رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مراجعات حسن الهلاوي».. قضية الفنية وبدايات أفكار الجهاد (1- 3)

جريدة الدستور

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مراجعات الجماعات الإسلامية في السجون المصرية ولم يلتفت أحد إلى متى كانت بدايتها ؟! وما أهم التحولات التي دفعت بعض الشخصيات لتبنيها والحديث حولها؟!.

ما هي المحطات الفكرية التي تدفع جماعة ما أو شخصا إلى التحول وقراءة ما فعله في الماضي من عنف وممارسة ضد الدولة والمجتمع وتجعله بعد فترة ينبذ العنف والتطرف، ويعلن ذلك على الملأ ثم يندمج مرة أخري في داخل مجتمعه الأصلي بعد نزوحه فترة من الوقت إلي العنف والغلو والتطرف ؟!.

من هذه الشخصيات التي لم يتوافر لها حيز مناسب من الدراسة مؤسس تنظيم الجهاد في الستينيات من القرن الماضي "حسن محمد أحمد الهلاوي "والذي أحدثت بعض التحولات الفكرية لديه نقلة نوعية في عقليته ووجدانه أثرت في محيطه التنظيمي والفكري، جعلته ينبذ العنف والتطرف ويفضح ممارسات الإرهاب السابقة.

مر الهلاوي بأهم مرحلة في تاريخ التشدد والغلو في العصر الحديث، فأسس تنظيم الجهاد مع مصطفي يسري من مجموعة القاهرة، وناظر شكري مصطفي زعيم التكفير والهجرة في بدايات عام 1975م، لتحاول جماعة شكري مصطفي التخلص منه عن طريق ما عرف حينها بـ"الكتيبة الخضراء" في حوادث شهيرة لضرب المنشقين، ليدخل السجن في قضية اقتحام السفارة القبرصية بالإسكندرية كمفتي للتنظيم، ليهرب بعدها من السجن، ثم ناظر وهو علي أرضية السلفية الجهادية زعيم السلفية العلمية في العالم العربي الشيخ ناصر الدين الألباني عندما هرب إلي الأردن في أواخر عام 1979م، ليرحل بعدها إلى ضروب الجهاد الأفغاني والسجالات الفكرية مع الإيرانيين بعد ثورتهم ليتم القبض عليه بعد هذه الرحلة الطويلة ويناظر مجموعات التشدد في سجون مصر في آخر المطاف ويعقد جلسات حوارية في ندوة للرأي مع علماء الأزهر تناقلتها جميع أجهزة الإعلام المصرية والعربية حينها فيما عرف بـ"حوارات التائبين" وكان أبرزهم حسن الهلاوي وعبدالله بدر الداعية الذي حكم علية في قضية سب وقذف الفنانة إلهام شاهين فيما بعد، ثم عبدالناصر عبدالعليم أحمد درة أصغر المتهمين في قضية اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات وأحمد راشد أمير العائدون من أفغانستان وأحمد الخولي أمير تنظيم الشوقيين في الفيوم، لتكون البداية والنواة الفكرية الحقيقية للمراجعات الفكرية في السجون المصرية، والتي واجهتها جماعات التشدد والتطرف في السجون بكل شدة وحزم حينها.

وبصرف النظر عن النتائج السلبية والإيجابية التي تخص هذا القضية لكن من الواجب دراستها بشكل جيد عند التعامل مع المراجعات الفكرية سواء داخل السجون والمعتقلات أو من خلال الأجهزة والمؤسسات الدينية التي تعمل على هذا الملف.


بدايات.. "حسن الهلاوي" 
ظهر حسن محمد أحمد الهلاوي الشهير بـ "الشيخ الهلاوي"، أحد مؤسسي تنظيم الجهاد في محافظة الجيزة (من مواليد القاهرة في 24 ديسمبر 1951) وكان طالبا بجامعة الأزهر ويتبع مجموعة تنظيمية للقيادي مصطفي يسري، بسبب كثرة الخلافات والانشقاقات داخل الجماعة فاقترح الهلاوى على قيادته، أن تستقل عن المجموعات الأخري إلى أن تنتهى الخلافات. 

كان طالب الشريعة "حسن الهلاوي" يسكن في منطقة الطلبية ـ هرم،  نشيطا لدرجة كبيرة سواء في خطب الجمعة أو حضور وإلقاء الدروس الدينية بالمساجد وهذا هو الإطار العلني للتنظيم، أما الإطار السري فقد أسس مجموعة تنهج فكرة الخروج علي الحاكم (الدولة)، وتولي الهلاوي الذي كان يملك رؤية أزهرية منصب الإفتاء فيها لتتغلب عليه الدعوة السرية فيما بعد. 

في أواخر عام 1965م كانت مصر على أعتاب حالة جديدة بعد إعدام المنظر الفكري للإرهابيين سيد قطب والذي تأثر به كثير من الشباب، ومع ضربات الطائرات الإسرائيلية في يونيو 1967م اهتزت الثقة في الدولة وتخيل البعض أن الدولة المصرية تسير إلي المجهول. 

ساهمت عوامل كثيرة فى تشكيل أفكار واستراتيجية التنظيمات الجهادية، وكان أهمها: تربية قادة وأعضاء التنظيم فى مساجد الجمعية الشرعية وجماعة أنصار السنة المحمدية، بتوجهاتها السلفية الواضح، حيث تأثروا جميعًا بفكر الشيخ محمد خليل هراس، وخرجت أفكار كثيرة واستراتيجيات مختلفة لمواجهة الدولة منها فكرة الانقلابات العسكرية وحروب العصابات وقتال الشوارع، واعتقاد قادة تنظيم الجهاد أن «الضباط الأحرار» كان تنظيمًا تابعًا لجماعة الإخوان المسلمين ثم خانها وانقلب عليها. 

عملية "الفنية العسكرية" 
كانت أول عملية شارك فيها "حسن الهلاوي" ومجموعته هي اقتحام الكلية الفنية العسكرية بالعباسية والتي راح ضحيتها أكثر من اثنى عشر طالبًا. وجاء في نص التحقيقات أنه كان يخشي فشل العملية (أي الهلاوي ) واعتبرها مخاطرة غير محسوبة العواقب فاقترح على المجموعة التي كان يقودها "صالح سرية" أمير التنظيم أن تحضر إلى العملية مصطحبة كشاكيل دراسية إلي مسجد جمال عبدالناصر بجوار الكلية الفنية حتي لو حدثت وفشلت العملية وتم القبض عليهم يدعون أنهم جاءوا لمسجد عبدالناصر لحضور محاضرة دينية. 

وتم القبض عليه بالفعل بعد أن أبلغ عن العملية أحد اتباع صالح سرية وكان ذلك في بدايات شهر إبريل من عام 1974م وحمل قرار الاتهام "الهلاوي" ليكون رقم 4، واستغرقت تحقيقات القضية حوالي 60 يومًا وقدمت خلالها لنيابة العامة في الجناية رقم 81 لسنة 1974م أمن الدولة العليا ومنها إلى محكمة أمن الدولة العليا وكان متهم فيها 92 متهما، معظمهم طلاب بالجامعات المصرية وبالكلية الفنية العسكرية، يتصدرهم زعيم التنظيم صالح عبد الله سرية فلسطيني الجنسية وأمراؤه الأربعة طلال عبد المنعم الأنصاري، كامل محمد عبد القادر، وحسن محمد الهلاوي وكارم عزت حسن عبدالمجيد الأناضولي. 

وحصل "الهلاوي" علي البراءة في القضية لعدم كفاية الأدلة وعدم إثبات اشتراكه الفعلي مع بقية المتهمين الرئيسيين ومن يومها تعمقت لديه رؤية الخروج علي الدولة ولكن بطريقة تكون أكثر فاعلية وعمقا من تجربة الفنية العسكرية بعد فشلها. 


ذاع صيت "الهلاوي" بعدها في ساحة الجماعات الإسلامية وأخرج رسالة حينها بعنوان "المسائل الشاغلة 55 مسألة في الفقه والجهاد " وكان معظمها ردودا علي الأسئلة التي كانت منتشرة علي الساحة مثل وجوب الجهاد والخلافة والحاكمية وتكفير العوام من الناس، ويقول عنها القيادي الجهادي المنشق أحمد راشد، إنه كان يحتفظ في مكتبته برسالة "المسائل الشاغلة.. 55 مسالة في الفقه والجهاد، وأن الهلاوي وضعها بديلا عن رسالة الإيمان لصالح سرية لأنه شعر أن رسالة الإيمان لم تكن عميقة في الاستدلال الفقهية، لذلك أخرج رسالة المسائل الشاغلة لترد على بعض الموضوعات التي كانت تشغل الجهاديين في هذه الفترة وركزت على فكرتين فكرة الرد علي التوقف والفكرة الثانية عدم العذر بالجهل.

(يتبع)

في الحلقة القادمة: 
كيف ناظر "حسن الهلاوى" مفتي الجهاد السابق شكري مصطفي زعيم التكفير؟
قصة اقتحام "الكتيبة الخضراء" منزل "الهلاوي" في الطلبية هرم
قصة نجاة "الهلاوي" من قبضة تنظيم "شكري مصطفي" باعجوبة
كيف تورط "الهلاوي" بعدها في تنظيم القنص المعروف إعلاميا بقضية السفارة القبرصية بالإسكندرية؟
كيف خطط "الهلاوي" للهروب من سجن المزرعة العمومي وقصة نجاح العملية؟