رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مرصد الأزهر يحذر من ابتزاز "داعش" الشركات المسئولة عن إعمار الموصل

جريدة الدستور

في الوقت الذي أعلنت فيه العديد من المواقع الإخبارية والصحف العالمية القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي، إلا أن هذا التنظيم يحاول من حين لآخر إثبات تواجده على أرض الواقع، حيث أوردت مجلة "foreign policy" الأمريكية، تقريرًا يشير إلى أنه على الرغم من أن تنظيم داعش فقد سيطرته على ما يقرب من 98 في المائة من الأراضي التي كانت يسيطر عليها في الماضي، إلا أن بعض التقارير أظهرت أن هذا التنظيم الإرهابي ينتوي العودة إلى بعض المناطق ذات الأغلبية السنية في العراق وسوريا، والسبب الرئيسي في هذا يعود إلى وجود صندوق لتمويل الحرب، فضلًا عن مهارته في تطوير مصادر جديدة للإيرادات.
جدير بالذكر أن هذا التنظيم اعتاد في الغالب الاعتماد على الأراضي التي كان يسيطر عليها، بما في ذلك المدن والمعاقل الحضرية من أجل جمع مليارات الدولارات، وذلك من خلال القيام ببعض العمليات اللّا إنسانية مثل الابتزاز والإتاوات والسطو على الممتلكات وبيع النفط، إلا أن هذا التنظيم أثبت قدرته على جني الكثير من الأموال حتى في فترة عدم قدرته على السيطرة على المراكز السكانية الكبيرة.
وأفادت المجلة بأنه في عام 2015، تمكن تنظيم داعش الإرهابي من جمع ما يقرب من 6 مليارات دولار، مما جعله حتى الآن أغنى تنظيم إرهابي في التاريخ.. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكن لجماعة متطرفة أن تجمع ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي للدولة القومية؟ والجواب هو أنه عندما سيطر هذا التنظيم بالفعل على هذه المنطقة كان هذا التنظيم يحصل على ثرواته من خلال ثلاثة مصادر أساسية وهي:
أولا النفط والغاز، والذي كان يشكل حوالي 500 مليون دولار في عام 2015.
ثانيا: الضرائب والابتزاز، حيث تمكن هذا التنظيم من جمع حوالي 360 مليون دولار في عام 2015.
ثالثا: نهب مدينة الموصل في عام 2014، حيث سرق هذا التنظيم حوالي 500 مليون دولار من الخزائن المصرفية.
وفي الوقت الحالي فقد هذا التنظيم الإرهابي معظم أراضيه، وتدهورت أوضاعه من السيطرة على الأراضي التي كانت تعادل تقريبًا مساحة بريطانيا العظمى إلى محاولة البقاء على قيد الحياة حول نهر الفرات.. ومع ذلك، فإن هذا التنظيم لم يعد يعتمد بشكل أساسي على الأرض من أجل بقائه اقتصاديًا، وذلك لأنه من المحتمل أن يكون قادة هذا التنظيم- الذين لا يزالون على قيد الحياة- هرّبوا ما يقرب من 400 مليون دولار من العراق وسوريا، وستسعى الشبكة الموسعة لهذا التنظيم لعمل غسل أموال لهذه المبالغ المالية من خلال شركات صورية في المنطقة، خاصة في تركيا، ويمكن تحويل بعض هذه النقود إلى ذهب وتخزينها للبيع في المستقبل.

يأتي هذا في الوقت الذي أصبحت فيه نفقات هذا التنظيم ضئيلة للغاية مقارنة بما كانت عليه منذ أكثر من عام، فليس هناك حكومة حقيقية مسئولة عن الرعاية الصحية، والتعليم، ودفع رواتب البلديات، والصرف على الأشغال العامة، بما في ذلك خدمات القمامة والصرف الصحي، لذلك فإن النقود التي تم جمعها ستوفر لهذا التنظيم ما يكفي من المال للبقاء كحركة إرهابية سرية لديها القدرة على شن حملة طويلة من حرب العصابات في جميع أنحاء العراق وسوريا، كما طور هذا التنظيم برنامجًا جديدًا من أجل جمع الأموال، من خلال مجموعة من الأنشطة الإجرامية الجديدة، وتشمل هذه الأنشطة، على سبيل المثال لا الحصر، الابتزاز والاختطاف من أجل الحصول على فدية من المواطنين والسطو والسرقة وتهريب المخدرات والاتجار في الآثار، كل هذه الأنشطة لا تتطلب السيطرة على مساحات من الأراضي، لكن هناك مخاطر مرتبطة بتمرد عدد من الأفراد الذين من الممكن من الناحية النظرية على الأقل أن يتم القبض عليهم.
وألمحت الجريدة إلى أنه بالإضافة إلى الأنشطة السابقة مثل الابتزاز وغيرها، فإن هناك طريقة أخرى ربما يتمكن بها تنظيم داعش من كسب المال دون الحاجة إلى السيطرة على الأراضي، وذلك عن طريق ابتزاز الشركات المسئولة عن إعادة إعمار الموصل وغيرها من المدن التي دمرها التنظيم.. ولقد أتقنت المنظمات الإرهابية السابقة لتنظيم داعش، مثل تنظيم القاعدة في العراق، فن ابتزاز شركات البناء والكيانات الأخرى التي تحاول المساعدة في إعادة بناء المدن والبلاد والقرى التي تحاول التعافي من سنوات من الصراع الطائفي الوحشي في العراق.
ومن المحتمل جدًا أن يكرر هذا التنظيم الإرهابي هذه العملية خلال السنوات القليلة القادمة، حيث يسعى المجتمع الدولي لمساعدة العراق وسوريا من أجل التعافي من ويلات الحرب الأهلية، لذلك فإن إعادة إعمار هذه المدن، التي مزقتها الحرب في العراق وسوريا، يمكن أن تكون هدفا استراتيجيا لتنظيم داعش، وربما تساعد هذه العملية في تمويل تنظيم داعش وعودته مرة أخرى على الساحة، وهو أمر يمكن أن تحققه داعش حتى دون السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي.
ووفقاً لتقرير صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في يوليو الماضي، تمكن هذا التنظيم الإرهابي من سيطرته على حقول النفط الموجودة في شمال شرق سوريا، واستطاع استخراج النفط لاستخدامه من قبل مقاتليه، وبيعه للسكان المحليين، لكن حتى بعد أن تمكنت القوات الأمريكية من استعادة هذه الحقول، سيعود هذا التنظيم بكل بساطة إلى الأنشطة الإجرامية التي لا تحتاج إلى السيطرة على أراضي بشكل مادي.. جدير بالذكر أن هذا التنظيم بدأ بالفعل في إعادة تنظيم صفوفه في أجزاء مختلفة من العراق وسوريا.. ففي كركوك في شمال العراق، قام مسلحون تابعون لتنظيم داعش ببناء نقاط تفتيش وهمية لنصب كمين لقوات الأمن العراقية التي تعمل في المنطقة، وفي أجزاء أخرى من العراق، بما في ذلك محافظة ديالى وصلاح الدين، تقوم خلايا نائمة تابعة لتنظيم داعش بمراقبة واستطلاع هذه المناطق لتحديد أفضل السبل للعمل قبل إعادة تنظيم تشكيلات صغيرة من المقاتلين.
من جانبه، أكد مرصد الأزهر الشريف أهمية إعادة إعمار العراق وغيرها من الدول التي طالتها ويلات الحروب، إلا أنه يحذر في الوقت ذاته من احتمال استغلال تنظيم داعش الإرهابي هذه الشركات، وذلك لأن هذه التنظيمات الإرهابية تتقن فن ابتزاز شركات البناء وغيرها من المؤسسات الأخرى.