رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معنى التجديد

جريدة الدستور

إن مصطلح التجديد تشعبت معانيه وتنوعت مضامينه مع بداية العصر الحديث لتنوع خطاب التجديد بين تيارات مختلفة المشارب والرؤى رغم اتفاقهم على ضرورة التجديد كمطلب ملح واشكالية حقيقة تواجه الأمة.

ومن هنا يعد مفهوم التجديد من المفاهيم الاشكالية فرغم أن المصطلح نوقش من زوايا مختلفة وبرؤى متباينة المواقع والأهداف لدرجة يظن معها المتابع العادى أنه مصطلح واضح وبين ومفهوم الا أنه فى الواقع يعد مصطلحا شائكا عسيرا على التجديد مثله فى ذلك مثل مصطلحات فلسفية أخرى كالحرية والحداثة والثقافة التى تظل بحاجة دائمة للفهم والتجديد لأنها تستعصى على معنى منضبط ونهائى.

ورغم كثرة استخدام المصطلح فى الخطاب الاسلامى المعاصر لدرجة أصبح فيها المصطلح مثار توهج وحساسية فى أن معا فان استعماله بتلوينات مختلفة تصل الى حد التناقض نتيحة التوظيف المذهبى مما أدى لغموض مصطلح(التحديد) بالتباسات متعددة لعبت دورا فى تلوينات تطور الخطاب الاسلامى.

ومصطلح تجديد كلمة لها أصولها الشرعية ومدلولها الواضح من خلال حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:(ان الله يبعث على رأس كل مئة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها)وهو ما عبر عنه الامام السيوطى وغيره ممن تناولوا حياة هؤلاء المجددين فى مؤلفات وقد استخدم المصطلح عنوانا للعديد من المؤلفات التى تناولت قضية الخطاب الدينى مثل كتاب (المجددون ف الاسلام)وغيره من الكتب التى تحمل نفس العنوان.

وتجديد الفكر كما عبر عنه معظم المعنيين بقضية الخطاب الدينى تعنى العودة للأصول دون وسائط تعوق التفكير الصحيح أو أوهام تحول دون الفهم السليم النابع من المصدر الرئسى القرأن والسنة وبهذا المعنى واجه المجددون الخرافات والبدع التى ألصقت بالدين وشوهت نقاءه.

وقد يكون التجديد تفاعلا مع الأحداث واحساسا برتابة الواقع وحاجته للتغيير وعودة الوعى من جديد بعد طول انقطاع أو انحراف عن الطريق السوى الذى سارت فيه الأمة فخلدت للتقليد واستنامت الى الراحة مكتفية بترديد مقولة:ان السابق لم يترك للاحق شيئا فقدست أعمال السابقين من رجال المذاهب والفرق فعكفت عليها شرحا وتعليقا ومتنا دون التعامل المباشر مع المصدر فانقطعت صلتها بالواقع وأحداثه وغاب عنهم الاحساس بعنصر الوقت والزمن.

والتجديد ليس انقطاعا عن تراث السابقين ولا قفز عليه ولكنه يكون ببحث هذا التراث ونقده لاستيعابه وتجاوزه الى أفق جديد يتناسب مع طبيعة العصر ومشكلات الوقت الراهن لمواجهة التحديات المفروضة على الأمة وهذا مانلمسهةفى عمل الأكاديميين الذين عكفوا على دراسة التراث الاسلامى بمختلف مدارسه الفكرية وتياراته المذهبية دراسة واعية لاستكشاف طبيعة العقل المسلم ومكوناته.

كما استخدم مصطلح(تجديد) بمعانى ومترادفات مختلفة منها الاصلاح النهضة التطور الاحياء وغيرها.وهذه المصطلحات استخدمت للتعبير عن مضمون التجديد على مدار ما يزيد على قرن من الزمان.ويبدوا أن مصطلح الاصلاح كان الأكثر قبولا فى التعبير عن معنى التجديد من مصطلح تجديد نفسه.

فرغم أن تجديد وردت فى الحديث النبوى ويقصد بها عودة الناس للأصول الصحيحة بعيدا عن البدع والخرافات فقد شاع مصطلح الاصلاح وذلك لما يحمله مصطلح تجديد من مضامين سلبية قد لا تكون مقبولة فى التعامل مع الخطاب الدينى وذلك أن كلمة تجديد توحى بمقابلها وهو القديم غير المرغوب فيه كما توحى بالاضافة والايجاد على عير نموذج سابق وهو معانى غير محمودة فى التعامل مع اصول الخطاب الدينى تهدف لطمس معالمه والعبث بأصوله بزعم تجديده وتطويره.