رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أخلاقنا فى الشهر الكريم

يطل علينا شهر رمضان الكريم خلال أيام حاملًا معه طقوسه ونفحاته الروحانية الخاصة فى مصر.. يطل علينا الشهر المبارك ونحن ننتظره بعاداتنا المميزة لنا ولمّة الأسرة والتفكير والإعداد له، حيث إن له فى مصر بهجة كبيرة رغم أننا نمر بأوقات صعبة يواجهها العالم كله.

ولا شك أن هذه الأحوال الصعبة، التى يمر بها العالم، لها على الاقتصاد المصرى والعالمى، وعلى العلاقات بين الدول، وعلى الشعوب، تداعيات وآثار عديدة من جراء الحرب بين روسيا وأوكرانيا.. وأتوقع، كما يبدو من الأحوال المشتعلة الآن وتأزم العلاقات بين القوتين العظميين- الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا- أن الأحوال المضطربة ستستمر بعض الوقت بينهما، خاصة أن هناك تحالفات قوية بين جانبين كليهما فى منتهى القوة والتأثير على العالم، وأقصد بذلك روسيا والصين وكوريا الشمالية من ناحية، ومن ناحية أخرى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الحليفة لها.

ولا شك أنه مع تصاعد الأحداث، ومما نراه ففى تقديرى أننا نتجه إلى نظام عالمى جديد.. لا تسيطر فيه أمريكا على مقدرات الشعوب وحدها لتظل هى القوة العظمى والأقوى فى العالم.. بل سيخرج الدب الروسى أقصى قوته ليتحول إلى قوة عظمى لها قدرة على التأثير على مجريات الأحداث فى العالم، وستظهر قدرات الصين أيضًا كقوة عظمى قوية ومنافسة ومؤثرة.

ومع تصاعد الأحداث فى هذه الحرب المستعرة اضطرت الدول إلى اتخاذ إجراءات لمواجهة تداعياتها.

وفى مصر، ولأننا على أبواب شهر رمضان المبارك، ومع اتخاذ الدولة عدة إجراءات اقتصادية لمواجهة تداعيات الحرب الاقتصادية والسياسية، لا بد أن نقف جميعًا يدًا واحدة لحماية استقرار مصر، ومواجهة موجة غلاء السلع الأساسية التى تجتاح العالم، وبعضها سلع غذائية أساسية نستوردها من الخارج بالعملة الصعبة.. وأيضًا علينا أن ندرك أن تداعيات فيروس كورونا لا تزال متواجدة لم تنتهِ.. ولهذا فإننا ندخل شهر رمضان بأحوال صعبة مستجدة فى ظل تداعيات حرب مستعرة بين روسيا وأوكرانيا، ومواجهة شرسة سياسيًا بين أمريكا وروسيا، وتحالفات قوية تتشكل لتلقى بظلالها وتأثيراتها على الدول جميعًا. ومن هنا، فإنه فى ظل ما يحدث من حولنا سيصبح علينا أن نتسلح بالروح الوطنية كشعب، وأن نقف يدًا واحدة كحائط صد لحماية مصر من أى محاولات لزعزعة الاستقرار أو جشع التجار أو استغلال الأوضاع العالمية لنشر شائعات مغرضة ضد الدولة أو القيادة السياسية.

علينا أن نعدل فى إنفاقنا، وأن نتحمل بعض الصعاب التى ستمر وستصبح بعد ذلك مجرد ذكرى لأحوال صعبة انقضت لكنها لم تؤثر فى صلابة جبهتنا الداخلية، كما انقضى غيرها من الأحوال الأصعب التى واجهها الشعب فى السنوات الأخيرة بشجاعة، وظلت مصر عصيّة على المؤامرات والخطط والصعاب.. ودعونا نقضى شهر رمضان بخير ورضا وبهجة كما اعتدنا فى مصر دائمًا، بكل طقوسه الرمضانية الزاهية والمفرحة فى مصر المحروسة، التى تجعل له بهجة خاصة وحياة اجتماعية وأجواء متميزة وسهرات فى الأحياء الشعبية والمقاهى والمولات والمطاعم لا توجد فى أى دولة أخرى فى العالم.

ولأننا على أبواب الشهر الكريم، ولأنه شهر الهدى الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس، ولأنه خير الشهور، ولأن فيه ليلة القدر التى هى خير الليالى وأعظمها وأروعها والتى يُستجاب فيها الدعاء وتكثر فيها الصلاة والدعوات- تكون له فى مصر طقوس خاصة جدًا تجعل من مصر أروع البلاد فى استقباله وفى قضاء الوقت بها لأهلها وللزائرين لها من خارجها.. وعادات خاصة تجعل منه ليس فقط شهر الروحانيات والصلاة والزكاة وصلاة التراويح فى المساجد، وإنما هو أيضًا شهر بهجة ومقاهٍ تعج بالشباب والكبار ومطاعم مفتوحة لأطعمة رمضان المصرية المعروفة وزهيدة الثمن التى تقبل عليها كل فئات الشعب، مثل الفول المدمس والطعمية والسمبوسك والبيض والزبادى، والحلويات المصرية حلوة المذاق، مثل لقمة القاضى والقطايف والكنافة والبقلاوة.. وها هى شوارع مصر قد امتلأت قبل حلول الشهر بالزينات والأنوار والفوانيس والأغانى المحبوبة التى نسمعها فى الشوارع من أجهزة الراديو، والتليفزيون يبثها طوال النهار، والتى نحفظها عن ظهر قلب فى استقبال الشهر الكريم قبل بدايته كل عام.. ومن طقوس شهر رمضان أيضًا المسحراتى الذى يمر كل ليلة فى شوارعنا، وما زال، لينبهنا بوقت السحور، ومدفع الإفطار الذى ننتظره فى أجهزة الراديو أو التليفزيون لنبدأ الإفطار.. وهناك أيضًا «الفرجة» على المسلسلات من كل نوع وشكل، والتى يبلغ عددها أكثر من ٤٠ مسلسلًا مصريًا هذا العام، وسأحرص على نقدها لقارئ «الدستور» ككل عام طوال الشهر الكريم، وهناك أيضًا لقاءات الأهل المقربين والأصدقاء المحببين، وتبادل الزيارات والتكافل الاجتماعى مع الأكثر احتياجًا. 

وفى الشهر المبارك لا شىء يضاهى فرحة لحظة إفطار الصائم، والإحساس بابتسامة أسرة من الأسر الأكثر احتياجًا التى قد ساعدناها، ولا شىء يضاهى سعادة طفل محتاج ساعدنا أسرته وأهديناه فانوس رمضان ليلعب به ويفرح كبقية الأطفال الآخرين.

إن صور السعادة فى شهر رمضان كثيرة وعديدة، فهو شهر الحسنات والتكافل والروحانيات والبهجة والرحمة والصدقات والإحساس بالآخرين والتقرب إلى الله.. وهو أيضًا شهر الخير والبركات وأداء الفروض الأساسية التى أمرنا الله بها، لأنه شهر الصوم والصلاة والزكاة.. فدعونا نجعله شهرًا مباركًا لنا وشهر استقرار وأمان لنا، ودعونا نتسلح بالوعى فى الحفاظ على بلدنا.. وأطالب المرأة المصرية بصفة خاصة بأن تحافظ على استقرار بلدها، وأن تتسلح بالوعى فى التصدى للشائعات المغرضة ولكل مروجى الفتنة، وأن تقف مع بلدها كحائط صد كما كانت دائمًا فى مقدمة الصفوف لدعم تقدم بلدنا والحفاظ على استقراره.. وكل عام وأنتم بخير