رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل تحل «الانتخابات الرئاسية» بديلا لـ «البيعة» و«الخلافة»؟

أرشيفية
أرشيفية

لاتزال مصطلحات الخلافة والرئاسة، والبيعة والانتخابات، تطرح نفسها بقوة على الساحة داخل التيارات الإسلامية مع كل استحقاق انتخابي، كل فصيل ينظر إليها من زاوية مختلفة عن الآخر، فهناك من يرى أن الخلافة هي الرئاسة، والبيعة هي الانتخابات، وهناك من ينكر ذلك تماما، وآخرون يمسكون العصا من المنتصف، أما التيار السلفي فكان له شأن خاص حول هذه المسألة، فمنهم من ينظر إلى الانتخابات الرئاسية بطريقة برجماتية نفعية بحتة، طبقا لقاعدة المصالح والمفاسد لديهم، ومنهم من يرى أنه لا داعي للانتخابات لأنها تخالف الشرع باعتبار أن الرئيس الحالي مازال ولي أمر شرعي فلا يجوز منازعته، وهناك من يقف عند حدود الماضي ويدفن رأسه في التراب ولا يرى إلا الخلافة على النمط القديم، فيكفرون الرئاسة والرئيس والانتخابات والمشاركين فيها، يقول الشهرستانى(479هـ - 548هـ ) ما سل سيف فى الإسلام على قاعدة دينية قط مثل ما سل على الإمامة فى كل زمان.


فهل البيعة هى الانتخابات؟ وهل أهل الحل والعقد هم جموع الناخبين من الشعوب اليوم؟ وهل دولة الخلافة هي الدولة المعروفة اليوم؟.. السطور التالية تجيب على هذه الأسئلة..


مشكلة الفقه السياسي الإسلامي

يعد فقهاء الشافعية أول من أفردوا المؤلفات لهذا الفن فى الفقه الإسلامى فالماوردى(364 - 450هـ) الفقيه الشافعي من أوائل وأشهر من كتبوا فى الفقه السياسى الإسلامى القديم أو القانون الدستورى بلغة العصر الحديث، ثم جاء من بعده "الجوينى" الفقيه الشافعى أيضًا (419هـ - 478هـ)، مستوعبًا ما كتب "الماوردى" هاضمًا له ثم أضاف لمسته وجهده فكان أكثر عمقًا وتحليلًا لمضمون هذا الفقه الناشئ حينئذ فحدد طرق، ونوعية مسائل هذا الفرع الفقهى بمنتهى الوضوح الذى يقطع الجدل ويريح الناظرين فيه فقال: ومعظم مسائل الإمامة عارية عن مسالك القطع خلية عن مدارك اليقين. وقال أيضا ومعظم القول في الولاة والولايات العامة والخاصة مظنونة في التآخي والتحري.

كان ينبغى بعد هذه الأقوال أن ننتهى من مسائل هذا الفقه فلقد حسم الجوينى الأمر فلا قطع فى مسائل هذا الفن فهى خاضعة للإجتهاد والنظر وكلاهما محكوم بالواقع الذى يضيف له أو يخصم منه لكن ماذا حدث؟

الدكتور حسين مؤنس

يحلل الدكتور حسين مؤنس فى كتابه "تنقية أصول التاريخ" المشكلة بتقريره أن فقه الأمة السياسى تجمد عند لحظات تاريخية معينة بدأت منذ مقولة الصحابى الجليل عثمان بن عفان رضى الله عنه وأرضاه "لا أخلع قميص قمصنيه الله" مقررًا التمسك بالخلافة وحينما رحُنا نكتب هذا الفقه لم نجد فيه قطعا ولا حسما كما قرر"الجوينى" وبدلًا من أن يكون هذا القول إشارة للفهم والحركة والانطلاق بهذا الفقه حدث العكس وكأننا لم نلتقط الإشارة فرحنا نقطع بمسائله ونفرضها فى الواقع الذى تغير وترك مسائله فى قعر التاريخ الذى نصر على استدعائه.

أهل الحل والعقد

حتى هذا المصطلح "أهل الحل والعقد" هو مصطلح وضعى مستنبط وليس عليه نص يقول الدكتور عبد الله بن إبراهيم الطريقي: أن هذا المصطلح وإن ظهر متقدمًا، لكنه لم يرد في نص شرعي، واستعملته طائفتان هما: الأصوليون، وعلماء الفقه السياسي، وأول من استعمله أبو الحسن الأشعري(ت 330)، ثم القاضي أبو بكر الباقلاني(ت 403)، وتحدث عنه بعد ذلك إماما الفقه السياسي: الماوردي(ت450)، وأبو يعلى الفراء(ت458)، في كتابيهما عن الأحكام السلطانية؛ ويتقاطع معناه مع مصطلحات شرعية أخرى هي: أولو الأمر، العلماء، أهل الاختيار، أهل الاجتهاد، أهل الشورى، أهل الشوكة، أهل الرأي وبالرجوع لأهل الفقه الإسلامى وما كتبوه فى تعريف هذا المصطلح وتحديده سنرى أن المقصود ب"أهل الحل والعقد"، العلماء وقادة الجند أو العسكريون، والأمراء والوجهاء، ورؤساء القبائل وأهل الحرف والصنائع، والتجار وأصحاب رؤس الأموال، وأهل الرأى والمشورة والحكمة من وجوه عامة الناس.

كيف نعرف أهل الحل والعقد وما علاقتهم بالأمة؟

وحينما نطرح على فقهنا السياسى السؤال كيف نعرف أهل الحل والعقد ومن يختارهم وما هى علاقتهم بالأمة؟ سنجد فى الاجابة نفس النظرة غير المستقرة التي تنبئ عن روح الاجتهاد لا النص إذ يخلص الدكتور عبد الله بن إبراهيم الطريقي بعدما استقرأ كل ما كتب فى القديم إلى أنهم يعرفون من خلال صفاتهم، ويؤدون مهامهم دون تكليف من أحد، أو يعينهم الإمام، أو تختارهم الأمة بالانتخاب، أو يمكن الجمع بين الانتخاب والتعيين، أو ترك الأمر للاجتهاد حسب الأحوال، وعلاقتهم بالأمة مزدوجة بين كونهم وكلاء عن الأمة فى مصالحهم وولاة عليها تجب طاعتهم، وفى هذا تشابه واضح بينهم وبين عمل البرلمانات فى العصر الحديث.

يقول الباحث بشير موسى نافع فى محاولة للمزاوجة بين الدولة القديمة والحديثة: إن هذا المعنى لمفهوم “أهل الحل والعقد” يعطينا دلالة مهمة على محدودية سلطة الدولة في التجربة الإسلامية التاريخية؛ فالدولة ليست كيانًا مجردًا ومتعاليًا، بل هي مؤسسة مشروطة بشبكة من العلاقات المتداخلة بقوى الاجتماع الإسلامي. هذه القوى الاجتماعية هي نتاج ديناميات الاجتماع ذاته وتنتخب هذه القوى والجماعات ممثليها انتخابًا طبيعيًا من خلال تقاليد عميقة الجذور، ارتضتها كل منها وطورتها بما يناسب تكوينها ودورها الاجتماعي.

فالطريقة التي يبرز بها العلماء الكبار تختلف عن تلك التي يعرف بها شيوخ القبائل والأسر الكبيرة، أو تلك التي يقر على أساسها قادة الجند أو مقدمو التجار والأصناف (الحرف)ولقد كفلت هذه التقاليد أن يمثل القادة مصالح فئاتهم وجماعاتهم تمثيلًا حقيقيًا؛ ونظرًا لاتصال القادة الدائم بقواعدهم فإن مصداقية التمثيل كانت تخضع لامتحان ونظر مستمرين. أمّا العلماء الكبار فيبرزون على أساس من العلم والتقوى والدفاع عن قيم الشرع وحقوق العباد والاستقلالية عن الحاكم، فإن ظهر على أحد منهم ما يخل بهذه الشروط، كأن يصبح من بطانة الحاكم أكان الخليفة أم دون ذلك، فسرعان ما يفقد ثقة الناس ومجتمع العلماء. كما ان مقدم تجار مدينة ما، أو حرفة ما، لا يستطيع الاستمرار في موقعه ودوره إن فقد مصداقية تمثيل التجار أو أبناء الحرفة.

لكن ثمة مشكلة اخرى تواجه هذا المصطلح" أهل الحل والعقد" لصالح الانتخابات اليوم ففى القدم لم تكن وسائل الاتصال تسمح بشمول هذا المصطلح لكل ولايات دولة الخلافة مما جعله ينحصر فى مركز الخلافة ولكن الأطراف استعاضت عن ذلك بتكوين نفس الفئات بنفس الاسم "اهل الحل والعقد" فى كل ولاية.