فى بطولة العالم للاسكواش فى ٢٠٢١ فى شيكاغو، وكانت من قبل قد حصلت على لقب أعتقد أنه فريد جدًا وهو أصغر لاعبة فى العالم للاسكواش، وكانت حين ذاك تبلغ ١٣ عامًا ولكنها لعبت فى بطولة الاسكواش للناشئين فى الهند تحت ١٩ عامًا، وفازت بالبطولة فى ٢٠٠٩، ونور من مواليد الإسكندرية فى عام ١٩٩٥.

وتمت خطبتها فى فبراير الماضى على د. عمرو الحلو، وعبرت عن سعادتها بهذه الخطوبة بنشر صورها على إنستجرام، إن نور الشربينى تستحق كل تقدير وكل احترام لأنها أيضًا رفعت اسم البنت المصرية عاليًا، وأكدت أن مصر مليئة بالمواهب وبالكفاءات، إن نور تجسد أيضًا الإصرار والعزيمة، لأنها طوال سنوات عمرها منذ كانت فى الثالثة عشرة من عمرها فى ٢٠٠٩ ركزت فى التدريب الشاق والمتواصل على لعبة الاسكواش، إنها أيضًا ذات إرادة حديدية تجعلها تنافس فى البطولات العالمية كل سنة ولا تتوقف ولولا مساندة أسرتها ما استطاعت نور أن تحقق لمصر هذه البطولة لعدة مرات متتالية، إنها أيضًا نموذج للفتاة المصرية العصرية التى تحرص على رشاقتها وعلى مظهرها العصرى الأنيق.

إننى أتمنى أن تحرص كل أسرة مصرية ترى فى ابنتها موهبة أو كفاءة رياضية أو فنية أن تتولاها بالرعاية، كما أتمنى أن تقوم الدولة برعاية بناتنا الموهوبات بتكريمهن وبتوجيه المدارس بدعم الكفاءات الرياضية والفنية والتوفيق بين حصص التعليم وأوقات التدريب فى المدارس، وأن تكون للكفاءات الرياضية والفنية والثقافية ميزات فى الدرجات حتى تظهر فى مصر ١٠٠٠ نور الشربينى و١٠٠٠ منال رستم.

أخيرًا، أطالب بأن تصبح الرياضة والفنون متاحتين وميسرتين فى كل مدارسنا بلا استثناء، حتى يمكننا القول إننا نتجه إلى التنوير وتحديث مصر بحق، حتى يصبح الوصول للعالمية من مصر أمرًا متاحًا تدعمه الدولة والأسرة والمدارس معًا، وليس أن يظل طفرة استثنائية تحدث بين الحين والآخر.