رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التبليغ والدعوة.. الأسرار الفكرية لوجه جماعات العنف الوديع

التبليغ والدعوة
التبليغ والدعوة

فصيل قديم، بدا وكأنه يطرح نفسه بديلا لجماعات الإسلام السياسي التي انحسر تأثيرها في الشارع المصري بشكل واضح بعد سقوط جماعة الإخوان في 30 يونيه، وتنتشر مساجد الجماعة بشكل كبير في مصر وعدد من الدول الإسلامية، ويحاول أتباعها الظهور بشكل مسالم وديع، لا يهتم بالسياسة ولا بالعاملين فيها، مؤكدين على أن مهمتهم فقط تنحصر في الدعوة إلى الله من منظور خاص، رغم تورط عدد من قياداتها في أعمال عنف، قد لا ترى ريبا في وجود هذا الكيان طالما لا يمثل خطرا أو يضر أحدا، إلا أن ما خفي كان أعظم بكثير مما يظهر على السطح.. إنها جماعة التبليغ والدعوة التي تعمل في صمت يجعلها- بلا ريب- حاضنة سرية للفارين من جماعات العنف خاصة أنها تمارس التقية وتعتبرها أصلا من أصولها.. السطور التالية تلقي الضوء على الجماعة, تأسيسها وعقائدها وانتشارها وأبرز زعمائها، ومخاطرها.

نظرة تاريخية

 

لا يمكن الحديث عن جماعة التبليغ والدعوة أو "الأحباب" بمعزل عن سياق نشأتها ومحيطها الاجتماعي والمؤثرات التي دعت لتكوينها، فقد نشأت الجماعة في العاصمة الهندية دلهي وتحديدا في العقد الخامس من القرن الرابع عشر الهجري بعد سقوط الخلافة الإسلامية، وظهور الحركات الإسلامية التي تنادي بعودة الخلافة مرة أخرى، وتزامن ذلك مع ظهور الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية على يد أبي الأعلى المودودي، الذي تبنى " الدعوة لجميع أهل الأرض أن يستخلصوا الحكم الحاضر من الطواغيت المستبدة والفجرة الفسدة، وأن ينتزعوا الإمامة الفكرية والعلمية من ايديهم وينقلوها إلى ايدى المؤمنين المسلمين" (1).

 

ولا شك أن هذه النظرة لم تكن لغير المسلمين فقط بل طالت أيضا المسلمين والحكومات الإسلامية كلها التي لا تنضوي تحت جناح الجماعة مثلما كان الحال في منهج جماعة الإخوان المسلمين التي ظهرت في مصر بالتزامن مع هذه الجماعة الهندية والتي تتلاقى معها في أغلب أفكارها خاصة الحاكمية وأستاذية العالم.

 

التأسيس أمر نبوي مباشر

 

ويزعم الكندهلوي أن إنشاء الجماعة جاء بناء على أمر نبوي- مباشر- من النبي صلى الله عليه وسلم خلال رحلته التي زار فيها المدينة المنورة عام 1344هـ

وقد نقل عنه ذلك الشيخ محمد زكريا- أحد أبرز شيوخ الجماعة، فيقول:

 

" وفي هذا السفر أثناء إقامته بالمدينة أمر من قبر النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر بالتبليغ، أمره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إذهب إلى الهند، إننا نستعملك".

كان يقول الشيخ محمد إلياس: فمضت أيام في قلق واضطراب بأنني ضعيف لا أعرف إلقاء المحاضرات والخطب ولا أبين الكلام فماذا أعمل؟.

وبعد ايام ذكرت لأحد العارفين وهو الشيخ السيد أحمد رحمه الله الشقيق الأكبر لشيخ الإسلام أحمد المدني فقال، لا داعي للقلق، لأنه ما قيل إنك تعمل بل قيل: إنا نستعملك فيستعمل المستعمل فسكن القلب وبعد عودته إلى الهند بدأ حركته التبليغية"(2).

 

ويؤكد هذه الرواية أيضا ابو الحسن الندوي عن الكندهلوي والتي يشبه نفسه فيها بالأنبياء، فيقول:

انكشفت عليَّ هذه الطريقة، وألقي في روعي في المنام تفسير الآية: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾ [آل عمران: 110]، إنك أُخرجت للناس مثل الأنبياء" !!.

 

ويضيف: أقام الكندهلوي بعد الحج في المدينة المنورة، فكان يقول للشيخ: إني أمرت أثناء إقامتي في المدينة المنورة بالتبليغ، وقيل: نستخدمك، فقضيت أيَّاما في قلق واضطراب، كيف يقوم مثلي الضعيف بهذا العلم؟ فقصصت هذه القصة على عارف، فقال: لماذا أنت في هذا القلق؟ فما قيل لك أن تقوم بهذا العمل، وإنما قيل نستخدمك، فمن يرد أن يستخدمك فليستخدم" (3)


محمد إلياس الكندهلوي والديبوندية

 

يعتبر الشيخ محمد إلياس الكندهلوي مؤسس جماعة التبليغ أحد كبار مدرسة دار العلوم "الديبونيدية" التي كانت تدرس مذهب الأحناف، وكذلك الجشتية الصوفية، وقد أخذ إلياس البيعة على يد شيخه أحمد الكنكوهي أشهر علماء الديبوندية، وبعد وفاته أخذ البيعة على يد شيخه أحمد السهارنفوري، وهذا الأخير أجازه على مبايعة غيره على المنهج ، و كان محمَّد إلياس يجلس في الخلوة للتعبُّد عند قبر نور محمَّد البدايوني، وعند قبر قدوس الكنكوهي(4).

 

ويؤكد الشيخ محمد زكريا مؤلف كتاب "تبليغي نصاب أحد أهم مراجع الجماعة، انتماء التبليغ والدعوة إلى الديبونية التي خرج من رحمها عدد من الجماعات ومنها حركة طالبان فيقول:

 

"وعلى أية حال فإننا كجماعة نرى ضرورة التقليد في هذا العصر، كما نرى التصوف الشرعي أقرب الطرق للتقرب إلى الله تعالى، فالذي يخالفنا في هذين الأمرين التقليد والتصوف فهو بريء من جماعتنا وكلا المرين ذو أهمية بالغة في المذهب الديوبندي ..."(5).


تمويل الجماعة

 

وتعتبر كراتشي هي أكبر مصدر لتمويل نشاطات الجماعة في العالم،  تجمع من أموال الزكوات وزكاة الفطر وجلود الأضاحي وتبرعات رجال الأعمال، ورغم ذلك فيحاول قيادات هذه الجماعة نفي تلقيهم تبرعات أو إعانات لتمويل الشعبة المالية التي تعمل في الخفاء ولا توجد معلومات عنها ولا عن كيفية توفير نفقات الاجتماعات والحفلات الأسبوعية والشهرية والسنوية التي يشارك فيها الآلاف في مختلف أنحاء العالم، وكذلك رواتب أمرائها.

 

ويفتخر شيوخ الجماعة بعدم تلقيهم أو قبولهم للتبرعات إمعانا منهم في الظهور بمظهر الزاهدين في الدنيا، رغم اتهام العديد منهم بتكوين الثروات الضخمة في عدد من دول العالم أبرزها واقعة أمير الجماعة في المغرب والمتهم بالتربح غير المشروع.


التكفير في مصطلحات الجماعة

 

وتستخدم جماعة التبليغ والدعوة عددا من المصطحات الخاصة بها والتي تميزها عن غيرها، وهي تشبه في بعض الألفاظ بعض مصطلحات الصوفية التي تنتمي لإحدى فرقها وهي الجشتية، غير أن مدلولاتها تختلف تماما عن مصطلحات الصوفية ومن هذه المصطلحات:

 

الأغيار: وهو مصطلح عنصري، وإن كان يحاول أتباع الجماعة إطلاقه على غير المسلمين، في رحلات دعوتهم التي تستهدف دعوتهم للدخول في الإسلام، إلا أن المصطلح ينسحب أيضا على غير المنتمين لجماعة التبليغ من المسلمين باعتبارهم ليسوا على الدين الصحيح الذي يتبعونه، ومصطلح الأغيار يستخدمه الصوفية للدلالة على التوحيد ونفي الشرك بالله، فالأغيار لديهم هم "غير" الله تعالى وليس كما يذهب اصحاب الدعوة والتبليغ.

                                                                                                           

المستورات: النساء العاملات في جماعة التبليغ.

الاستراحات: وهي الأماكن التي ينطلقون منها في جولاتهم الدعوية يومي الأحد والثلاثاء من كل أسبوع حيث يشكلون الجولة على مجموعات من الأفراد قاعدتهم فيها: (لا تحرك ساكنا ولا تسكن متحركا)، ومعناها أنك لا تتكلم ولا تنكر على المدعو.

 

مساجد النور: ويطلقون على مساجدهم اسم مساجد النور

 

أبرز المؤلفات

من أشهر الكتب التي يحتفي بها أعضاء جماعة التبليغ ويعتبرونها مراجعهم الأساسية: (الأرواح الثلاثة) و(إمداد المشتاق) وتذكرة الخليل، وتذكرة الرشيد، والسوائح القاسمية، ‏وأشرف السوانح، ونقش الحياة، وأب حيات (أي ماء الحياة، وتبليغي نصاب (أي نصاب التبليغ)، ومنهج ‏التبليغ، وغيرها.‏


الانتشار في مصر والعالم الإسلامي


تنتشر الجماعة في الكثير من المحافظات خاصة محافظة الجيزة التي يقع بها أشهر مساجدها في طموه بمركز أبو النمرس، ويعتبر هذا المسجد أهم مساجد النور التي تسيطر عليها الجماعة فهو مركز توزيع المجموعات التبليغية للمحافظات.

 

كما ينتشر أتباع الجماعة أيضا بشكل كبير في كل من محافظتي الشرقية خاصة مشتول السوق مسقط رأس الشيخ فريد العراقي أبرز قيادات الجماعة والذي توفى منذ حوالي عشرة أعوام، وأقيمت صلاة الجنازة عليه بمسجد طموه، والتي شارك فيها قيادات الجماعة ومنهم الشيخ طه عبدالستار أمير الجماعة في مصر والشيخ عبدالمنعم عبدالله والشيخ حسن نصر.

 

وللجماعة أيضا عدد من المساجد في قرية دموه، وعدد من قرى محافظة الدقهلية وكفر الشيخ والبحيرة والإسكندرية وغيرها من محافظات الوجه البحري والصعيد، خاصة محافظة سوهاج مسقط رأس مؤسس الجماعة في مصر إبراهيم عزت.

 

وتقسم الجماعة مصر إلى سبع مناطق، تضم كل منطقة مجموعة حلقات، وكل حلقة تضم مجموعة مساجد، وهناك أمير لكل مجموعة، ثم يتم توزيع التشكيلات على مناطق غير المناطق التي يسكنون فيها.

 

أصول أخوانية

وكما ترتبط الجماعة بكل من أبو الأعلى المودودي مؤسس الجماعة الإسلامية في باكستان وابي الحسن الندوي اللذين تحتفي بهما جماعة الإخوان، وتعتبرهما من مراجعها، فقد ارتبط تأسيس التبليغ والدعوة في مصر ايضا بإحدى الشخصيات المنشقة عن الإخوان المسلمين وهو الشيخ إبراهيم عزت الذي اعتقل مرتين بسبب انتمائه لجماعة الإخوان وبعد أن أطلق سراحه أسس جماعة التبليغ والدعوة بمصر في قرية طموه بالجيزة بعد أن أعلن انشقاقه عن تنظيم الإخوان الإرهابي، وانطلقت دعوته من مسجد أنس بن مالك في مدينة الحوامدية بمحافظة الجيزة.


العنف لدى الجماعة

 

تركز الجماعة على الشحن العاطفي، وتشكيل القناعات نحو الفكرة الاسلامية، التي تفتقد إلى المراجع العلمية أو التأصيل الشرعي الصحيح، وهو الباب الذي تسربت منه افكار، جاهلية المجتمع، وتكفيره بفعل المعصية، ما يجعل الجماعة أرضية خصبة لاستقطاب الشباب للعمل المسلح والانخراط في الكيانات الإرهابية.

 

وقد أكدت الوقائع حدوث ذلك بالفعل ففي تحقيقات النيابة مع قادة فصائل الجهاد الإسلامي عقب اغتيال الرئيس محمد أنور السادات، تبين أن الكثيرين منهم بدأ التزامه الديني عبر جماعة "التبليغ والدعوة"، مثل عبود الزمر، كما أن مؤسس جماعة "التبليغ والدعوة" بالقاهرة، إبراهيم عزت، قد ألمح لمحمد عبدالسلام فرج المتهم الأول باغتيال الرئيس الأسبق السادات، ومؤلف كتاب "الفريضة الغائبة" بأنه مؤمن بمنهج تنظيم الجهاد، ولكنه لأسباب عديدة لا يمكنه الانضمام لتنظيم الجهاد، ولكن يمكن لتنظيم "الجهاد" أن يستقطب أعضاء "التبليغ والدعوة"، للعمل في صفوف تنظيم "الجهاد"، وكان نص كلامه حسب هذه الرواية "أنا أحضر لكم الناس من الشارع للمسجد، وأنتم تتولون الباقي"- بحسب التحقيقات.

 

-----------

هوامش:

 

(1)ابو الأعلى المودودي، حياته وفكره العقدي، حمد بن صادق الجمال، 108- 109.

(2)صقالة القلوب، محمد زكريا الكاندهلوي، 1930 194.

(3)انظر: الشيخ محمد إلياس ودعوته الدينية، للشيخ أبي الحسن الندوي

(4) انظر: المهند على المفند، لأحمد سهارنفوري

(5)فتنة مودويت، محمد زكريا، 126.