رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل خاف "البنا" من صهره عبدالحكيم عابدين فتواطئ معه؟

جريدة الدستور

يواصل الباحث أحمد الصغير في كتابه "تاريخ جماعات الفشية الدينية في مصر" رصد وتوثيق جرائم جماعة الإخوان الإرهابية منذ التأسيس الأول لها علي يد حسن البنا.. سواء كانت جرائم أخلاقية كما في فضيحة عبدالحكيم عابدين صهر البنا أو الفساد المالي والتمويلات الخارجية التي حصل عليه التنظيم قبل حتي أن يعلن تأسيسه.

ــ الشبهات المالية والأخلاقية في بداية التنظيم
يدعم "الصغير" استنتاجاته بشهادات دولية ومنها ما ذكره روبرت دريفوس في كتابه "لعبة الشيطان": "تأسست حركة الإخوان المسلمين على يد البنا بمنحةٍ من شركة قناة السويس البريطانية (500 جنيه فى مصادر أخرى)، وخلال الربع قرن التالي بدعمٍ من الدبلوماسيين البريطانيين والمخابرات البريطانية" وفي موضع آخر من الكتاب يقول: "ومن أجل بزوغ حركة الإخوان إلى الضوء والعلن ساعدت قناة السويس حسن البنا على إنشاء مسجد في الإسماعيلية سيكون مقرًا وقاعدة عمليات لها".

ويوضح "الصغير": في الواقع قصة التمويل الإنجليزي لحسن البنا في بدء إنشاء جماعته هي حقيقة وليست اتهاما لأن حسن البنا نفسه أقر بذلك في المذكرات المنشورة باسمه (مذكرات الدعوة والداعية)، فقد أقر بذلك في فقرة من المذكرات بعنوان (هبة شركة القنال)، لكنه يحكى قصة مختلفة وهي أنه "بينما مسجد الإخوان كان على وشك الانتهاء نفذت نقودهم ومر بجوار البناء البارون (دى بنوا) مدير الشركة ومساعده مسيو (بلوم ) ورأيا المبنى واستفسرا عنه ثم استدعى المدير حسن البنا لمقر الشركة وطلب منه تفصيلات ورسومات مشروع المسجد والدار ثم استخرج له قرارا من الشركة بهذا التبرع 500 جنيه".

ولقد ذكر البنا في مذكراته قصة تدل على أن هذا الرجل كان يعلم تماما ما يفعله. ففي نفس الفقرة التي ذكر فيها قصة التبرع وقبل أن يشرد ذهن القارئ ويفكر في الأمر يقول حسن البنا أنه قد جادل مدير الشركة لطلب تبرع أكبر لأن الشركة تبرعت بمبلغ 500 ألف جنيه! لبناء كنيسة نموذجية فكيف لا يتبرعون إلا بهذا المبلغ لمسجد ومقر الإخوان !

لم يكتف البنا بهذه الفقرة بل أضاف فقرة أكثر طرافة وذكاء فيقول إنه ما إن علم العامة بقصة التبرع حتى انتشرت الاعتراضات على بناء المسجد بأموال الكفار وهل تصح الصلاة فيه أم لا؟! ثم انخرط هو ورفاقه في إقناع الناس أنّ القناة هي قناةٌ مصرية والمال هو مالٌ  مصري !

لا يوجد شاهدٌ آخر لقصة هذا اللقاء وهذا التبرع إلا حسن البنا ولأنه يعلم ما سيدور في الرأس فقد شتت انتباه من يقرأ في اتجاهين بعيدين تمامًا عن التساؤل الرئيسي، وهو لماذا تتبرع الهيئة لمساعدة جمعية مسلمة بهذا المبلغ الكبير؟ ولا ينبغي أن يقلل من قيمة التبرع ما ذكره البنا عن النصف مليون جنيه لبناء كنيسة لم يسمع بها أحد.

يذكر أيضا الكاتب البريطاني جورج كيرك في كتابه (موجز تاريخ الشرق) أن حسن البنا قد تلقى 2000 ج من ألمانيا عن طريق بنك درسون 16 و18 أغسطس 1938م (لأن الإخوان صاروا مفيدين لسياسة برلين) وربما يفسر هذا انتشار الشائعة الطريفة في مصر أثناء الحرب الثانية عن إسلام هتلر وتلقيبه بلقب (الحاج محمد هتلر) في بعض المظاهرات. لهذا فهناك اتهاماتٌ واضحة لحسن البنا في قبوله أموالا من الإنجليز والألمان دون أن يرد هو بردٍ مقنعٍ أثناء حياته أو ترد جماعته من بعده.

ويستطرد "الصغير": بعد تخرج حسن البنا من كلية دار العلوم 1927 تم تعيينه مدرسا ابتدائيا للغة العربية في الإسماعيلية٬ وهنا أيضا نقطة غامضة فبعض المصادر تقول أنه هو من طلب التعيين في تلك المدينة لوجود مقر قناة السويس بها ومصادر أخرى تقول أنه قبل التعيين ولم يطلبه.

تحدث في مذكراته عن نشاطه الديني في منطقة سكنه وتعرفه على مجتمعه الجديد في فترة قصيرة واشتهر بخطبه الدينية التي تدغدغ المشاعر حتى أتى لمنزله ستة من الإخوة في مارس 1928 وطلبوا منه القيام بخدمة الدين وقالوا إنهم لا يمتلكون أكثر من هذه الدماء في عروقهم وهذه الدراهم القليلة من قوتهم يهبونه للدعوة، ويخولون له رؤية ما يمكن أن يكون عليه تجمعهم.. فاختار اسم (الإخوان المسلمين) ليكون ذلك إيذانا ببدء التنظيم.
ثم توسع في نشاطه في الإسماعيلية وفكر في إنشاء المسجد الخاص بالإخوان وساعده في ذلك بعض الأعيان وتبرعوا له بالمال، وقد أفاض في ذكر هذه التفاصيل في مذكراته وإن بدا جليا محاولته رسم صورة مثالية عن تحركاته وتحركات جماعته بل وكراماتهم في أعمالهم وحياتهم بعد انضمامهم لتنظيمه.

في 1932م انتقل حسن البنا إلى القاهرة وبقى يتردد على الإسماعيلية وأنشأ جماعة الأخوات المسلمات 1933 في الإسماعيلية كفرقة أدبية إسلامية ثم أصبح منذ 1944 هناك فرعا في الشعبة العامة للإخوان باسم الأخوات المسلمات وتذكر بعض المصادر الإخوانية أن عددهن بلغ خمسة آلاف بنهاية 1945.
لقد انتشرت جماعة الإخوان كتنظيمٍ سياسي منذ نهاية الثلاثينات وخلال الأربعينات خاصة في فترة الحرب العالمية الثانية، حيث كانت تلك الفترة هي ذروة شعبيتها، وقد تغلغلت في المجتمع المصري عن طريق المساجد الأهلية التي أقامتها والمؤسسات التعليمية الصغيرة والمستشفيات والمشاريع الصناعية والتجارية.

وقد ذكرت دكتورة عفاف لطفى السيد، أن عدد الإخوان بعد عشرين عاما من التأسيس بلغ مليوني مصري وأكثر من ألفى شُعبة منتشرة في البلاد، وتبرر ذلك الرقم بأن الغالبية منه لم يكن مسجلا في الشعب العلنية وإنما كان سريا، وهذا يؤكد فكرة أن التنظيم في جوهره وغاياته وأهدافه وما يقوم به كان تنظيما سريا، ولم تكن البداية ولم تكن الشعب العلنية إلاغطاءً يستر الجزء الأهم من الجسد.
أما بالنسبة لسلوك حسن البنا السياسي فيمكن تلخيصه في كلمة واحدة هي النفعية الشديدة٬ هي صالح التنظيم والجماعة أولا وفوق كل مبدأ وهيئة وقضية حتى لو كانت قضية محورية مثل قضية فلسطين.

اختارت الجماعة الظهور السياسي بعد اتفاقية 1936 التي وقعها الوفد والتي كانت كثير من القوى السياسية ترفضها فرأى حسن البنا أنّ هذا الوقت هو الملائم فقادت حركتُه المظاهرات العارمة واكتسبت شعبيتها السياسية الأكبر من هذا الموقف السياسي. كان القصر يرى في هذه الجماعة حليفا قويا ضد خصمه التقليدي ذي الشعبية الجارفة (حزب الوفد)، فساند القصر الجماعة وساعدت بعض الحكومات جماعة الإخوان وغضت الطرف عن تجاوزاتها العنيفة. فمثلا سمحت الحكومة في وقتٍ مبكرٍ لجماعة الإخوان بما يسمى (نظام الجوالة) رغم عدم سماحها لأى حزب أو جماعة سياسية بتكوين أي تشكيلٍ عسكري أو شبه عسكري، وكان اسما (نظام الجوالة) و(فرق الرحلات) من الأسماء المراوغة التي أطلقها حسن البنا على التدريبات العسكرية التي تقوم بها الجماعة لأعضائها.كما ذكر أكثر من مصدر أنه في منتصف الأربعينات كانت هناك أكثر من 500 شعبة إخوانية مسجلة بشكل رسمي في وزارة الشؤون الاجتماعية كانت تتلقى معونات من هذه الوزارة أو في طريقها لتلقى تلك المعونات.

ــ فضائح عبدالحكيم عابدين صهر حسن البنا
لذلك فقد وصلت الجماعة إلى ذروة قوتها في منتصف الأربعينات حتى سقط المرشد أخلاقيا فيما يعرف بفضيحة عبد الحكيم عابدين، ثم تلا ذلك انكشاف أمر التنظيم السرى المسلح. بعد قراءة ما يطلق عليه فضائح عبد الحكيم عابدين صهر حسن البنا عام 1945 إنني أعتقد أن الطريقة التي تداول بها حسن البنا الموضوع كانت إيذانا بسقوطه أكثر من سقوط صهره.. هذه الفضيحة هي مما تتجنب معظم مصادر الإخوان الحديث فيه رغم معرفتها وورودها في مذكرات أكثر من قائد من قادة الرعيل الأول.

وعن عبد الحكيم عابدين يوضح: هو خريج كلية آداب جامعة القاهرة 1937 وعمل بمكتبة الجامعة وسافر كثيرا خارج مصر وهو طالب وكان يكتب الشعر ومعروفا بقدرته على الخطابة المؤثرة، وترقى في الجماعة حتى وصل لمنصب وكيل الجماعة وزوجه حسن البنا من شقيقته.

اقترح عابدين نظام التزاور الأسرى للتقريب بين أسر الإخوان المسلمين وتولى هو الإشراف على تنفيذ ذلك حتى سرت همهمات ثم أصبحت تلميحات بوجود علاقات نسائية متبادلة بينه وبين عدد من نساء وبنات الأسر التي كان يزورها وتحرشات بعدد آخر منهن، وتعددت التلميحات حتى وصل صداها لكبار قيادات الجماعة وإلى حسن البنا نفسه.

شكل حسن البنا لجنة من كبار الإخوان (حسن سليمان – فهمى السيد – محمد عمار – زكى هلال) والتي قامت بالتحقيق في وقائع معينة تخص أربع أسر وانتهت إلى إدانة عابدين ومطالبة حسن البنا بطرده من الجماعة٬ فرفض البنا ذلك وكون لجنة ثانية من 8 أعضاء منهم (أحمد السكرى – دكتور إبراهيم حسن – حسن عشماوي). وبعد تحقيقات وورود بلاغات أخرى من أسر أخرى ضده، وبعد سماع أقواله واعترافاته لبعض أعضاء اللجنة قدموا تقريرهم لحسن البنا بإجماع الآراء وهو إدانة عابدين والمطالبة بطرده من الجماعة. لكن حسن البنا رفض وثار وهدد بعرض الأمر على الجمعية العمومية.فقدم السكرى استقالته من الجماعة وخرج العشرات منها بعد انكشاف الغطاء عن حسن البنا وأحمد السكرى تحديدا لم يكن اسما هينا في الجماعة بل يعتبره كثير من المؤرخين بأنه المؤسس الأول لجماعة الإخوان ومن اللجنة أيضا الدكتور إبراهيم حسن الذى ترك الجماعة واحتفظ لنفسه بأوراق التحقيق ونشر إحداها وهي تقرير اللجنة التي كان أحد افرادها.

بل إن صلاح شادي الذي يعد أحد أكبر المدافعين عن الجماعة قد ذكر تلك الأحداث في كتابه قائلا: إنه عاصر أحداثا تم اتهام أحد الكبار فيها وأنه رغم انتهاء التحقيق ببراءة عابدين– حسب وجهة نظر البنا – فإن قلبه قد جفل من الإمام حسن البنا وموقفه وتمسكه بعابدين بل وإعطائه مكانة أعلى بعد طرد وخروج العشرات من أعضاء الجماعة الكبار.

ويلفت "الصغير": لقد تعجبتُ من تعامل المؤرخين مع هذه الواقعة فمعظمهم قد حاول التركيز على عبدالحكيم عابدين ووصفوه براسبوتين الجماعة وانشغلوا بمحاولة معرفة التفاصيل، لكنني أرى أن عابدين لم يكن هو المشكلة المهمة في القضية لأن تصرفاته هي سقطاتٌ أخلاقية بشرية كان يمكن التعامل معها على هذا الأساس وطرده من الجماعة وإعطاء زوجته حقها في الاختيار أن تكمل معه أو تتركه، لكن المشكلة الكبرى هي موقف حسن البنا الذى لم يتم حسم تفسيره إخوانيا إلى الآن وأعتقد أنه لا يخرج عن تفسيرات ثلاثة.
التفسير الأول هو يقينه ببراءة الرجل وهذا غير منطقي بعد شهادات هؤلاء الكبار في الجماعة ومعناه الطعن في مصداقية كبار القادة.التفسير الثاني هو يقينه بإدانة الرجل وتمسكه به حفاظا على صلة المصاهرة وهذا معناه تخلى البنا عن الجانب الأخلاقي في الجماعة التي تدعى أنها جماعة دعوية دينية.
أما التفسير الثالث - والذى أراه منطقيا - هو خوف البنا من إغضاب عبد الحكيم عابدين لأن عابدين – بحكم الصلة الشخصية المباشرة بحسن البنا – لا بد وأنه كان الأكثر قربا من أسرار المرشد سواء كانت أسرارا شخصية أو سياسية أو تنظيمية، لذلك قرر حسن البنا التضحية بهؤلاء القادة وبمصداقيته الأخلاقية أمام قواعد الجماعة مقابل عدم كشف الحجب والأستار.

ومما يؤكد هذا التفسير هو ما حاول حسن البنا فعله لتبرئة صهره من التهمة ولتبرئته هو شخصيا من الموقف المشين الذى اتخذه فقد حاول البنا خداع الأعضاء من الإخوان في إحدى القرى، حيث أرسل أحد رجاله (أحمد محمود سيد أحمد) إلى إخوان قرية (أريمون) بالبحيرة وجمع منهم توقيعات وأختام على ورقة بيضاء مدعيا تقديمها للسلطات للحصول على أمصال ضد الكوليرا، ثم قام بنشر هذه الورقة بجريدة الإخوان تحت عنوان تأييد البنا في خلافه مع الأستاذ أحمد السكرى. وحين علم إخوان هذه القرية بالموضوع ثاروا ونشروا مقالا يعتبر فضيحة أخلاقية لحسن البنا ونص الخطاب طويل لكن خلاصته أنهم يكذبون حسن البنا، ويفضحون خداع رجله لهم وأن حسن البنا قد أحدث خرقا بسفينة الدعوة وعبثا يحاول بالخداع أن ينقذ تلك السفينة لكنه في سبيل ذلك يتهم الرجال المخلصين لهذه الدعوة.

ويؤكد "الصغير": إن هذه الواقعة تنفى التفسيرات الأولى لموقف حسن البنا كما تنفى عنه دفاعه عن صهره بحسن نيةٍ وتثبت أنه يصدق رجال اللجنة وإنما لا يستطيع مواجهة عابدين أو اتخاذ قراراتٍ صارمةٍ ضده.. وهذا سلوك لا يمت للإسلام بصلة وإنما هو سلوك زعيم جماعةٍ له مصالح وطموحات يدافع عنها بكل الطرق حتى لو كانت طرق غير أخلاقية.
ثبت أن هذه الواقعة التي حدثت 1945م قد هزت الجماعة وشقت صفها وانسحب منها عددٌ كبير كان يعتبرها جماعة دينية دعوية ومرة أخرى أنا لم أذكر هذه الواقعة للبحث في تفاصيل سقطات النفس الإنسانية التي يكذب مَن يدعى خلوه منها، وإنما ذكرتها في إطار بحث حقيقة التنظيم.