رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«اللى بنى مصر» الوطن بين الانتماء والبيع


كانت فكرة المؤلف: ماذا لو عاد طلعت حرب للحياة الآن؟ كيف سيكون رأيه وموقفه؟! ذهبت إلى المسرح مع مجموعة من الأصدقاء والصديقات بإلحاح من الشاب الجميل مازن وبدعوة كريمة من مدير عام المسرح الأستاذ حلمى فودة، والذى حرص رغم الظروف التى تمر بها البلاد من أحداث إرهابية تتصاعد يوميا عبر القتل والتدمير والاعتداء على المنشآت.

على مسرح الشباب وعلى نيل مصر الخالد بجوار كوبرى الجامعة الذى يفصل بين ميدان النهضة الذى شهد القتل والتدمير والإرهاب والظلام من جماعات إرهابية لا انتماء ولا ضمير لها، يفصل بينه وبين طاقة للتنوير والإبداع: «المسرح العائم»، وقف أعضاء العرض الفنى الرائع «اللى بنى مصر» بقيادة المايسترو القدير محمود الجندى يعزفون سيمفونية بناء الوطن بالاعتماد على طاقاته البشرية وثرواته الطبيعية والمادية.

واستحضار روح طلعت حرب رمز بناء الصناعة المصرية من خلال نص كتبه المبدع الراحل محسن مصيلحى- شهيد حريق مسرح بنى سويف مع خمسين من زملائه المبدعين فى 5 سبتمبر 2005، هذا الحريق الذى كان عنوانا لنظام الفساد والاستبداد والتبعية فى عهد الرئيس المخلوع مبارك.

كانت فكرة المؤلف: ماذا لو عاد طلعت حرب للحياة الآن؟ كيف سيكون رأيه وموقفه؟! ذهبت إلى المسرح مع مجموعة من الأصدقاء والصديقات بإلحاح من الشاب الجميل مازن وبدعوة كريمة من مدير عام المسرح الأستاذ حلمى فودة، والذى حرص رغم الظروف التى تمر بها البلاد من أحداث إرهابية تتصاعد يوميا عبر القتل والتدمير والاعتداء على المنشآت. ورغم قلة الإمكانيات والدعاية حرص على خروج العرض إلى النور هو والفنان المخرج القدير الشاب المتمكن من أدواته إسلام إمام.فالمبدعون يؤمنون أن محاربة الأفكار الظلامية والإرهابية تكون بشمس التثقيف والتنوير بكل أشكاله بما فيها المسرح. عندما تفتح الستار تجد نفسك عبر ديكور وإضاءة حازم شبل فى وسط البلد: الباعة الجائلون يسدون الطرقات، الازدحام، الأصوات المختلطة من الباعة والمواطنين، الأغانى المتداخلة الشعبية والعاطفية والهابطة، أصوات المارة فى الشارع والجالسين على المقاهى. يتوسط هذا الميدان العريق تمثال طلعت حرب رمز الاستقلال الاقتصادى والتصنيع. طلعت حرب الذى أنشأ بنك مصر عام 1920 الذى كان أساسا لبناء صرح مصرى صميم يتمثل فى تأسيس شركات مصر لحليج الأقطان والغزل والنسيج فى المحلة وكفر الدوار، ومصر للطيران، واستوديو مصر الذى شهد العصر الذهبى للإنتاج السينمائى، غير عشرات الشركات فى المجالات المختلفة.يدور العرض بإيقاع سريع وبشكل شيق وخفيف الدم حول اختفاء تمثال طلعت حرب، ما بين رعب الموظفين والشرطة على اختفاء التمثال «العهدة»، وبين تجول طلعت حرب فى شوارع وسط البلد، ليصطدم بواقع الانفتاح وواقع بيع معظم القلاع العملاقة التى بناها! فعندما طلب شراء بدلة يلبسها من شركة بيع المصنوعات المصرية لم يجد شيئا جيدا مصريا واحدا، ووجد المحل مستخدما من قبل مديره فى بيع البضاعة الأجنبية. وعندما جلس على مقهى بوسط البلد لشرب الشاى وتجاذب الحديث مع الشباب وجد الانقسامات والاختلافات فى الرؤى، والأفكار المتطرفة يمينا ويسارا. وحينما ذهب إلى استوديو مصر الذى شهد عصر عمالقة الفن والسينما، عصر أفلام وفنانى الزمن الجميل إذا بالاستوديو يشبه الكباريه ويتم فيه تصوير الكليبات ضمن أفلام تجارية تحتوى على رقصة وضحكة وقفشة ونكتة وألفاظ بذيئة وملابس تكشف عن اللحم الأبيض أكثر مما تغطى، وأغان هابطة بلا هدف ولا معنى.

يسير طلعت حرب فى وسط البلد، وفى كل خطوة تزداد الحسرة ويزداد الألم، بل ويرتفع الضغط ويؤدى نزول طلعت حرب إلى موته ألف مرة فى كل خطوة. ويجسد الفنان الرائع محمود الجندى كل هذه الأحاسيس بصدق ينتقل إلينا لنفكر فى واقعنا الحالى: واقع سياسات الفساد وتعمد تخسير وتخريب القطاع العام وتفكيكه وبيعه وفق سياسات الخصخصة التى أوصى بها صندوق النقد والبنك الدوليين، وبدء تنفيذها بالذات منذ أوائل تسعينيات القرن الماضى تحت شعار إعادة هيكلة السوق لنتحول إلى بلد استهلاكى، مع القضاء التدريجى على إنتاجنا الصناعى والزراعى.تقضى سياسات الخصخصة والبيع على الشركات والبنوك والمصانع والأراضى، بل وتمتد إلى خصخصة الخدمات التى هى من حق المواطن الذى يدفع الضرائب مقابل هذه الخدمات: التعليم والصحة والغذاء والمسكن والوظيفة، وخصخصة النقل والكهرباء والمياه والصرف الصحى. بل وصل الأمر إلى محاولة خصخصة الخدمات الثقافية واعتبار الثقافة سلعة. سياسات أدت إلى احتكار الثروة والسلطة فى يد العصابة الحاكمة فى عهد ما قبل ثورة 25 يناير 2011. سياسات أدت إلى مزيد من الفقر والبطالة والمرض والجهل، سياسات أدت إلى نمو الأفكار المتطرفة والإرهاب فى المناطق الفقيرة. آن الأوان لثورة ثقافية وتعليمية تنويرية لمحاربة الإرهاب، فالإرهاب لا يتم القضاء عليه بالمواجهة الأمنية فقط بل بالثقافة والفن والتنمية الاقتصادية، بجانب خطاب دينى يشرح صحيح الدين المعتدل الوسطى المتسامح.كل التحية والتقدير لكل من ساهم فى تقديم هذا العرض: . ورسالة إلى رئيس البيت الفنى للمسرح الفنان القدير فتوح أحمد ووزيرى الثقافة والشباب والهيئة العامة لقصور الثقافة: لماذا لا يجوب هذا العرض كل أنحاء مصر وتفتح له أبواب مراكز الشباب وقصور وبيوت الثقافة فى المحافظات لنشر ضياء أشعة شمس الإبداع والتنوير. إلى كل الأصدقاء والصديقات: لا يفوتكم مشاهدة هذا العرض على المسرح العائم بجوار كوبرى الجامعة أيام الخميس والجمعة والسبت من كل أسبوع. لا تحزن ولا تتألم يا طلعت حرب، فمصر ولادة وشعبها العظيم مصمم على إعادة بنائها بعرق وأموال أبنائها. ثوار أحرار هنكمل المشوار.

■ الأمين العام للحزب الاشتراكى المصرى