رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عمرو فاروق يكتب: كيف أنهى الأمن الوطني أسطورة تنظيم «أجناد مصر»؟

الكاتب عمرو فاروق
الكاتب عمرو فاروق

كانت قاعدة "الطائفة الممتنعة"، التي نظر لها ابن تيمية في متن منهجيته الفقهية والشرعية، مرتكزًا لقائد "أجناد مصر"، همام عطية المكنى بـ"مجد الدين المصري"، في بناء تنظيمه التكفيري المسلح، ليكون بمثابة كيان معني باستهداف ومواجهة ضباط الأجهزة الأمنية المصرية، التي تمثل وفقًا لعقيدته المنحرفة ذراعًا تنفيذية للنظم السياسية الوضعية الحاكمة.

انطلق همام عطية تجاه مشروعه مرتديًا عباءة الفقيه الشرعي والمنظّر الحركي في تجميع واستقطاب الشباب المنطوي تحت لافتة الجماعات الأصولية من عمق تجمهر "رابعة" لاستكمال صراع المواجهة المسلحة ضد مؤسسات الدولة المصرية، بعد جرعة التعبئة والشحن الممنج في تحويل أزمة الفشل السياسي لجماعة الإخوان إلى معركة تلتحف برداء الدين والشريعة.

تحكمت شهوة الزعامة والقيادة بشكل كبير فى الدوافع النفسية والسلوكية المسيطرة على همام عطية، رافضًا كعادة الأصوليين الانصياع إلى قيادة واحدة يتحرك من خلالها في تنفيذ استراتيجية المواجهة المسلحة من داخل العمق السيناوي، بعدما انتمى لتنظيم "أنصار بيت المقدس" الذي تحول إلى "ولاية سيناء"، بعد مبايعته أبي بكر البغدادي.

تجربة انضمام همام عطية إلى تنظيم "القاعدة" بأفغانستان ثم العراق، وتلقيه دورات تأهيلية وتدريبية على الفنون القتالية واستخدام الأسلحة المتنوعة، وإجادته صناعة وتركيب المتفجرات، فضلًا عن ملازمته قيادات فاعلة وناشطة في الإرهاب الدولي- كانت كفيلة بأن تجعل منه كادرًا مهمًا في تشكيل الكيانات المسلحة والخلايا العنقودية.

ولد همام عطية بسويسرا عام 1981 لأبوين مصريين، وعن طريق أحد العناصر المنتمية لتنظيم "القاعدة"، تبنى المنهجية التكفيرية، وتمكن من السفر إلى أفغانستان، ومنها إلى العراق عام 2007 للمشاركة في مواجهة الاحتلال الأمريكي.

عاد همام إلى مصر نهاية عام 2011، والتقى عناصر من المجموعات التكفيرية المسلحة بسيناء، وعمل رفقة صديقه بلال صبحي، ضمن تنظيم "أنصار بيت المقدس" بسيناء، كمختصين في تصنيع المتفجرات، وكادت الشرطة أن تلقي القبض عليهما في كمين على طريق الإسماعيلية- القاهرة الصحراوي قرب مدينة الشروق في شهر سبتمبر2012، بعد ضبط قنبلة تحتوي على 83 أنبولا زجاجيا بها مواد حارقة تساعد على الانفجار، ولكنهما تمكنا من الفرار عقب اشتباكهما مع قوة الكمين، وتركا سيارتهما التي عُثر فيها على بطاقاتهما الشخصية وكمية من المتفجرات.

اتجه همام إلى مدينة العريش متخفيا من الملاحقات الأمنية، لكنه قرر العودة للقاهرة من أجل المشاركة في اعتصام "رابعة" المسلح، وعقب عملية الفض والممرات الآمنة تمركز في إحدى ضواحي مدينة نصر، متخذًا منها مقرًا لتدريب الشباب على صناعة المتفجرات، إذ تمكن من تشكيل خلايا عنقودية مسلحة، بعد قراره بالانفصال عن تنظيم "بيت المقدس" وتشكيل تنظيم خاص به نظرًا لسيطرة النزعة القيادية على سلوكه، فضلًا عن رؤيته في نقل العمل المسلح إلى العمق القاهري وعدم قصره على الحدود الشرقية بشمال سيناء.

ضم المكون التنظيمي لـ"أجناد مصر" عناصر من توجهات فكرية متعددة، من بينهم الإخواني أحمد النجار المعروف بـ"مالك الأمير عطا"، وبلال صبحي ومحمد صابر رمضان، من تنظيم "أنصار بين المقدس"، والسلفي أحمد جلال، عضو "حزب النور"، وسعد عبدالرءوف عضو تنظيم «القاعدة»، فضلًا عن جمال زكي، تاجر المخدرات والهيروين السابق.

اعتمد همام عطية في تأسيسه "أجناد مصر" على ما يعرف بـ"فقه الأمنيات"، وهي استراتيجية تتعلق بالتنظيمات السرية، وتعمل على تأمين المكون التنظيمي من الاختراق عن طريق صناعة الخلايا العنقودية وليس الهيكلية، وتدريب عناصرها على كيفية الهروب من الملاحقات الأمنية والتخفي والتواصل الإلكتروني المشفر، مع صعوبة الوصول للقيادة المركزية المهيمنة على التنظيم.

الخبرة الطويلة لهمام عطية في صناعة المتفجرات دفعته للاعتماد على نظرية "الجهاد منخفض التكاليف"، بهدف تنفيذ أكبر قدر من العمليات الإرهابية ضد مؤسسات الدولة ورجالها بأقل تكلفة مادية، ومن ثم توسع في خريطة توزيع ونشر القنابل والمتفجرات محلية الصنع، بما يحقق استراتيجية "النكاية والإنهاك"، وخلق حالة من الإرباك الشامل للأجهزة الأمنية، وفقًا لـما يعرف بـ"حروب العصابات"، بعيدًا عن معارك الجيوش النظامية والدخول معها في مواجهات مباشرة.

وضع تنظيم "أجناد مصر" مجموعة من الأهداف سعى لتحقيقها منذ تأسيسه، منها التدرج في عملية تنفيذ العمليات المسلحة ضد الأجهزة الأمنية، والتوسع في مناحي التدريب والتأهيل الحركي والشرعي والتنظيمي، وزيادة عدد الخلايا العنقودية، باستقطاب وتجيند العناصر الجديدة، مع التركيز على العناصر الشبابية التي يسهل التأثير على عقيدتها ورؤيتها وصبغها بالمنهجية الفكرية التكفيرية، إذ إن الفئة الشابية لديها قدرة كبيرة وهائلة على الحركة والقيام بالمهام التنفيذية، مع ضمان عدم منافسة أي منهم لقائد التنظيم على سلطة القيادة أو الخروج على طاعته والانشقاق عليه فيما بعد.

قسّم همام عطية مكونه التنظيمي إلى 4 لجان تتولى كل منها مسئولية محددة، الأولى لتوفير الدعم المالي، والثانية لرصد الأماكن الحيوية وقوات الأمن، والثالثة لتوفير الدعم اللوجستي والمفرقعات، والرابعة لتنفيذ عمليات الاغتيال وزرع العبوات الناسفة بالمنشآت العامة، واستهداف رجال الشرطة.

عملت مجموعة اللوجستي على توفير المواد المفرقعة ودوائر التفجير الكهربائية، وأجهزة تحكم عن بُعد المتصلة بأجهزة الهواتف المحمولة، لاستخدامها في تصنيع العبوات الناسفة، بجانب الأسلحة النارية والذخائر، وقدمت مجموعة الرصد المعلومات والبيانات اللازمة عن مواقع عدد من الأكمنة الأمنية وأعداد قواتها وعدتها لاستهدافها.

وأعلن التنظيم عن وجوده رسميا في 24 يناير 2014، في بيان تحت عنوان "القصاص حياة"، متوعدًا بتوجيه ضربات لأجهزة الأمن، مرفقًا بمقطع فيديو يوثق 8 عمليات نفذها التنظيم من نوفمبر 2013 وحتى أبريل 2014.

وحول الرؤية الفكرية لـ"أجناد مصر"، اعتبر همام عطية، من خلال حوار بثته أحد الكيانات الإعلامية التابعة للتنظيم، أن الدولة المصرية ومؤسساتها كافرة وطاغوتية ووجب قتالها، وأن منهجيته تتفق كلية مع المرجعية الفكرية لتنظيم القاعدة، وأدبيات السلفية الجهادية، وأن القوة المسلحة تعد إحدى أدواته في تحقيق استراتيجية التغيير.

موضحًا أن "أجناد مصر" يحمل دلالة تاريخية، ويجمع بين خلاياه مؤهلات مختلفة ومتنوعة، ويضم لجانا وأجنحة متخصصة ومتطورة تمكنه من تنفيذ تحركاته بشكل مؤسسي، وأن استراتيجيته العسكرية تتمثل في التركيز على العبوات الناسفة، كونها السلاح الأنسب في المرحلة الأولى من مراحل "حرب العصابات"، وفق خطة التدرج في المواجهة.

نفذ تنظيم "أجناد مصر" 42 عملية، وفقًا لأرشيف نيابة أمن الدولة العليا، ليتم إدارجه في 24 مايو عام 2014 على قوائم الإرهاب المصري، وفي ديسمبر 2014 أدرجته الخارجية الأمريكية على قوائم الإرهاب الدولي.

كانت البداية الحقيقية لتفكيك البنية العنقودية لتنظيم "أجناد مصر" من خلال القبض على عضو التنظيم، ياسر خضير، في 15 أبريل 2014، عقب وضع عبوة ناسفة بالقرب من نقطة مرور بشارع الجلاء بالدقي، وخلال استجوابه أدلى باعترافات تفصيلية للأجهزة الأمنية ساهمت في القبض على عدد من القيادات الفاعلة مثل جمال زكي ومحمد توفيق وسعد عبدالرؤوف، وتمت إحالتهم إلى المحاكمة الجنائية بتاريخ 27 يوليو 2014.

أربكت تلك الواقعة حسابات همام عطية، ودفتعه للهروب وتغيير محل إقامته والانتقال إلى شقة بمنطقة فيصل بالجيزة، مع قيامه بإعادة تشكيل بنية الخلايا العنقودية مرة أخرى مراعيًا زيادة الاحتياطات الأمنية.

لكن خلال محاولة وضع قنبلة بالقرب من مقر مجلس الوزراء بقصر العيني، تم القبض على الإرهابي إسلام شحاتة في 11مارس 2015، وفي 25 مارس تم القبض على اثنين من عناصر إحدى الخلايا العنقودية، استهدفت قوات الشرطة المكلفة بتأمين سفارة الكونغو، والذين أمدوا الأجهزة الأمنية بمعلومات حول التطورت التي وضعها همام عطية لتأمين التنظيم من محاولة الاختراق الأمني وآليات تنفيذ عملياته المسلحة.

استخدم همام عطية بطاقة مزورة تحت مسمى "أشرف صالح سلامة" تهربًا من الأجهزة الأمنية، والمعلومات التي أدلت بها أفراد الخلايا العنقودية كانت بمثابة خيط للوصول لغرفة عمليات التنظيم بمنطقة الطوابق في فيصل.

في 5 أبريل 2015، تمكنت وحدة مكافحة الإرهاب التابعة لجهاز الأمن الوطني من اقتحام الشقة التي اتخذها مخزناً ومقراً ومركزاً للتنظيم، وبعد تبادل لإطلاق النار لفظ أنفاسه بعد أن اخترقت إحدى الرصاصات جدار قلبه.

عقب مقتل همام عطية، تم تنصيب أحمد جلال، عضو حزب النور السلفي، قائدا جديدا للتنظيم، والذي لقب نفسه بـ"عز الدين المصري"، وعمل على توريد الأسلحة اللازمة لبناء التنظيم واستعادة نشاطه مرة أخرى من داخل ليبيا، واتخذ من مجموعة من الشقق، بمناطق فيصل والهرم والبساتين وكرداسة والمعادي والرحاب، مقرًا لعملياته وتخزين الأسلحة.

وكشفت الأجهزة الأمنية أطراف الخلايا الجديدة التي شكلها أحمد جلال، وتم قتله خلال مواجهات نارية في شقة بمدينة الرحاب، وأنه كان يخطط لتنفيذ شبكة واسعة من التفجيرات داخل القاهرة، بعدما وجدت كميات كبيرة من المتفجرات في شقة فيصل التي حولها لمخزن رئيسي للسلاح وتصنيع المتفجرات، فضلًا عن تفكيك مخلتف خلايا "أجناد مصر" تباعًا من خلال القبض على العناصر الفاعلة في التنظيم.