رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العائدون.. ملحمة وطنية لرجال الظل على الشاشة

 

مرت بنا سنوات صعبة بعد أحداث يناير ٢٠١١، سادت فيها الفوضى والجرائم والتخريب والفساد ونشر الشائعات الكاذبة وتزييف الحقائق وبث الفتن والترويج للفتاوى الدينية المتشددة وتلفيق التهم، وإدخال عناصر خارجية لتنفيذ مخطط دولى لتقسيم مصر والمنطقة العربية، وحفر الأنفاق لإدخال الأسلحة والمجرمين من خلاله، وتحقير المرأة وتكثيف المد الوهابى لطمس الهوية المصرية، واستخدام فضائيات لنشر التدمير والخراب واستخدام التكنولوجيا والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى، وذلك بهدف أن يتسيد الدمار، وأن ينفَذ المخطط الموجه ضد مصر وشعبها، ولولا الجيش المصرى والشرطة المصرية والمخابرات المصرية وتعاونهم مع المخلصين من أبناء وبنات الشعب المصرى ومشاعرهم الوطنية الراسخة وولاؤهم التام للوطن وإرادة الشعب المصرى لما أمكن حماية مصر من مخططات دولية مروعة لتقسيمها وتفريق شعبها، ولولا قيادة واعية تمثلت فى وزير الدفاع حينذاك عبدالفتاح السيسى لما أمكن حماية بلدنا وتأمين أرضها، ولولا إرادة شعبية كاسحة فى الخلاص من الظلاميين والتكفيريين وأتباعهم لما أمكن أن يسجل الشعب المصرى أكبر ثورة شعبية فى التاريخ بمشاركة الملايين من النساء والرجال الذين شاركوا فيها من كل الأعمار، ولولا مساندة الجيش والشرطة والمخابرات العامة لهذه الإرادة الشعبية الكاسحة فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ لما أمكن حماية الشعب الذى ثار فى كل الشوارع، وفى كل المحافظات، وفى كل الميادين بطول مصر وعرضها، ومن شمالها لجنوبها.

 

وقدر لى أن أكون من الكُتّاب المصريين الشاهدين على الأحداث ومحاولة رصدها لتقديم رأيى وكتابة رؤيتى وتحليلى فى مقالاتى المنتظمة فى الصحف اليومية، وعلى رأسها صحيفة «الدستور» اليومية المحترمة التى كنت فى تلك السنوات أكتب فيها بانتظام ٣ أو ٤ مقالات أسبوعيًا، وفى صحيفة الأهرام أيضًا كتبت رأيى فى مقالاتى بصدق ولم أستطع ألا أقدم رؤيتى الصادقة فيما يجرى بوطننا الغالى، ولهذا فإننى تركت الأهرام اليومى بسبب مقالاتى المعارضة لجماعة الإخوان فى السنة السوداء لحكمهم، ولم أعد إليها إلا بعد رحيلهم وذلك فى ٢٠١٧، أما صحيفة «الدستور» اليومية فقد ظللتُ أكتب رأيى المعارض لممارساتهم الإجرامية والفضح للخطط الشيطانية التى كانوا يهدفون إلى تنفيذها فى بلدنا، وأشهد أن صحيفة «الدستور» كانت أجرأ صحيفة يومية تقدم الحقائق للشعب منذ أحداث يناير ٢٠١١ وما زالت حتى الآن، ولها منزلة خاصة عندى، لأننى أعتز بأنها كانت منبرًا لى لكتابة مقالاتى الناقلة للحقيقة والناقدة للممارسات الإجرامية التى كانت تحدث ضد الشعب المصرى من أعداء الوطن حتى قيام ثورة الشعب الهادرة فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ومازالت تحاك ضدنا خطط لزعزعة الاستقرار والأمان إلا أننا لدينا قيادة سياسية وطنية وجيش وشرطة وأجهزة أمنية تحرس الوطن فى مواجهة كل الخطط والمؤامرات، وما زلنا فى حاجة إلى التحلى بالوعى كشعب للحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية واستقرار الوطن.

وهذه المقدمة كانت ضرورية لأننى تذكرت بعض الأحداث بمناسبة عرض مسلسلات سياسية كاشفة للكثير مما كان يجرى ضد بلدنا الغالى خلال الشهر الكريم، وكنت من المطالبين قبل ذلك بكتابة مسلسلات تقدم للشعب حقائق عن تلك الفترة الصعبة، التى كنت أشارك فى رصدها وتحليلها بكل الصدق والأمانة دون أن أغير مبادئى أو قناعاتى فى ولائى وانتمائى لوطنى، ودون أن أغير من جلدى وأفكارى فى مواجهة الأخطار من حولنا فى تلك الفترة الصعبة، ومن هنا فإننى أرى أن المسلسلات السياسية التى تقدم فى إطار تشويقى فى غاية الأهمية، ولا بد أن تستمر وأن يقدم غيرها الكثير لصياغة الوعى الوطنى، كما أنها تقدم للشعب حقائق ضرورية ليعرفها الجميع.

ومن هنا فإننى أقدم اليوم رؤيتى النقدية عن مسلسل «العائدون»، الذى أرى أنه مسلسل مهم لأنه يوثق ويكشف بطولات وأدوار رجال ونساء قاموا بحماية الشعب العريق والوطن الغالى خلال السنوات الصعبة منذ أحداث يناير ٢٠١١ وحتى الآن، وهو كاشف بقسوة وبوضوح للكثير من المخططات الشيطانية والمؤامرات الدولية والجرائم الخطيرة التى كان يقوم بها أعداء الوطن والعملاء، وفضح أدوار لشخوص عديدين كان من الضرورى معرفة ما يفعلونه ويقترفونه من جرائم ضد الشعب والوطن، وبعض أحداث المسلسل مستمدة من أحداث حقيقية لتاريخ قريب عاصرناه ومن ملفات المخابرات المصرية، مما جعل لها مصداقية مع المشاهد رغم قسوة أحداثها وخطورة ما واجهه رجال الأمن المصرى والأجهزة المخابراتية فى بلدنا من أخطار ومصاعب فى سبيل كشف خطط شيطانية تشارك فيها دول أجنبية تهدف لإسقاط مصر، وجماعات تكفيرية تنفذ المخططات بدموية وباستخدام الدين، والدين منها براء، إلا أنها وفى الوقت نفسه تقدم صفحات ناصعة البياض من بطولات سجلها مصريون ومصريات مخلصون كانوا يعرفون أنهم يضحون بحياتهم ويقتحمون أصعب المخاطر، إلا أنهم كانت لديهم من الوطنية والعزيمة والمهارة ما جعلهم يكشفون الكثير من الخطط ومحاولات التخريب والحرب مع الإرهاب الأسود والمنظمات الأجنبية التى كانت تحيك لمصر خططًا شيطانية، إلا أننا نعرف جميعًا أن مصر استعصت على التدمير، وعلى التقسيم، وعلى التفتيت لشعبها، كما استعصت على الفتنة الطائفية.

إن مسلسل «العائدون» هو فى تقديرى ملحمة وطنية يقدم بطولة وفداءً لرجال المخابرات المصرية، ويقدم أيضًا سيدات شاركن فى هذه الملحمة ضد الإرهاب الأسود وبشاعة جرائمهم الدموية من خلال مشروع سياسى دولى استهدف ضرب المنطقة العربية ككل، وتقديم دين مزيف ودموى وإجرامى يستبيح الأعراض والأرواح ويقتل ويسفك الدماء، من أجل تنفيذ مشروع سياسى للتقسيم لا يمت للإسلام وتعاليمه السمحة بصلة، حيث نشاهد من خلال متابعة الأحداث أن الجماعات التكفيرية تعمل على نشر كل صور الإرهاب والانحراف والتطرف والفساد واستباحة اغتصاب النساء والفتيات.

وفى هذا المسلسل أبدأ بذكر براعة المؤلف باهر دويدار الذى قدم لنا هذا العام أيضًا مسلسلًا وطنيًا استطاع أن يجذب المشاهدين، وهو مأخوذ من ملفات المخابرات العامة المصرية حول تصدى رجال المخابرات العامة لكشف الخطط التى تُدبَر ضد بلدنا، وصعوبة وخطورة مهامهم التى يقومون بها ضد أعداء لديهم خطط لدخول مصر واختراقها أمنيًا باعتبارها الدولة الأكبر فى المنطقة العربية واتجاههم للنيل منها، باعتبارها الجائزة الكبرى، كما تظهر لنا من خلال الأحداث المنظمات الأجنبية التى تنفق ببذخ للتجسس على مصر ومحاولة دخولها، ونرى رصدًا دقيقًا من جانب رجال المخابرات العامة لحركة تلك المنظمات الأجنبية، ونرى أيضًا دور الإعلام المعادى واستقطاب شباب ضائع تمت له عملية غسيل مخ للعمل معه فى قتل وتدمير شعوب المنطقة العربية، باستخدام الشباب فى العمل فى الفضائيات العديدة المعادية، لبث أخبار مغلوطة، ونشر شائعات كاذبة، ولى ذراع الحقائق التى تبثها مصر من خلال قنواتها المحلية والرسمية للتشويش على الأخبار الحقيقية.

ويُحسب للمؤلف باهر دويدار أنه مستمر فى تقديم أعمال وطنية من ملفات المخابرات العامة، ويذكرنى بالمؤلف القدير الراحل صالح مرسى؛ فباهر دويدار قد قدم لنا مسلسلًا ناجحًا حظى بمشاهدة عالية فى العام الماضى وهو مسلسل «هجمة مرتدة»، الذى قام ببطولته كل من أحمد عز وهند صبرى، وهذا العام يقدم لنا مسلسلًا ناجحًا جماهيريًا وفنيًا وهو «العائدون».

وهذا العام يقوم ببطولة «العائدون» أمير كرارة الذى برع فى تجسيد دور الشهيد أحمد منسى فى مسلسل «الاختيار» العام قبل الماضى، فاتجه هذا العام إلى تغيير جلده ليقدم دورًا وطنيًا أيضًا لبطل فذ من أبطال المخابرات العامة، وهو أيضًا قد جسد دوره ببراعة وتميز مما يُحسب له كفنان، كما اكتسب مصداقية كفنان مصرى يجسد الأدوار الوطنية أو بمعنى أصح قد أصبح نجم الأعمال الوطنية الأول، واستطاع من خلالها أن يجتذب الشباب وأن يقدم لهم نماذج من أبطال مصريين يُحتذى بهم وهو يقدم «سوبرمان» مصريًا بشخصية من لحم ودم فى مواجهة «السوبرمان» الأمريكى الذى هو شخصية خرافية مصنوعة.

ومسلسل «العائدون» تضمن رسائل عديدة فى الولاء والانتماء للوطن مهما كانت التضحيات أو الثمن الذى يدفعه البطل، إننا نرى من خلال هذا المسلسل أن لدينا رجالًا يعيشون حياة صعبة محاطة بالخطر فى كل لحظة ويواجهون الموت فى أى لحظة ويتركون عائلاتهم تعانى من المشاكل اليومية، وذلك لتنفيذ مهامهم الخطرة المكلفين بها، ونرى انشغالهم التام بقضية حماية الوطن، كما نرى التهديد الواقع عليهم فى أى لحظة لكنهم لا يأبهون بتقديم أرواحهم لحماية الوطن وإنقاذ الشعب والأرض.

يقدم أمير كرارة دوره بدقة وتمكُن بأسلوب السهل الممتنع، ويتقن أداء الجدية والانهماك والتفانى وبذل النفس دون أى افتعال وببساطة شديدة.

إن أمير كرارة قد رسخ مكانته كنجم من الصف الأول بجدارة، وأصبح من ضرورات شهر رمضان الكريم، ويشارك البطولة النجم الأسمر المصرى الملامح محمود عبدالمغنى فى دور يرفعه إلى مرتبة أعلى كأهم دور قام به حتى الآن، وهو يقدم نفسه كمسئول مهم ورفيع فى المخابرات العامة ويتسم بالجدية والذكاء والتفانى فى العمل الذى يأخذه إلى حد عدم الرغبة فى إنجاب أطفال. 

وتؤدى أمينة خليل أهم دور لها وتقف بأدائها لتؤكد أنها قادرة على أداء هذا الدور الصعب لشابة فى المخابرات العامة تتسم بالذكاء والرغبة فى إتقان عملها الوطنى بشكل سلس يُحسب لها.

ويقدم هانى رمزى نفسه فى دور جديد عليه كرجل المخابرات المصرية الذى يعمل فى الخارج، وهو دور جاد استطاع أن يؤديه بسلاسة رغم أنه معروف كنجم تعودنا على وجوده كبطل فى الأعمال الكوميدية، وأحببنا خفة دمه فى مسلسلاته وأفلامه من قبل لكنه أيضًا فى هذا المسلسل ينجح فى اكتساب مصداقية فى الأعمال الوطنية السياسية والجادة، مما يدعونى للقول إنه قد يتجه إليها فيما بعد، فلديه قدرات فنية عديدة ما زالت كامنة بداخله وأظهرها مسلسل «العائدون»، ولديه قبول لدى المشاهدين منذ أول لقطه له فى المسلسل.

المسلسل أيضًا قدم محمد عادل كفنان شاب أتوقع له مستقبلًا كبيرًا كفنان مصرى أسمر متميز قدم دوره ببراعة فى التردد والخوف ثم الانخراط فى مهمة خطرة، وكيفية انتقاله بين مشاعر التردد ثم الولاء للوطن والعمل الجاد الخطير بفضل وجود أمير كرارة كأستاذ له يدربه على المهمة الصعبة فى المخابرات المصرية، وملامح محمد عادل المصرية تؤهله ليحتل مكانة كبيرة فى مستقبل الدراما المصرية من خلال شخصيات أخرى.

ولا بد أن أتوقف أمام أداء متميز وقدرة فنية فائقة للنجم المصرى الأسمر محمد فراج الذى يظل فى الذاكرة طوال الحلقات رغم قلة عدد المشاهد التى شارك فيها.

أما مشاهد الحركة والأكشن والتشويق فقد أثبت جدارة فيها المخرج المتميز أحمد جلال الذى رسخ أقدامه بهذا المسلسل المهم الذى يحسب له.

إننى أطالب بمسلسلات عديدة طوال العام تقدم لنا توثيقًا من أحداث وفترات مرت ببلدنا خلال السنوات الماضية، ففيها قصص بطولات كثيرة تستحق أن نعرفها وأن نعتز بها، وأن يسهم صناع الدراما فى تقديم دراما مصرية ناجحة مأخوذة عن أحداث حقيقية، وهذا دور مهم للدراما فى توصيل الحقائق للشعب وللشباب وصياغة الوعى الوطنى والمستنير وترسيخ مبادئ الوطنية والولاء والانتماء للوطن الحبيب، خاصة لدى الشباب.