رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تناولت الكتب «ليلة القدر»؟ (تقرير)

الكتب
الكتب

عديدة هي الكتب التي تحدثت عن ليلة القدر، وكل كتاب تحدث عنها بشكل مختلف عن الآخر، فهناك كتب كثيرة تناولت ليلة القدر باعتبارها الليلة التي نزل فيها القرآن والوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأول مرة، وهناك كتب أخرى استعرضت ليلة القدر بشكل مختلف، فمنها "ليلة القدر نفحات وبركات" من إعداد الدكتور محمد أحمد عبدالغني، الذي أشار إلى أن الله قد أنزل في ليلة مباركة وهي خير الليالي، ليلة اختصها الله من بين الليالي، ليلة العبادة فيها هي خير من عبادة ألف شهر وهي ثلاث وثمانين سنة وثلاث أشهر تقريبًا، ألا وهي ليلة القدر.

وأوضح اختلاف العلماء في سبب تسميتها بليلة القدر على أقوال؛ الأول: لأن الله تعالى يقدر فيها الأرزاق والآجال وما هو كائن، أي يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، فيكتب فيها ما سيجري ي ذلك العام.

الثاني: أنها مأخوذة من عظم القدر والشرف والشأن، الثالث: سميت بذلك لأن العمل فيها له قدر عظيم، وهذا لا يحصل إلا لهذه الليلة فقط، فلو أن الإنسان قد ليلة النصف من شعبان، أو ليلة النصف من رجب، أو ليلة النصف من أي شهر، أو في أي ليلة لم يحصل له هذا الأجر، والرابع: سميت بذلك لأن الله تعالى قدر فيها إنزال القرآن، والخامس: لأنها ليلة الحكم والفضل.

كما طرح تساؤلا "هل تنتقل من ليلة إلى أخرى باختلاف السنين؟"، عرض قولين؛ الأول: أنها تنتقل فتكون سنة في ليلة، وسنة في ليلة أخرى، وإليه ذهب مالك، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور. 

قال الحافظ العراقي: "وذهب جماعة من العلماء إلى أنها تنتقل فتكون سنة في ليلة وسنة في ليلة أخرى وهكذا، وهذا قول مالك، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وغيرهم.

والقول الثاني: أنها في ليلة واحدة بعينها لا تنتقل، وهو مذهب ابن حزم، وبعض الشافعية، وقال أبو محمد بن حزم: "ليلة القدر في شهر رمضان، خاصة في العشر الأواخر، خاصة في ليلة واحدة بعينها لا تنتقل أبدا، إلا أنه لا يدري أحد من الناس أي ليلة هي من العشر المذكورة، إلا أنها في وتر منها ولا بد".

أما كتاب "ليلة القدر" للدكتور عبد الباري محمد داود بكلية الآداب جامعة بنها - قسم الفلسفة، والصادر بتاريخ يناير 2002 عن دار نهضة الشرق، فهو يعد دراسة كشفت عن أن آيات القرآن الصريحة تدل على أن ليلة القدر إحدى ليالي رمضان، لأن الله تعالى بدأ فيها نزول القرآن ومعلوم أنه ابتداء نزوله في رمضان فيتعين أن يكون ليلة القدر إحدى لياليه، والمتصفح لكتاب الله عز وجل لا يجد في القرآن نص بتعيينها، وما ورد في تعيينها من الروايات في الأحاديث مختلف اختلافا كثيرا، ولعل الله تعالى أبهمها لحكمة جليلة، لينشط الناس في عبادته والتقرب إليه كل ليالي الشهر، رجاء أن يصادفوها ولا يتكاسلوا في طاعة الله إذ علموها على التعيين.

أكدت الدراسة أن ليلة القدر هي خير من الدهر كله بما حباها الله من فضل ورحمات ويمن وبركات ومنها نزول القرآن مقرونا بإرسال محمد عليه الصلاة والسلام، فلو أنصفت الإنسانية لاتخذت من ليلة القدر عيدا إنسانيا عالميا يتوجونه بأقدس ما تعارفوه من أكاليل المجد والفخار، ويخلدون ذكراه بأسمى ما تخلد به نعم الله الرحمن الرحيم.

واستعرضت الدراسة عدة قضايا ومنها التفضيل بين ليلة الجمعة وليلة القدر والمقارنة بينهما، والتفضيل بين ليلة المولد النبوي الشريف وليلة القدر، وأفردت وجوها لتفضيل ليلة المولد النبوي الشريف أنها أفضل من ليلة القدر، ولا تغفل الدراسة توضيح أوجه المقارنة بين ليلة النصف من شعبان وليلة القدر من رمضان، وكذلك رؤيا ليلة القدر ودعاء ليلة القدر.

وفي كتاب "الإسلاميات 2" للأديب عباس محمود العقاد، الصادر عن دار الكتاب اللبناني - بيروت، إذ يحتوي على مجموعة من الفصول، تبدأ بمقالات عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبأخرى عن رمضان المبارك وفريضة الصوم، وعن العيدين والهجرة.

قال العقاد عن ليلة القدر: إنها لخير من ألف شهر كما جاء في القرآن الكريم ولكنها لم تكن خيرا من ألف شهر لأنها فرصة أو "أوكازيون" كما نقول أيضا باصطلاح هذه الأيام، وإنما كانت خيرا من ألف شهر لأنها فاتحة عهد جديد في تاريخ الضمير هدى للناس وبينات.

وتابع: لا خلاف على وجه من الوجوه في تشريف ليلة القدر لنزول القرآن الكريم فيها آيات متفرقة أو جملة واحدة، وأن حكمتها الكبرى أنها هي ليلة الفرقان كما جاء في سورة الدخان "إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم"؛ هكذا قال العقاد عن ليلة القدر، متابعا: أن المسلم ليعود إلى إسلامه الصحيح كلما احتفل بليلة القدر، وهو يذكر أنها ليلة فرقان وحساب، وأنه يدعو الله فيها ليشرف بما شرفته به الليلة المباركة من آيات التقدير والتذكير.

وأشار إلى أنها ليلة التقدير والتمييز بين الخير والشر والتفريق بين المباح والمحظور، والأمر بالدعوة والتكليف، وهو أشرف ما يشرف به الإنسان لأنه هو المخلوق المميز بالتكليف والمخصوص بالتمييز بين جميع المخلوقات، ومن أجل هذا فضل على الملائكة لأنها لا تتعرض لما يتعرض له الإنسان من فتنة التمييز بين المباح والمحظور وفضيلة الوصول إلى الخير والامتناع عن الشر بمشيئة الحي المكلف المسؤول.

والشرف الذي فضلت به ليلة القدر، إنما هو شرف التقدير والتمييز، وشرف القرآن والفرقان، وشرف التكليف الذي رفع به الإنسان إلى منزلة أشرف المخلوقات، وحق عليه أن يذكره لأنه محاسب عليه، فيذكر في كل يوم وليلة أنه مسؤول عما يفعل، وأنه مشرف بين الخلائق جميعا لأنه مناط السؤال والحساب، مستطردًا: على هذا المعنى وحده ينبغي أن نفهم التقدير الذي يرتبط بنزول القرآن وبأمر القراءة والعلم الذي يفرق به كل أمر حكيم.