رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«كتب صناعة الإرهاب».. زاوية جديدة لفقه الدم (8)

جريدة الدستور

وصف النبي صلى الله عليه وسلم المسلم بأنه من سلم الناس من لسانه ويده، ووصفه ربه بأنه رحمة للعالمين فقال تعالى:"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ"، لكن "سيد إمام" المؤسس والمفتى الأول لتنظيم "القاعدة" والطبيب والجراح المصرى كان له رأى آخر؛ الذي وضع كتابا بعنوان "الإرهاب من الإسلام ومن أنكر ذلك فقد كفر".

عنوان صادم يصنع صورة مشوهة عن الإسلام وهذا ما صنعه "عبد القادر عبد العزيز" الاسم الحركى لأبى الفضل "سيد إمام" فى كتابه " الإرهاب من الإسلام ومن أنكر ذلك فقد كفر"؛ حيث يقول المحيطون به أن فصول الكتاب لم تكتمل إذ قبض على "سيد إمام" فى شهر أكتوبر عام 2001م بصنعاء وتم ترحيله لمصر فى فبراير 2004م.

الكتاب جاء تعقيباً على تباكى الناس وتعاطفهم مع مئات القتلى والجرحى أثر أحداث 11 سبتمبرعام 2001م فى الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يرى "سيد إمام" أن وسائل الإعلام المختلفة نشرت تصريحات كثيرة لرجال السياسية، والدين والإعلام حول هذه الأحداث التي وصفها "سيد إمام" بأن فيها مخالفات ومغالطات شرعية، بل وضلالات وكفر مبين، والكتاب يعيد تأسيسا وتأكيدا لشرعنة تكفير وقتال العالم كله.

الإرهاب من الإسلام ومن أنكر ذلك فقد كفر:

يرى سيد إمام أن أول هذه المغالطات التى يجب التنبيه عليها هو كون الإرهاب الإسلام، وراح يدلل على ذلك فقال: وذلك لقوله تعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم )، فإرهاب الأعداء الكفار واجب شرعي بنص هذه الآية ومن أنكر ذلك فقد كفر لقوله تعالى ( وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون )، والجحد هو الإنكار والتكذيب باللسان، وقال تعالى ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذّب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوىً للكافرين ) [ العنكبوت] ، فمن قال إن الإسلام برئ من الإرهاب أو أراد التفريق بينهما فقد كفر، فالإرهاب من الإسلام، وبهذا تعلم أن الذين يقولون إنهم يريدون أن يحاربوا الإرهاب إنما هم يريدون محاربة الإسلام على الحقيقة، وأن مكافحة الإرهاب تعني مكافحة الإسلام، وإنما هم يلبسون الحقائق على الجهلة.

والحقيقة أن الآية التى استدل بها سيد إمام على فكرته وهى قوله: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)، لا تعنى سوى الأمر بتكوين جيش يحمى الدولة ويدافع عنها فهل عمل الجيوش وأنشائها إرهابًا أم ضرورة ترد من يريد الإرهاب، كما فات سيد إمام أن الأمر لمن يقود الأمة المتمثل فى الدول وليس فى الأفراد التى تكون عصابات تصنع الإرهاب بالفعل.

أمريكا دولة كافرة عدوة لله ولرسوله وللمؤمنين:

بعد التأسيس السابق للفكرة الزائفة بأن الإرهاب من الإسلام هكذا على اطلاقه تأتى الفكرة الثانية، وهى كون أمريكا دولة كافرة، ومن ثم تستحق الحرب والعداوة برغم أن الإسلام لم يجعل الحرب من أجل الكفر وإنما من أجل العدوان، لكن "سيد إمام" كعادته يقحم كتاب الله تعالى ويجعل كلامه هو وكأنه الدين من خلال هذا الاقحام إذ يقول أن رؤية القرآن لهؤلاء الكفار متمثلة فى قوله تعالى:( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون )، وقال( إن الكافرين كانوا لكم عدواً مبيناً )، وما دامت أمريكا كافرة عدوة فإرهابها واجب.

تحريم الحزن على ما وقع للأمريكان وتحريم مواساتهم :

يواصل "سيد إمام" هرطقاته فيرى أنه لا يجوز الحزن ولا الأسى ولا المواساة للشعب الأمريكي، ويقول بنص كلامه: هذا لا يجوز في دين المسلمين ، بدليل قول الله تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم ( فلا تأس على القوم الكافرين)، وقوله تعالى لموسى عليه السلام ( فلا تأس على القوم الفاسقين )، ولما انزل الله عذابه بأهل مدين فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين قال نبيهم شعيب عليه السلام ( فيكف آسى على قوم كافرين )، فهذا دين الأنبياء تحريم الأسف والحزن على ما ينزل بالكافرين من العذاب والمصائب والكوارث والزلازل ونحوها.

خطأ تسمية الدول الغربية بالعالم المتحضر:

يرى "سيد إمام" أن تسمية أمريكا والدول الأوربية بالعالم المتحضر خطأ فيقول: تسمى أمريكا والدول الأوروبية أنفسها بالعالم المتحضر، وغرّهم في ذلك تقدمهم في العلوم الدنيوية والتكنولوجيا ،فتسميتهم أنفسهم بالعالم المتحضر هو من باب قلب الأسماء وعكسها، كما قال تعالى ( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ) [ المائدة ] في حين وصفهم الله تعالى بالمغضوب عليهم والضالين، فليس صحيحاً أنهم العالم المتحضر بل هم أهل الضلال والظلمات والنجاسات وهم أولياء الشيطان ومملكة إبليس.

الشرعية الدولية طاغوت معبود من دون الله:

يصر سيد إمام على تكفير العالم كله وجعله يقف تحت مظلة الكفر حتى يتثنى له محاربته فيقول: ويدخل في طاغوت الحكم الشرعية الدولية المزعومة، والقوانين الوضعية، والدساتير الوضعية، وكل من وضعها أو حكم بها . فكل من تحاكم إلى هذه أو رضيها فهو كافر، وكل من قاتل في سبيل تطبيقها فهو كافر لقوله تعالى ( والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت) النساء .

القوانين الوضعية والديمقراطية كفر:

يؤكد سيد إمام فى هذا الكتاب ما سبق أن طرحه فيما سبق من كون القوانين التى تحكم البلاد الإسلامية مع نظام الديمقراطية هى بمثابة دين جديد ويجعله باباً يحكم به على كل البلاد بالكفر فيقول: ولا أعلم بلداً سلم من الحكم بالقوانين الوضعية لا السعودية ولا غيرها، وأدنى ذلك الترخيص للبنوك الربوية وفيه إباحة للربا، فكيف بالقوانين التجارية وقوانين العمل والعمال والعقوبات الوضعية وكلها قوانين مخالفة للشريعة، وكيف بإسقاط الحدود الشرعية جملة في معظم البلاد التي تزعم أنها إسلامية.