رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القيادة في الاسلام بين الحقيقة والاكاذيب (2 ـ 3)

جريدة الدستور

توقفنا في حلقتنا السابقة عند اجتماع الفقهاء حول قاعدة  تقديم الرجل القوي الشجاع - وإن كان فيه فجور - على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أمينا  وذلك في امارة الحرب مستندين لقول النبي صلى الله عليه وسلم { إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر . وروي بأقوام لا خلاق لهم } . ولنتوقف مليا عند هذه القصاصة من حديث طويل لنري ماذا فعل هؤلاء الفقهاء بديننا ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: هذا من أهل النار.

فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً، فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله، الذي قلت إنه من أهل النار، فإنه قد قاتل اليوم قتالاً شديداً، وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إلى النار. قال: فكاد بعض الناس أن يرتاب! فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت، ولكن به جراحاً شديداً، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله، ثم أمر بلالاً فنادى بالناس إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.

عزيزي القاريء تأمل معي الحديث بجملته فالنبي ينكر علي رجل مدعي للاسلام ولكنه  قاتل في صفوف المسلمين ببسالة ان يكون من أهل الجنة فيرتاب الناس ثم يتبين للناس صدق قول النبي ويعلموا ان هذا الرجل المستبسل لم يبدي نفس الاستبسال في الصبر علي جروحه وقتل نفسه  مرتكبا اعظم معصية وكان درس النبي لهم هو انه لا يدخل الجنة الا نفس مسلمة  فكل ما لعبه الرجل الفاجر في هذا الحديث هو التدليل علي صدق النبي في درسه الرائع للناس .

هل يمكنك يا عزيزي القاريء ان تستنبط من الحديث شيئا اخر؟ ..بالطبع لا .ولكن الفقهاء حملوا الحديث ماليس فيه وما يخرج تماما عن سياقه واقتصوا عبارة صغيره انشأوا بها فقه للابادة والقتل والتنكيل واغتصاب النساء والممتلكات..في جريمة في حق  البشرية جمعاء بتشوية دين بعيدا كل البعد عن هذا الفهم الشاذ وحتي تجتمع لدينا كل معطيات هذا الفقه الشاذ علينا ان نناقش  المثال الحي والوحيد الذي يتم الدفع به عند الحديث عن هذا الامر وهو استعمال النبي للصحابي خالد بن الوليد علي الرغم من انكاره عليه في بعض الامور .

  وقول النبي عنه: { إن خالد سيف سله الله على المشركين }  والسؤال هل النبي اعتمد علي خالد بن الوليد بشكل كلي في كافة غزواته ؟.الاجابة لا  بل قاتل خالد بن الوليد تحت امرة اخرون ووفق صلاحيات محدودة  ففي فتح مكة والذي اشرنا اليه آنفا وروح السلام التي سرت بين جموع اهل قريش  ومع ذلك رفع النبي  يديه إلى السماء بسبب خالد قائلا : { اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد } حينما أعتمد علي  خالد بن الوليد وارسله  إلى بني جذيمة فقتلهم وأخذ أموالهم دون حق!!  وأنكره عليه بعض من معه من الصحابة حتى وداهم النبي صلى الله عليه وسلم وضمن أموالهم .

 ومنذ هذا الحين كانت صلاحيات خالد في المعارك صلاحيات محدودة وهو ما يبرز بشدة في موقعة مؤتة فقد قدم عليه النبي ثلاثه من الصحابة هم زيد بن حارثةو جعفر بن ابي طالب وعبد الله بن  رواحة لامرة المعركة مع انهم دون خالد في الخبرة العسكرية والقوة والبأس فهل النبي لم يحط خبرا بما احاط به السادة الفقهاء من بعده ان القائد الفاجر مقدما علي الورع ؟!!!.فأين كان خالد في هذه المعركة فقد وضعه النبي كخيارا اخيرا بعد استشهاد القادة الثلاثه السابقين عليه وهنا تتجلي عبقرية النبي في ترتيبه لهؤلاء القادة .

 فقد طبق خالد  انسحابا تكتيكيا رائعا قلل من خسائر المسلمين في هذه المعركة ..وحينما جهز النبي في اواخر حياته جيشا للثأر من الروم لهذة الفاجعة ولي اسامة بن زيد وهو الشاب الصغير ليثأر لوالده فتكلم قوم وقالوا «يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين»، فغضب النبي محمد غضبًا شديدًا، فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال «أما بعد، أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في إمارتي أسامة، لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وأيم الله إن كان للإمارة لخليقًا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإنهما لمخيلان لكل خير، واستوصوا به خيرًا، فإنه من خياركم».

انظروا اعزائي القراء لاستعمال النبي الكريم للفظ خياركم وليس اشدكم او  افجركم!!! والسؤال لماذا لم يستعمل النبي خالد بن الوليد وهو الاقدر والاعنف للثأر من الروم خاصة انه ادار انسحابا رائعا في المعركة السابقة وقدم غلام صغير هو الاقل خبرة في مثل هذه المعارك ..الاجابة حملها لفظ خياركم . الحقيقة ان الاسلوب العنيف للصحابي الجليل الذي لا نقلل ابدا من مكانته كان مرفوضا من النبي صلي الله عليه وسلم ومن الصحابة ايضا وقد وصل عنفه الي مستوي غير مسبوق الي  الحد الذي يقتل فيه خصمه ويطهوه ويأكله !!!! .

ثم يزني بزوجته وهو ما رفضه عمر بشدة واراد اقامة الحد عليه غير ان الخلفية ابو بكر رفض ذلك واعتبره اجتهادا من خالد ! !!!!. فعن إبن أبي عون وغيره : أن خالد بن الوليد أدعي أن مالك بن نويرة إرتد بكلام بلغه عنه ، فأنكر مالك ذلك ، وقال :‏ أنا على الإسلام ما غيرت ولابدلت وشهد له بذلك أبو قتادة وعبد الله بن عمر فقدمه خالد وأمر ضرار بن الأزور الأسدي فضرب عنقه ، وقبض خالد إمرأته ، فقال لأبي بكر‏:‏ إنه قد زنى فإرجمه ، فقال أبوبكر :‏ ما كنت لأرجمه تأول فأخطأ ، قال :‏ فإنه قد قتل مسلماًً فإقتله ، قال :‏ ما كنت لأقتله تأول فأخطأ ، قال :‏ فإعزله ، قال :‏ ما كنت لأشيم ‏ ‏لأشيم‏ :‏ أي لأغمد ، والشيم من الأضداد يكون سلاً وإغمادا‏ً ، سيفاً سله الله عليهم أبداً.

وفي رواية اخري فلما دخل المسجد قام إليه عمر بن الخطاب فإنتزع الأسهم من عمامة خالد فحطمها وقال :‏ أرياء قتلت أمراً مسلماًً ، ثم نزوت على إمرأته ، والله لأرجمنك بالجنادل وخالد لا يكلمه ولا يظن ألا إن رأي الصديق فيه كرأي عمر ، حتى دخل على أبي بكر فإعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه ما كان منه في ذلك ، وودى مالك بن نويرة ، فخرج من عنده وعمر جالس في المسجد ، فقال خالد‏ :‏ هلم إلي : يا إبن أم شملة ، فلم يرد عليه وعرف أن الصديق قد رضي عنه‏.‏

وفي رواية تظهر لنا موقف الصحابي ابو قتادة :أخبرنا : عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري : أن أبا قتادة ، قال : خرجنا في الردة حتى إذا انتهينا إلى أهل أبيات ، حتى طلعت الشمس للغروب ، فأرشفنا اليهم الرماح ، فقالوا : من أنتم ، قلنا : نحن عباد الله ، فقالوا : ونحن عباد الله ، فأسرهم خالد بن الوليد ، حتى إذا أصبح أمر أن يضرب أعناقهم ، قال أبو قتادة : فقلت اتق الله يا خالد فإن هذا لا يحل لك ، قال : اجلس ، فإن هذا ليس منك في شيء ، قال : فكان أبو قتادة يحلف لا يغزو مع خالد أبدا ، قال : وكان الأعراب هم الذين شجعوه على قتلهم من أجل الغنائم ، وكان ذلك في مالك بن نويرة.

وللحديث بقية


*صيدلي وماجستير في الكيمياء الحيوية
كاتب وباحث مصري