رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منتصف الطريق إلى الإليزيه

من بين ١٢ مرشحًا فى انتخابات الرئاسة الفرنسية، قطع اثنان نصف طريقهما إلى قصر الإليزيه، فى ١٠ أبريل الجارى بتصدرهما نتائج الجولة الأولى، ويسيران الآن فى النصف الثانى، الذى ينتهى الأحد المقبل، بينما لا يعرف كثير من الفرنسيين، خاصة أنصار اليسار، ما إذا كانوا سيتوجهون إلى مراكز الاقتراع أم لا!.

استطلاعات الرأى تتوقع أن يفوز الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون بدورة ثانية، بفارق يتراوح بين ٣ و١٣٪ عن منافسته مارين لوبان مرشحة حزب «التجمع الوطنى» اليمينى المتطرف. ومن المفترض أن يكون الاثنان قد أجريا مساء أمس، مناظرة تليفزيونية. استبقتها «لوبان» بالتأكيد على أنها ستكون أفضل وأكثر استعدادًا من مناظرة ٢٠١٧، التى وصفتها بأنها «أكبر فشل» فى حياتها السياسية. لكن الأرجّح، هو أن يكون ماكرون، رغم خبرته السياسية القليلة، أكثر ثباتًا وقدرة على إقناع أو استمالة الناخبين.

فى مناظرة ٢٠١٧ بدت لوبان مهتزة وتائهة وهى تبحث عن إجابات فى الأوراق التى تراكمت أمامها، وارتكبت أخطاءً أساسية فى العديد من الموضوعات الاقتصادية، جعلتها عرضة لانتقادات واسعة، حتى فى معسكرها، ومكنت ماكرون من سحقها بحصوله على ٦٦٪ فى الجولة الثانية. أما مناظرة ٢٠٢١، مناظرة أمس، فتخوضها بعد حصولها على بعض الأفضلية فى الجولة الأولى، بسبب تجولها لعدة أشهر فى جميع أنحاء فرنسا وتركيزها على قضايا غلاء المعيشة التى تؤرق الملايين واستغلالها الغضب تجاه النخبة السياسية. 

تلك هى المحاولة الثالثة لمارين لوبان: لم تتأهل للجولة الثانية فى المحاولة الأولى، ولم تتمكن من الفوز بالرئاسة فى المحاولة الثانية، وطالبت أنصارها بأن يشاركوا هذه المرة بكثافة، لكى تكون «الثالثة ثابتة». وتعهدت بأن تضمن الاستقلال الوطنى و«إعادة تنظيم فرنسا خلال خمسة أعوام». وفى المقابل اتهم ماكرون منافسته بـ«الكذب» وأكد أنها ستكون «عاجزة» عن تنفيذ وتمويل برنامجها الاقتصادى الاجتماعى، منددًا فى الوقت ذاته، بالصورة التى تريد الترويج لها من أنها تخلت عن التطرف وأصبحت مرشحة عادية.

يمكنك أن تضيف إلى ذلك أن ماكرون لن يبذل جهدًا كبيرًا لاستمالة ناخبى اليسار، الذين قرر بعضهم، بالفعل، دعمه لمواجهة مرشحة اليمين المتطرف. كما ستساعده الأزمة الأوكرانية، لكونه يلعب دورًا محوريًا فى المباحثات الدبلوماسية الراهنة. وكذا تصريحاته غير الواقعية بشأن وقف واردات الغاز الروسى، الذى يغطى ما يزيد على ٤٦٪ من احتياجات فرنسا. وستساعده أيضًا تصريحات لوبان التى تتعارض مع الحريات العامة، التى أفقدتها قطاعًا كبيرًا من الناخبين، خاصة المسلمين منهم، الذين يتراوح عددهم بين خمسة وستة ملايين.

من تلك التصريحات، أو أبرزها، إعلانها عن اعتزامها فرض غرامة على ارتداء الحجاب فى الأماكن العامة، وهو التصريح الذى استغله ماكرون ليقدم نفسه على أنه مدافع عن الحريات الدينية، وسدد «لكمة» قوية لمنافسته بإشارته إلى أن حظر الحجاب سيعنى دستوريًا منع جميع الرموز الدينية، بما فى ذلك القلنسوة اليهودية والصليب. وخلال زيارة إلى مدينة ستراسبورج، شرقى فرنسا، ضمن جولة للقاء الناخبين، سأل ماكرون سيدة محجبة إن كانت تضع الحجاب قسرًا أم بقرار منها، فأجابت المرأة، ولما أجابت بأنه قرارها، قال: «هذا أفضل رد على الهراء الذى كنت أسمعه». كما نجح فى استغلال إصرار لوبان على هذه الفكرة ليثبت أن سياساتها لا تختلف عن سياسات «الجبهة الوطنية المتشددة» التى أسسها وتزعّمها والدها جان مارى لوبان.

.. وتبقى الإشارة إلى أن «المكتب الأوروبى لمكافحة الاحتيال» دخل على الخط واتهم «لوبان» ومقربين منها وأعضاء فى حزبها، باختلاس حوالى ٦٠٠ ألف يورو من الأموال العامة الأوروبية خلال فترة عضويتهم فى البرلمان الأوروبى، بحسب تقرير نشره موقع «ميديا بارت»، السبت الماضى. وفى حين أكد رودولف بوسلو، محامى لوبان، أن التقرير يتعلق بـ«وقائع قديمة تعود إلى أكثر من عشر سنوات»، أعلن المدعى العام الفرنسى، يوم الإثنين، أنه يدرس الاتهامات التى تضمنها. وطبعًا سيظل يدرس ويدرس إلى ما بعد الأحد المقبل!.