رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فلاسفة السوشيال ميديا.. ومحمد صلاح!

أعتقد أننا نعيش عصر فلاسفة السوشيال ميديا، التي أتاحت مجالاً واسعاً أمام كل من هب ودب  للفلسفة والفتوى عن جهل، والخوض في تفاصيل عبثية تشتت الذهن وتشرد الخلق!

هناك فرق كبير بين حرية التعبير عن الرأي التي وفرتها تلك الوسائط، وحالة التضخم الغريبة في ذوات كل من لديه حساب عليها، ففي السابق كان هناك قلة تكتب وأغلبية تقرأ، نسبة وتناسب مبنية على مستوى الثقافة ودرجة العلم، والقدرة على البحث والتحليل، أما الآن صرنا جميعاً نكتب وقلة فقط هي التي تقرأ!

والإشكالية ليست في حالة الهوس العام بالتنظير والفلسفة والخوض فيما نعلم وما لا نعلم، لكن المأساة من وجهة نظري تتمثل في تقمص معظمنا دور الفيلسوف لدرجة الاندماج، حتى انفصلنا كلياً عن الواقع، ولم نعد نطيق الاختلاف في الرأي او تقبل الآخر!

 وبدلاً من أن تعزز فينا هذه الوسائل قيمة وأهمية التواصل، زرعت فينا الفرقة، حتى أصبحنا نتبادل عبارات الكراهية والتحقير لأتفه الأسباب!

على سبيل المثال، حالة الفرقة غير العادية التي حدثت بعد مباراة مصر والسنغال التي أقصت منتخبنا عن ركب كأس العالم، فانقسمنا إلى فريقين، الأول حانق على النجم محمد صلاح، والأخير، حانق على الفريق الأول، ولا يتحمل مجرد كلمة عتاب على الملك المصري!

المشكلة ليست الاختلاف في وجهة النظر على الإطلاق، لكن في طريقة التعبير، فنحن الذين لا نمل من المطالبة بالمزيد من حرية الرأي، لا يتسع صدرنا لرأي مخالف في شأن كروي!!

محمد صلاح مصدر فخر لنا جميعاً، نحبه ونقدره ونتابعه وندعمه ونوفر له ظهيراً جماهيرياً يسانده في كل ناد يقصده، لكنه في النهاية إنسان يؤدي دوراً محدداً، ومن الوارد أن يخطئ ويصيب، ومن حقنا أن ننتقده كما نمدحه تماماً، حتى لو من باب عتاب الأحبة.

كما أن من حقنا أن ندافع عنه ونرفض استهدافه أو الهجوم عليه، لكن دون التقليل أو التحقير من منتقديه، والإساءة إليهم بغمز ولمز وسباب مباشر وضمني!

لا أتخيل أن يأتي اليوم الذي تصل فيها مشاعرنا إلى هذه الدرجة من التطرف، لكن خطاب الكراهية على منصات ومواقع التواصل الاجتماعي تجاوز المقبول ووصل لمرحلة بالغة الخطورة، تثير الفرقة داخل المجتمع الواحد والعداوة بين الشعوب، كأن لا يكفينا منها إلا فلاسفة السوشيال ميديا!

  • محام بالنقض - مستشار قانوني أول بدبي