رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شيخ الأزهر: «فلسفة الصدفة» عند الملحدين نظرية خيالية شاذة

شيخ الأزهر
شيخ الأزهر

قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إنَّ فلسفة الصدفة التي لجأ إليها الملحدون لضرب فكرة الألوهية ومحوها، هي نظرية خيالية وتصور شاذ؛ حيث فندها الفلاسفة بناءً على أن الصدفة تنتهى إلى استحالات عقلية، موضحًا أنهم خلصوا إلى استحالة عقلية أخرى وهي أن الشيء وجد من غير مُوجد وهو ما يعرف بمبدأ «السببية».

وبيّن خلال برنامج "الإمام الطيب"، أن الدَّليل الرياضي الذي يحيل مقولة الصدفة وينسفها من الجذور هو دليل «حساب الاحتمالات»، الذي يتلخص في خطوات ثلاث أولها أننا نشاهد في الكون انسجامًا مطَّردًا بين كل ظاهرةٍ من ظواهر الطَّبيعة وبين حياة الإنسان، ولو حدث أيّ اضطرابٍ أو تغييرٍ في هذه الظواهر إنَّما يعني توقُّف هذه الحياة ونهايتها الفوريَّة.

وتابع: الخطوة الثانية هي أن هذا التَّوافق والانسجام المطَّرد بين ملايين الظَّواهر الطَّبيعيّة من جانبٍ ومهمَّة تيسير حياة الإنسان من جانبٍ آخر يمكن تفسيره بفرضيَّة واحدة فقط؛ هي وجود صانعٍ حكيمٍ قصد إلى توفير عنصر الحياة على الأرض من خلال تشابك هذه الظَّواهر العديدة، لافتًا إلى أن الخطوة الثالثة هي أنه في مقابل ذلك لو حاولنا تفسير كلّ هذه التّوافقات في أمثلتها اللّانهائيّة بفرضيّة الصّدفة؛ فسوف نضطرّ إلى افتراض ملايين الملايين من الصّدف، ومع كلّ حالةٍ أو مثالٍ سوف تهبط درجة الاحتمال حتى تصبح صفرًا.

وأشار الإمام الأكبر، أنه مع صعود احتمال فرضية الصّانع وهبوط احتمال فرضية الصدفة يرجّح العقل الاحتمال الأول وهو وجود خالق لهذا الكون، ويستبعد كليًا الاحتمال الثاني وهو الصدفة في خلق الكون، مؤكدًا أننا سنصل في النَّهاية إلى النتيجة القاطعة؛ وهي أن للكون صانعًا حكيمًا.

وأكد الإمام الأكبر أن العقيدة الصَّحيحة تعني الإدراك الجازم المطابق للواقع، الإدراك الذي لا يقبل الشك، وفي أوروبا أوهموا الناس أن الأديان هي مشكلة الحياة المعاصرة، وأنه لا بد من استبعاد الأديان وأن نلقى عليها رداء النسيان حتى تستريح الناس وتسلم، وهذا كلام خطأ لأن الحربين العالميتين اللذَين قاربت ضحاياهما المائة مليون شخص لم يكن الدِّين له فيها ناقة ولا جمل بل كادت حرب حضارة.

ونوه الإمام الأكبر، أن الأوربيين بعد عقد الموؤتمرات اتضح لديهم أن الناس لا يزالوا متمسكين بالأديان، فقرروا ان تكون بعيدة عنهم فنقلوها إلينا، وقالوا إن الحل أن نجعل كل دين من الأديان لا يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة، بما يعني التنازل عن جزء من الدين، وهذا الباب لو فتح سيكون الكل ملحد ولن يثبت دين واحد.

ولفت إلى أنه قال في أوروبا قبل ذلك وفي ألمانيا والبرتغال إنه لا يمكن أن يكون المسيحي مسيحيًّا متدينًا وهو يشك فى أصول دينه، وأنا أيضًا لا يمكن أن أكون مسلمًا متدينًا إذا كان لدي شك في ديني، مؤكدًا أن التشكيك في الأديان يجعلها في مهب الريح، لأن الاعتقاد شعور فلا تبحث عنه ولا ترقى به لمنصة العقل، والحل هنا أن يعتقد كل مؤمن بدين أن دينه هو الحق الذي لا حق سواه، مع ضرورة التسامح واحترام الآخر، وأن يتمسك كل شخص بعقيدته تمسكًا لا تفريط فيه ولا شك، لأن الإيمان الصحيح هو اعتقادٌ يجب أن يرقى إلى رتبة العلم التي هي أعلى مراتب اليقين.

وتطرق الإمام الأكبر خلال حديثه إلى العقيدة، إذ أكد أن العقيدة في الإسلام ترادف الإيمان، و«العقائد الإسلاميّة» الّتي جاء بها القرآن الكريم وزادتها الأحاديث الصّحيحة من سنة الرسول تفصيلًا وشرحًا، هي: الإيمان بالله تعالى، الإيمان بالرّسل، الإيمان باليوم الآخر، أو ما يسمى بـ "الإلهيَّات، والنُّبوَّات، والسَّمعيَّات".

ولفت إلى أن الإلهيات تتناول كل المسائل المتعلقة بالله؛ وبوجوده وصفاته وأسماءه وأفعاله والقضاء والقدر؛ أما النبوات فتتناول تعريف النبي والرسول والفرق بينهما، وما هي المعجزة، وما الفرق بين المعجزة والسحر والكرامة، وكل مايتعلق بالنبوة بشكل عام وما يتفرع عنها من مسائل؛ ثم ننتقل بعد ذلك إلى السمعيات ومباحث الآخرة أى ما بعد الموت مثل الحساب والعقاب والصراط والجنة والنار.

وأكد الإمام الأكبر أن دائرة الإلهيات سميت بذلك لأنها تتعلق بالله تعالى، ومن الممكن أن يصل الإنسان بنظره العقليّ إلى إثبات وجود الله، وإثبات ما يليق به من التوحيد، ومن صفات الكمال والتنزيه، ولكن لا يمكن لهذا العقل أن يصل إلى إدراك الذّات الإلهيَّة ومعرفة حقيقتها وكنهها، وكذلك دائرة النبوات تخضع للدليل العقلي ويأتي الدليل النقلي معضدًا للعقلي الذي يعد المنطلق، أما السمعيات فلها نهج خاص في إثباتها واعتقادها والإيمان بها، فهي أمور غيبية تقع وراء المعرفة الإنسانيّة بكلّ وسائلها المعروفة من الحسّ والعقل والفطرة.