رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إعادة تموضع الإرهاب.. أفغانستان النموذج

جريدة الدستور

لماذا استمرت الحرب في أفغانستان طوال هذه العقود؟
كيف أثرت القوميات الأفغانية وصراعاتها في اشتعال الإرهاب؟
ما حجم استفادة قيادات القوميات هذه من الصراع ؟
هل ساهم ما يعرف بـ(الأفغان العرب) في تأجيج الإرهاب في أفغانستان؟
ما تأثير الصراع الدولي على ارتفاع مؤشر التطرف؟
هل أدى ظهور حركات راديكالية في دول الاتحاد السوفيتي (سابقًا) إلى استمرار الصراع الأفغاني؟
كيف أثر استقطاب دول أجنبية وإقليمية للقوميات والطوائف الأفغانية وتمويلها وافتتاح مكاتب لتنظيماتها في عواصمها في استمرار الإرهاب حتى الآن؟

نشر مركز اعتدال المعني برصد وتحليل الفكر المتطرف واستشرافه للتصدي له ومواجهته والوقاية منه، تقريرا مؤخرا عن أوضاع التنظيمات الإرهابية داخل أفغانستان بعنوان "إعادة تموضع الإرهاب.. أفغانستان النموذج" مقدما شرحا تفصيليًا لبدايات التنظيمات الإرهابية داخل أفغانستان وأدوار العنف التي لعبتها في السنوات العشر الأخيرة، وقصة ظهور حركات إرهابية مثل القاعدة وداعش داخل إطار عدد من القوميات العرقية الأفغانية. 

وقال التقرير "تشترك أفغانستان بحدود تصل إلى 1000 ميل مع كثير من دول منطقة آسيا الوسطى التي أعلنت استقلالها عن الاتحاد السوفيتي عقب تفككه في 26 ديسمبر 1991 وإقرار مجلس السوفييت الأعلى في بيانه المسمى (H-142)، وما أعقب ذلك من ظهور حركات راديكالية متطرفة في عدد من هذه الدول التي تربطها حدود مشتركة مع أفغانستان، مثل أوزبكستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، خاصة في منطقة (وادي فرغانة) بين هذه الدول الثلاث، لا تقل خطورة عن تنظيم القاعدة أو داعش، مثل أدولت «Adolat» أو «العدل»، والحركة الإسلامية لأوزبكستان (IMU)، وجنود الخلافة (JaK)، وجند الخلافة (ETIM)، وهي تنظيمات اشتركت في الحرب الأهلية الطاجيكية (1992- 1997)، وسعى بعضها إلى الإطاحة بالحكومة الأوزبكية في 1999". 

أفغنستان قبل الإرهاب 

وأشار التقرير "كما شكل الغزو السوفيتي لأفغانستان (1979 –1989) عنصرًا جاذبًا للحركات الراديكالية في آسيا الوسطى ومنطقة الشرق الأوسط والعالم، وقادت حالة السيولة السياسية وغياب الدولة نتيجة الصراع بين القوميات التي تصل إلى 21 قومية تتمركز الفارسية منها في المنطقة الوسطى، والأوزبكية - الطاجيكية في الشمال، وعلى الحدود الباكستانية في المنطقة الجنوبية القومية الباشتونية- إلى أن تتحول أفغانستان إلى قبلة لهذه الجماعات التي اختارت مقاطعاتها المختلفة (قاعدة) لعقد الصفقات، وإعادة التنظيم، والتشكيل، والاتفاق على الأدوار التي تؤديها كل جماعة في منطقة الشرق الأوسط والعالم". 

وحول وضعية المجتمع الدولي وتعامله مع الملف الأفغاني قال التقرير: "بات المجتمع الدولي عوضًا عن الشعب الأفغاني نفسه مهددًا وفق أجندة كل تنظيم، الحد الذي راح ضحية الصراع القائم بين الدولة الأفغانية وعناصر التنظيمات المتطرفة فيها وخلال عام 2017 فقط نحو 10400 مدني، أكثر من 30 في المئة منهم أطفال- وفق تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (OCHA)- إضافة إلى ما لا يقل عن 445 ألف أفغاني تحولوا في 2017 إلى نازحين". 

وفي 2001 كشفت الجغرافية الأفغانية مدى تلمس صناع القرار العالمي خطورة هذا التمدد والتموضع للتنظيمات المتطرفة، وهو ما قاد إلى تحرك واشنطن بشكل سريع وعاجل للحضور في المشهد الأفغاني عقب تعرضها لأحداث 11 (سبتمبر) 2001، رغم بعد المسافة ما بين واشنطن وكابول. 

القوميات والصراع العرقي 

وبين التقرير الصراع في فترات مختلفة بين قيادات القوميات الأفغانية المختلفة مثل: برهان الدين رباني أحمد شاه مسعود (طاجيك) حكمتيار (بشتوني) دوستم (أوزبكي) - والذي أدي إلى اجتزاء واقتتال الأفغان، لتتوغل التنظيمات المتطرفة بعدها في عباءة هذه القوميات على حساب الدولة، لتشعل صراعات ما زالت حتى اليوم تعاني ويدفع ثمنها يومًا بعد آخر الشعب الأفغاني. 

إن الإرهاب لم يهاجم أسلوب الحياة في أفغانستان فقط، بل عمد إلى اختطاف الدولة جنبًا إلى جنب مع محاولة اختطاف مقدراتها الطبيعية، بهدف تمويل أعمال تلك الجماعات والتنظيمات للسيطرة على المشهد الدموي النازف في أفغانستان، في محاولة لتفكيك المجتمع الأفغاني، وضمنًا السيطرة على مقدرات هذا الشعب من ثروات تم الكشف عنها مؤخرًا تتجاوز الأربع ترليون دولار، ليقيم اقتصادًا موازيًا لتمويل أنشطته وأهدافه الإرهابية ليس في أفغانستان وحدها بل في كل دول العالم.

العودة...وفزع الانهيار

وحول عودة تنظيمات العنف والإرهاب وتصدير افكارها من افغنستان إلي الدول المختلفة قال التقرير: أدى تهديد التنظيمات الإرهابية بإعادة تموضعها داخل أفغانستان مجددًا إلى فرار أكثر من خمسة ملايين أفغاني يعيشون الآن كلاجئين في إيران وباكستان - 2.7 مليون منهم بدون تسجيل أو وضع قانوني واضح بحسب الأمم المتحدة – عوضًا عن 479 ألف أفغاني تحولوا إلى نازحين، في محاولة مستميتة من هذه التنظيمات لإجهاض مستقبل الدولة الأفغانية التي تسعى بكل أدواتها نحو التعافي من أوضاع ظلت خلالها تحت وطأة هذه التنظيمات وأسلوبها القاتل في إدارة الحياة. 

وأشار التقرير أن كل من حركة "طالبان" و" القاعدة"، و"داعش" فرض واقع جديد في أفغانستان قائم على زيادة عدد الهجمات الإرهابية، ورفع أرقام الضحايا، ورسم صورة ذهنية تبرز وجود بيئة أفغانية حاضنة للتطرف، وتوظيف هذه الصورة في تهديد المجتمع الدولي للضغط في اتجاهات استراتيجية محددة، وإعاقة تحرك البلاد نحو المستقبل، والتغول في إشعال الحروب والصراعات عبر معارك دموية مع الحكومة الأفغانية لتهديد أمن الأبرياء، والتناحر مع تنظيمات منافسة على حساب حياة ملايين الأفغان الذين يأملون بحياة خالية من رائحة البارود ومشاهد القتل، وجميعها مؤشرات ودلالات على إصرار هذه التنظيمات في رسم صورة ذهنية من شأنها إثارة علامات الخوف لدى المجتمع الأفغاني، لإحكام سيطرتها عليه، والاستيلاء على مقدراته. 

فقدان طالبان الحكم وإعادة تدوير الصراع 

وبخصوص فقدان طالبان الحكم والأرض وانحسار سيطرتها على أفغانستان،قال تقرير مركز اعتدال أن طالبان  عمدة مجددًا إلى تفجير الأوضاع داخل الساحة الأفغانية بهدف إشاعة الفوضى والقضاء على الأمن، ومنح الفرصة لعناصر الحركة في السيطرة والتمدد بعدد من الجغرافيات الأفغانية. ويرى المراقبون للشأن الأفغاني إن التساهل في عقد مفاوضات جزئية مع حركة طالبان في بعض الفترات من قبل مسؤولين محليين، كان دافعًا للحركة نحو تحقيق مطامع أكبر، خاصة مع إطلاق سراح الآلاف من عناصرها خلال العامين الماضيين، وعودتهم إلى ممارسة نشاطهم السابق في إرهاب المجتمع، معتبرين أن هذا التساهل وفر للحركة خيارات عدة لمنصات الدعم المالي عبر استغلالهم موارد المناطق التي يسيطرون عليها لخدمة أنشطتهم وتمويل عملياتهم. 

وفي ختام التقرير أشار إلي تراجع القاعدة في أفغانستان وتأخر موقعها في خانة الدفاع عن نفسها بعد أن كانت أكبر التنظيمات ذات النفوذ هناك، بسبب إنفراد حركة طالبان بتصدر المشهد الدموي، في ظل محاولات موازية لتنظيم داعش نحو إيجاد موطئ قدم جديد له في أفغانستان، لتحويلها إلى منصة لإعادة لملمة عناصره عقب ما يتعرض له الآن من ضربات متلاحقة في العراق وسوريا، والفوز بنصيبه في موارد الدولة الأفغانية، مما ساهم في اشتعال حرب دموية واسعة بين التنظيمين تهدف للسيطرة على البلاد منذ 2015، وحولها إلى منصة لانطلاق عمليات إرهابية واسعة في العالم.