رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشخصية المصرية!.. إصلاح أم بناء؟

في الحالة المصرية لا أحبذ كلمة إصلاح بل كلمة بناء هي الأنسب فلماذا؟ لأن الإصلاح هي كلمة تنطبق على وجود مشكلة يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة لإصلاحها، لكن المشكلة في الحالة المصرية تحولت إلى أزمة مستعصية يعيش بداخلها كل مكونات الدولة المصرية.

فالخطورة والكارثة هي أن الشخصية المصرية أصبحت هي تلك الأزمة التي تعيشها تلك الدولة، فالأمر يتعلق بمكونات تلك الشخصية وتشكيلها عبر 60 عاما حتى أصبحت تهجينا ثقافيا لعوامل تعرية دخيلة عبر مخطط محكم من أعداء الخارج، وعمق الخطر أصبح هويس داخل تلك الشخصية قادر علي ابتلاع أي عمل تنموي بيدها.

هنا حجر الزاوية في أزمة الدولة المصرية وهو "الإنسان"، ومن هنا أيضًا طريق بداية البناء وليس الإصلاح من عند ذلك الإنسان، ولكي نغوص داخل عمق ذلك الإنسان الذي أصبح أزمة مستعصية أمام أي بناء آخر، لا بد لنا من تحديد التاريخ الزمني الذي بدأ فيه تهجين وتغيير مكوناته وأيضًا تحديد مكونات تشكيل ذلك التغيير، مع وضع اليد على الأدوات التي استخدمت في هذا العمل.

البداية الحقيقية كانت من عند حقبة حكم الرئيس السادات، وكان التغيير بإرادة سياسية ومن أجل أهداف سياسية وأيديولوجية، فالأهداف السياسية تمثلت في الرغبة في التخلص من المكون الناصري الذي اعتبره «آخر مكون حقيقي للهوية والشخصية المصرية» وكان حائط الصد الأخير لرياح عاتية ساحقة جارفة من أعداء الخارج لتدمير الدولة المصرية.

فكانت الأيديولوجية الدينية هي الأداء والهدف، وكان الهدف الخارجي للأعداء عندما قامت المخابرات البريطانية عام 1928 بتكوين جماعة الإخوان الإرهابية، لاستخدامها كأداء لاختراق مكون الشخصية المصرية والعمل على تشكيلها مرة أخرى طبقًا لأيديولوجية تلك الجماعة، وجاء نظام السادات وتحالف سياسيًا مع تلك الجماعة ومشتقاتها للتخلص من المكون الناصري الذي هو العدو اللدود لأعداء الخارج.

وكانت الخطورة الحقيقية والتي ساهمت بقوة وسرعة في انهيار المكون الحضاري للشخصية المصرية، أن النظام سمح- بقصد أو بدون قصد- لجماعة الإخوان باستخدام التعليم والمنصات الثقافية كأدوات خادمة للأيديولوجية الإخوانية، وكان ذكاء الجماعة الإرهابية بأنها حولت منظومة التعليم إلى أداء منصهرة داخل أيديولوجيتها المتطرفة، عن طريق كلمات المنهج التي صنعت بيئة خصبة لولادة الكثير من الأيديولوجيات الراديكالية المتشابكة مع تلك الجماعة، وعبر منصات التعليم والثقافة استطاعت الجماعة خلق هوس ديني تكتسي به الشخصية المصرية.

وكانت مصر في موعد مع القدر ونظام حكم الرئيس مبارك وعلي مدار 30 عاما أصبح ذلك الهوس هويسا، ابتلع كل ما كان له صلة بالهوية والحضارة المصرية، فأصبحت أيديولوجية الإخوان ثقافة تعاطي للشخصية المصرية، بسبب أن ترك لهم مبارك كل المفاصل المغذية لتكوين الشخصية، فبجانب التعليم حكموا النقابات وامتلكوا اقتصاد القاع، وأصبح سكان ذلك القاع جزءا لا يتجزأ من أهداف العدو الخارجي وربيبه الإخوان، شخصية مهلهلة قابلة للتمزيق والشتات لا تمتلك أي مقومات للإصلاح أو الترقيع.

وهنا السؤال: هل إصلاح أم بناء تحتاجه تلك الشخصية؟ بالطبع بناء والبناء يأتي من المركزية التي بدأ بها الهدم منذ ٦ عقود، وهي الإرادة السياسية لنظام الحكم الحالي.

وباستخدام نفس أدوات الهدم تكون نفس الأدوات للبناء، وهي التعليم وسطور المنهج فكيف يحدث ذلك؟ أولًا نسف القائم وتغيير معطيات التعامل معه شكلًا ومضموناً، فمصر تحتاج منظومة تعليم متطورة تكون مركزيتها في الهوية والحضارة المصرية مع معلم نموذجي يقود قاطرة تلك المنظومة.

وذلك يحدث أيضًا مع كل المنصات والمؤسسات الثقافية الخاصة بالأعلام والفن والمسرح وكل من له صلة ببناء الإنسان، والعمل على بنائها طبقا لموروثات الحضارة والهوية المصرية، كل ذلك سيساهم في بناء ناشئ قائم على صلابة التاريخ المصري وهويته المتفردة، وبجانب ذلك لابد من وقف سعار مكونات الشخصية القائمة حاليًا، لان خطورتها تتمحور في اعاقتها لأي تفكير في بناء جديد، ووجودها سيغذي استمرارية اهداف عدو الخارج المتمثلة في هدم ثوابت المجتمع من ناحية الهوية والتاريخ والدين.

وسيظل الانفجار السكاني هو أحد أخطر ظواهر مكونات الشخصية القائمة حاليًا ويجب وقف تلك الظاهرة بكل الطرق الممكنة لما تمثله من عمق للهويس القادر على ابتلاع أي عمل تنموي.