رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر فى دافوس.. والتاريخ عند مفترق طرق

النصف الثانى من العنوان: التاريخ عند مفترق طرق، أو نقطة تحول، هو شعار نسخة هذا العام من «المنتدى الاقتصادى العالمى»، دافوس، التى بدأت أعمالها، أمس الإثنين، فى غياب قادة مصر والولايات المتحدة والصين وبريطانيا ومع استبعاد روسيا، التى كان رئيسها متحدّثًا رئيسيًا فى دورات عديدة سابقة، بينما أتاح المنتدى للرئيس الأوكرانى إلقاء كلمة، عبر الفيديو، ناشد فيها دول العالم دعم بلاده بمزيد من الأسلحة وفرض «عقوبات قصوى» على موسكو، زاعمًا عدم وجود عقوبات من هذا النوع إلى الآن!.

مع الأزمات المتزامنة، غير المسبوقة، صار التغير المناخى أكبر التحديات طويلة الأمد، التى يواجهها العالم. وعليه، اقتصر التمثيل الأمريكى على وفد يقوده جون كيرى، المبعوث الرئاسى لشئون المناخ، وترأّس الوفد الصينى زى جينوا، مبعوثها الخاص بالتغير المناخى، وأرسلت بريطانيا ألوك شارما، رئيس الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، «كوب ٢٦». وبصفته الرئيس المعين لـ«كوب ٢٧»، التى تستضيفها مصر فى نوفمبر المقبل، توجه سامح شكرى، وزير الخارجية، مساء الأحد، إلى المنتجع السويسرى، الذى يحمل المنتدى اسمه، وشارك صباح أمس الإثنين، فى جلسة عنوانها «الطريق إلى كوب ٢٧: الشراكة بين القطاعين العام والخاص فى مجال عمل المناخ بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا».

المنتدى الاقتصادى العالمى، الذى أسّسه كلاوس شواب، سنة ١٩٧١، كان قد أضاف أزمة التغير المناخى، إلى قائمة أولوياته منذ سنوات. أما الأزمات الصحية والاقتصادية والسياسية، غير المسبوقة، التى يمر بها العالم الآن، فرآها «شواب» محفّزًا لدورة هذا العام، التى وصفها، فى مؤتمر صحفى عقده منذ أيام، بأنها «الأهم على الإطلاق»، لكونها «أول قمة تجمع القادة فى ظل الواقع الجديد متعدد الأقطاب»، مشيرًا إلى أن تلبية نحو ٢٥٠٠ لدعوة المنتدى تُعدّ دليلًا على أنه منصة «موثوقة» يحتاجها العالم لمواجهة أزماته.

بالإضافة إلى المسئولين الحكوميين، يشارك فى دورة هذا العام من المنتدى عدد ضخم من قادة القطاع الخاص والمبتكرين ورواد التكنولوجيا، سعيًا لتبادل الرؤى والتوصل إلى حلول مبتكرة. غير أنه من المستبعد أن يشهد المنتدى إعلان خريطة طريق اقتصادية جديدة. وغالبًا سيتم الاكتفاء باقتراحات لتلافى الركود العالمى والمجاعة التى تهدد الملايين، ومواجهة تداعيات موجة التضخم المستعرة، التى تضرب معظم دول العالم.

المهم هو أن وزير خارجيتنا تناول فى كلمته، أمس، رؤية مصر للدورة المقبلة من المؤتمر الأممى، موضحًا أنها تهدف إلى التركيز على التنفيذ الفعّال والسريع للتعهدات التى أعلن عنها مختلف الدول، وتشدّد على ضرورة الاستناد إلى آخر ما توصل إليه العلم من حقائق وبيانات، بعيدًا عن أى تسييس. وإلى جانب هذه الجلسة، من المقرر أن يلتقى شكرى، على هامش المنتدى، الذى تنتهى أعماله بعد غدٍ الخميس، عددًا من كبار مسئولى الدول، للتشاور ومناقشة سُبُل التعاون لتحقيق رؤية مصر لمواجهة التغير المناخى، كتعزيز إجراءات التكيُف معه وتخفيف تداعياته السلبية وتوفير الـ١٠٠ مليار دولار، سنويًا، التى سبق أن تعهدت بها الدول الغنية، التى توصف بأنها متقدمة، لسد الفجوة بين التمويل المتاح وحجم احتياجات الدول النامية الفعلية.

 الوفد المصرى المشارك فى المنتدى يضم رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولى، التى تشارك فى عدة جلسات تتناول إحداها «الدور المحورى للتمويل الدولى العادل والمبتكر فى الدفع بأهداف العمل المناخى». وأيضًا، طارق الملا، وزير البترول، الذى سيبحث مع نظرائه، ومسئولين دوليين، الفرص المتاحة لـ«التحول الطاقى». إذ كانت مصر قد طرحت مبادرة، لإيجاد حلول متوازنة وواقعية لمواجهة ظاهرة تغير المناخ، تحقق التحول فى مجال الطاقة، دون المساس بحقوق الدول والشعوب، فى الاستفادة من ثرواتها الطبيعية، خاصة شعوب ودول قارة إفريقيا، الأكثر تضررًا من الآثار السلبية لظاهرة التغير المناخى برغم عدم مسئوليتها عنها.

.. وتبقى الإشارة إلى أن صمود «روح دافوس»، روح الانفتاح والتعاون، فى وجه التراجع الحادّ للعولمة، بات محل شك، بعد سقوط نظريات كان الغرب يراها من المسلّمات، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أبرزها تلك النظرية التى ربطت السلم والاستقرار بتعزيز التبادل التجارى وازدهار الاقتصاد العالمى.